أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
1 2 3 41135
"القشابية" دفء الرجال في الجزائر ورمز مقاومتهم للاستعمار!!
04.02.2021

الجزائر ـ تعتلي "القشابية" كل شتاء صدارة الألبسة التراثية في الجزائر، ومن خصوصيتها مع تغير الأزمنة والأجيال، أنها ليست حكرا على الكبار في السن وحدهم، بل كذلك تلقى اهتمام الشباب. إذ في الكثير من المناطق لا يخلو منزل واحد من شخص لا يرتدي هذا اللباس التقليدي العريق، خاصة أنه عرف نوعا من التحديث، حيث حوّله بعض الحرفيين إلى شكل معطف.
ورغم أنّ القشابية لباس رجالي شتوي ينتشر بكثافة في المحافظات الشرقية، لكنه مصنوع على مراحل عديدة بأياد نسائية من وبر الجمال وصوف الأغنام.
وعادة ما تغزل النساء القشابية بصبر على المناسج الخشبية التقليدية، فيما باتت مؤخرا تصنع في معامل النسيج، كمدفأة للرجال في فصل الشتاء البارد.
وتبدأ مراحل حياكة القشابية بانتقاء وتنقية وغسل الوبر أو الصوف، ثم التجفيف والغزل لاستخراج خيوط النسيج، يليهما الحياكة والصباغة بين ألوان الأسود والأبيض والبني، مستعملين في ذلك أدوات تقليدية لم تتطور حتى يومنا هذا.
وتشكل القشابية بجانب البرنوس أشهر الألبسة التراثية للرجال، فيما يعد “الكراكو” و”الملايا” من أبرز الألبسة النسائية في الجزائر. وهي ألبسة مازالت تقاوم هجمات الموضة.
ومن الأمور التي تجعل الرجل الجزائري متمسكا بالقشابية رغم المعاطف العصرية التي تواكب الموضة، هي رمزيتها التاريخية، فعلاوة على الهمة والشموخ اللذين تمنحهما لمرتديها، ظلت القشابية اللباس المفضل للثوار في المدن والجبال والقرى، كما كانت مخبأ للأسلحة التي نفذت بها العمليات الفدائية إبّان الاستعمار الفرنسي للجزائر.
قالت فايزة رياش، الباحثة في التراث الجزائري، إنّ “القشابية جزء من الصناعة التقليدية النسيجية، التي كانت رائجة خلال الفترات القديمة والحضارات الإسلامية”.
وأضافت، “صناعة القشابية ازدهرت في المناطق الصحراوية الرعوية بالجزائر، حيث برودة الطقس وانتشار رعاة الأغنام، ويوجد منها القصير والطويل”.
بدوره، اعتبر الصحافي الجزائري المتخصص في الشأن الثقافي صالح سعودي، أنّ “القشابية لباس تراثي يرتديه الجزائريون من الطبقات الاجتماعية والفئات العمرية المختلفة، ويسجل حضوره بقوة في مواجهة موضة الأزياء التي تغزو البلاد”.
وقال سعودي، “حتى الآن يظل التجار المتنقلين يفضلون ارتداء القشابية، لأنها تضمن الدفء وتقاوم البرد الشديد في فصل الشتاء”.
وتابع، “كلّما خفّ وزنها ارتفع ثمنها، لذلك فإن أسعار القشابية تختلف حسب نوعية الوبر والصوف المستخدم في صناعتها، والذي يبلغ في بعض الأحيان 80 ألف دينار جزائري (حوالي 350 دولارا)”.
من جانبه أكد طارق بن محمد، صاحب محل لبيع القشابية بمحافظة الجلفة (شمال) أنّ صناعة اللباس التراثي تعد من بين الحرف اليدوية التي تقوم بها النساء لاسيما المسنات في المنازل، واللواتي بدأ عددهن يقل وبدأت الحرفة تندثر.
وأضاف بن محمد، “الإقبال على شراء القشابية قليل هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، بسبب تأثير وباء كورونا على القدرة الشرائية للجزائريين”.
وأوضح أن أسعار القشابية المصنوعة من الصوف تترواح بين 20 و30 ألف دينار (بين 110 و180 دولارا)، فيما تترواح أسعار المصنوعة من وبر الجمال بين 40 و150 ألف دينار (بين 200 و800 دولار)، أما أفضل الأنواع فهي المصنوعة من وبر “العقيقة” (صغار الجمال) ويصل سعر القشابية منها إلى 150 ألف دينار (حوالي 800 دولار).
يشدد الكثير من الحرفيين وصانعي الألبسة التقليدية عموما والقشابية خصوصا على عدة مشاكل تعتريهم في مهنتهم، خاصة في ما يتلعق بارتفاع أسعار المواد الأولية إضافة إلى أزمة التسويق حتى في المدن الكبرى، حيث من الصعب أن تجد محلا مخصصا لها.
وتتعرض القشابية الجزائرية منذ سنوات إلى منافسة شرسة فرضتها عليها السلع الصينية المقلدة، حيث عمدت إلى طرح أنواع أقل جودة وبأسعار فتحت شهية الجزائريين الذين عجزوا عن اقتناء المحلية التي صارت حكرا على الأثرياء. يقول بن محمد، إن القشابية الصينية مصنوعة من مجرد قطن وليس من وبر حقيقي، لذلك يبقى سعرها رخيصا ويقبل عليها الفقراء وحتى الشباب الذين ينسقونها مع بنطلونات الجينز والأحذية الرياضية.
ويتفق التجار في أسواق الجلفة، على أن القشابية المحلية بدأت تختفي من الأسواق لسببين، أولا نظرا لغلاء سعرها، وثانيا بسبب خياطتها التقليدية وعدم مواكبتها للعصر، من حيث الابتكار في التصميم. كما يعيق ثقلها الحركة السريعة التي فرضها نمط الحياة العصري.
ويحاول الحرفيون اليوم الإبداع في تصميم القشابية وأشكالها، فصنعوا قشابية على شكل معطف لاقت رواجا وانتشارا كبيرين خصوصا بين الشباب، بل صنعوا منها لباسا نسائيا أقدمت عليه الشابات خاصة المغتربات منهن. كما أصبح الحرفيون يمزجون بين الوبر المحلي والوبر المستورد من آسيا لتخفيف تكاليف الصناعة وبالتالي التخفيض في الأسعار.

1