أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
15 6 7 8 9 10 111135
"الحوش" سر التكييف في العمارة الأمازيغية بالجنوب التونسي!!
15.08.2024

لم يترك سكان الجنوب التونسي من الأمازيغ التقلبات المناخية تتلاعب بحياتهم بل استعدوا لمقاومة البرد والحر بذكاء عملي جعلهم يشيدون منازلهم تحت الأرض فكانت مكيفة بشكل طبيعي تجعل حياتهم سهلة في الصيف والشتاء. كما كانت عمارتهم تمكنهم من الاحتماء بها من العدو………..
تونس – الحياة بين جبال مطماطة في الجنوب التونسي تشبه الحياة فوق سطح القمر، فبينما تبدو الأراضي على مدى البصر قفراء تحت أشعة الشمس الحارقة، تنبض حفر واسعة تحت الأرض بالحياة.
على مسافة قريبة من موقع ديكور فيلم الخيال العلمي الشهير “حرب النجوم” في صحراء مطماطة بولاية قابس، يعيش سكان قرى تيجمة وزمرتن وتامرزت وغيرها من القرى الأمازيغية، منذ عدة قرون في ديار محفورة في الصخر تحت الأرض.
وتمثل هذه المساكن التي يطلق عليها “الحوش” باللهجة المحلية، موطنا لمجتمع القبائل الأمازيغية المتواجدة حتى اليوم في الجنوب التونسي على بعد نحو 450 كيلومترا عن العاصمة في الشمال، قبل دخول العرب المسلمين القادمين من الشرق في القرن السابع ميلادي.
وألهم المكان الطبيعي لهذه القرى في سبعينات القرن الماضي، المخرج الأميركي جورج لوكاس لوضع ديكور كوكب “تاتوين” الخيالي وبدأ التصوير في تلك الفترة لأولى أجزاء “حرب النجوم”. ويستقطب المكان حتى اليوم بما في ذلك الفندق الصخري الذي استقبل فريق التصوير، السياح ومحبي سلسلة أفلام “حرب النجوم”.
وتحتفظ الجدران الصخرية للفندق بصور نادرة لأفيشات الفيلم وكواليس التصوير وأقنعة الممثلين وإكسسوارات العمل.
عجيبة معمارية
ويقول سكان القرى إن الفيلم ذا الشهرة الواسعة، أعاد التعريف بالإرث الثقافي والمعماري الفريد للقبائل الأمازيغية والممتد في تونس وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء وحتى جزر الكناري غربا، كما منح دفعة للحركة السياحية والثقافية في المنطقة.
ومنذ ثورة 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، ظهرت نخبة من أقلية الأمازيغ إلى العلن للمطالبة بحقوق أوسع.
ويقول سمير النفزي مؤسس الحركة الثقافية “آكال” التي تعني “الأرض”، “هناك حالة تعطش للثقافة الأمازيغية”، ويتابع رئيس الحركة “تونس لم تعمل بتوصية الأمم المتحدة في 2016 والتي تدعو فيها السلطات إلى إعادة الاعتبار للغة وهوية السكان الأصليين الأمازيغية”.
وتفاخر تونس بضمها لتنوع ثقافي لافت يظهر في العادات والطبخ والمعمار. وتمثل بيوت مطماطة القديمة في جوف الحفر علامة فارقة لهذا التنوع في جنوب البلاد.
تحتوي الحفر الواسعة على فناء دائري تحيط به كهوف صخرية يستخدم بعضها كغرف للنوم أو مكان لتخزين الحبوب والغذاء. وتربط بين الغرف ممرات ضيفة وأنفاق وسط الصخور.
وفي العادة يتكون البيت الأمازيغي في مطماطة من طابقين، واحد علوي يخصص لتخزين المؤن، وآخر سفلي للإقامة والسكن ويضم المطبخ والحمام وغرف النوم وغرفة الجلوس. ويكون الدخول إلى البيوت إما بدرج من الأعلى أو بسلالم من الأسفل.
ينتشر اللون البني على نطاق واسع في جدران البيوت الأمازيغية انعكاسا للون الأرض ولكن يستخدم كذلك الطلاء الأبيض في البيوت. ويفضل سكان هذه القرى البساطة في تزويق بيوتهم عبر السجاد والجلود والتحف والإكسسوارات القديمة من التراث الأمازيغي والأثاث التقليدي من صنع الحرفيين.
وتقول هاجر التاوجوتي في حديثها عن عادات الجهة لإذاعة محلية “تحتفظ كل أم في مطماطة بألعاب وإكسسورات صغيرة وأشياء تذكارية من طفولة ابنتها داخل علبة ومع اقتراب موعد زفاف الابنة تقوم الأم بصناعة قلادة تحتوي على هذه الأشياء التذكارية مع الصخاب”. والصخاب يطلق على عطر طبيعي أسود يستعمل في المصوغ البربري.
ووفق إحصائيات الأدلاء السياحيين الذين يعملون في الجهة، تضم مطماطة القديمة حوالي 650 منزلا محفورا في الجبال. لكن في العقود الأخيرة من القرن العشرين أدت عمليات نزوح مكثفة إلى مغادرة الكثير من سكان القرى إلى المدن الكبرى في ولاية قابس أو مدينة مطماطة الجديدة. وشيدت عائلات بيوتا حديثة من الإسمنت والآجر، فيما أبقى البعض على بيوتهم القديمة من أجل الاستخدام في المجال الزراعي.
وتفضل باقي العائلات الاستمرار في البيوت المحفورة لقدرتها على التأقلم مع التغيرات المناخية المتطرفة والحرارة المرتفعة في جنوب تونس، حيث يمكن أن تتجاوز في المعدل ما بين 40 و45 درجة في فصل الصيف.
قال علي بوهالة من قرية زمرتن وهو يعمل دليلا سياحيا بالمنطقة “تتميز مساكن ديار الحفر بأنها تحتوي على بيوت درجة حرارتها ثابتة على مدار العام ما بين 18 و20 درجة، وهو معدل مناسب للسكن وخزن المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية التقليدية”. كما تؤمن البيوت دفئا طبيعيا في فصل الشتاء القارس دون الحاجة إلى سخانات.
وتقول هاجر التاوجوتي التي تقيم مع عائلتها بمنزل حفري بقرية تيجمة “هذه الديار تحتوي على طاقة إيجابية يشعر الإنسان المقيم داخلها براحة نفسية كبيرة”.
يعتمد اقتصاد المدينة القديمة في مطماطة في أغلبه على الزراعة من خلال غراسات الزيتون المقاومة للمناخ الحار، وعلى مشاريع السياحة عبر تحويل بعض المنازل في الجبال إلى إقامات فندقية
وتكون هذه البيوت في الغالب قبلة للزائرين المستكشفين في رحلات السياحة الموسمية في فصلي الربيع والشتاء وأثناء الاحتفال برأس السنة الأمازيغية وخلال احتفالات المهرجان الدولي بمطماطة في شهر مايو من كل عام.

1