غزة (فلسطين) ـ ينطلق الثلاثيني محمد أبودقة، مع ساعات الصباح الباكر، باتجاه أرض زراعية مليئة بأشجار الزيتون، جنوبي قطاع غزة، حاملا معدات يحتاجها لقصّ أغصان تلك الأشجار لتوفير الحطب.
من بين ما يحمله أبودقة، منشار كهربائي لقص الأغصان، وفأس قديم لتحويل خشب الأشجار إلى قطع صغيرة من الحطب.
وقديما كان يعتمد الحطّاب، على آلات يدوية في قصّ الأشجار وتقطيع الحطب، ما يُكلفه وقتا كبيرا وجهدا مضاعفا، لكنّ مع الوقت أصبح يمتلك آلات حديثة تُسهّل عليه العمل.
هذا الحطب، الذي يجمعه الشاب الفلسطيني، يبيعه خلال فصل الشتاء، مقابل مردود مادي بالكاد يفي بتلبية احتياجات أسرته.
وعلى الرغم من أن قطاع غزة يعاني أساسا من اختفاء مهنة “التحطيب” بعد اندثار الأحراش والغابات وبيارات الحمضيات، بسبب الزحف العمراني والحروب الإسرائيلية، إلا أن الشاب الثلاثيني أجبر على هذه المهنة، التي يصفها بالموسمية والمرتبطة بالشتاء.
وقال أبودقة، إنه لجأ إلى هذه المهنة بعدما فقد الأمل في الحصول على فرصة عمل بشهادته الجامعية، مضيفا أن جمع الحطب بات المصدر الوحيد لدخله، ولعاملين اثنين يساعدانه في العمل.
وأوضح أنه في ظل الوضع الاقتصادي المتردي بقطاع غزة، فإن الشاب الفلسطيني بات يعمل في مهن لا علاقة لها بمجاله الدراسي، أو وضعه الاجتماعي.
ويعيش في القطاع ما يزيد عن مليوني فلسطيني، يعانون من أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية للغاية جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 2007.
الوضع الاقتصادي المتردّي في غزة يجبر الشباب الفلسطيني على العمل في مهن لا علاقة لها بمجالهم الدراسي
وتظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن نسبة البطالة بغزة بلغت حتى نهاية الربع الثاني الماضي، نحو 49 في المئة بعدد عاطلين عن العمل بلغ 203.2 آلاف.
كما يعاني نصف سكان غزة من الفقر، فيما يتلقى 4 أشخاص من بين كل 5 مساعدات مالية، حسب إحصائية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية مقرها جنيف)، أصدرها نهاية ينايرالماضي.
وأفاد أبودقة بأن مهنة جمع الحطب تعتبر من المهن الموسمية، حيث يعدها البعض تراثية ونادرة.
وأردف “انخفاض أعداد العاملين في هذه المهنة مقارنة بما كانت عليه في السابق، يعود إلى الجهد الكبير الذي تحتاجه، مقابل المردود المادي الضعيف”.
وتابع “البدائل الكهربائية التي ظهرت في العصر الحديث، والتي تقلل الحاجة لاستخدام الحطب، أدت إلى ندرة هذه المهنة”.
وذكر أبودقة أنه رغم ذلك فإن فئة من سكان القطاع ما زالوا يترددون على المحال التي تبيع الحطب لشرائه، لكن بكميات أقل مقارنة بالكميات التي كانت تُباع قبل سنوات.
وفي فصل الشتاء، يلجأ فلسطينيون لاستخدام الحطب كمصدر للتدفئة داخل المنازل، وفي الأماكن المفتوحة، كما يستخدمه البعض بديلا عن الغاز، لطهي الطعام.
وفي فصل الشتاء، يلجأ سكان قطاع غزة لشراء الحطب، لاستخدامه في التدفئة المنزلية في ظل انقطاع التيار الكهربائي المستمر يوميا، فضلا عن استخدامه في المناسبات الاجتماعية لإعداد القهوة، كما يستخدمه البعض بديلا عن الغاز، لطهي أنواع من المأكولات في المطاعم.
وذكر أبودقة أن مهنة جمع الحطب تحتاج “إلى جهد عال، ونفس طويل وصبر، إضافة لكونها تحمل جانبا من المغامرة، جراء تفاوت أسعار الحطب من موسم إلى آخر، واختلاف ظروف الأسواق المحلية”.
واستطرد قائلا “في السابق كانت مساحة الأراضي الزراعية، المليئة بالأشجار التي تحتاج لتقليم سنوي واسعة، حيث كان يخرج منها المئات من السيقان والجذوع، التي تتحول بعد قصها إلى حطب”.
واستدرك “لكن بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمستمرة عبر استهداف وتجريف للمناطق الحدودية، باتت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية قاحلة، وخالية من الأشجار”.
وأوضح أن أجود أنواع الحطب هو الذي يتم استخراجه من أشجار الزيتون والحمضيات، لافتا إلى أنه يمتاز “بطول مدة اشتعاله، وصلابته، وقدرته على تشكيل الجمر”.
ويصل سعر الطن الواحد من الحطب في الوقت الحالي، إلى نحو 176 دولارا أميركيا، فيما كان يزيد سعره قبل سنوات عن 300 دولار.
وأرجع أبودقة انخفاض سعره إلى عدة عوامل منها “ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وتردي الأوضاع الاقتصادية العامة، جراء الحصار الإسرائيلي المستمر للعام الـ14 على التوالي”.
في “محطب”، يتبع لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ويقع في سوق “فراس” الشعبي بمدينة غزة، تقضي عائلة عبدالعال، التي ورثت مهنة جمع الحطب عن أجدادها جل أوقاتها في العمل هناك.
عائلة عبدالعال، بدأت هذه المهنة قبل أكثر من 30 عاما، فيما بدأ أجدادها هذه المهنة منذ ستينات القرن الماضي.
وقال عبدالعال، إن “هذه المهنة جزء من التراث الوطني الفلسطيني، وهي كذلك إرث مهم لعائلتي تعرف من خلاله بين الناس”.
وأفاد بأنهم “يعكفون على قص الأشجار في فصلي الصيف والشتاء، لتجهيز الحطب، وبيعه لاحقا للمواطنين”.
ويرجع عبدالعال سبب شح الأشجار إلى التوسع العمراني في الأراضي الزراعية، خلال العقود الأخيرة، لافتا إلى أن مهنة جمع الحطب وبيعه “كانت مزدهرة في قطاع غزة قبل نحو (30 عاما)، فيما كان الحطابون يتنقلون بين الأراضي الفلسطينية المحتلة لقطع الأشجار والحصول على خشب إضافي”.
ويبيّن أنه يضطر في بعض الأحيان للتوجه إلى المناطق الحدودية لقطع الأشجار، فيتعرض ومن معه لإطلاق نار من قبل الجيش الإسرائيلي، المتمركز على الحدود مع قطاع غزة. وفي الختام، شدد على أنه لن يترك هذه المهنة حتى آخر يوم في حياته، وكما ورّثها لأبنائه سيحثهم على توريثها للأحفاد، “رغم مردودها المادي الضعيف
جمع الحطب مهنة من لا مهنة له من شباب غزة!!
24.12.2020