أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
147 48 49 50 51 52 531135
السعوديون في نجران يواصلون ترميم بيوتهم وقصورهم الطينية!!
14.03.2023

نجران (السعودية) - تفردت منطقة نجران بالعديد من الآثار والمعالم الحضارية، وبالتراث العمراني الذي يعتبر مقوما أساسيا من مقومات السياحة الريفية في السعودية، حيث تنتشر حوالي 33 قرية طينية على جانبي وادي نجران وتمتد من الغرب إلى الشرق ، شمالا وجنوبا.
وحفاظاً عليها من الاندثار، لما تكتنزه من طراز عمراني فريد متداخل مع جمال البيئة المحيطة به بمسطحاتها الخضراء وحدائقها الغناء ونخيلها الباسق على ضفتي وادي نجران، يواصل ملاك القصور والبيوت الطينية التراثية بنجران إعادة ترميمها وتهيئتها، في بادرة وطنية ذاتية نابعة من وعيهم بقيمة الإرث التاريخي الوطني وأهمية المحافظة عليه بوصفه هوية وتاريخا وتأصيلا لماض عريق وحاضر مزدهر ومستقبل واعد، لتكون هذه المعالم مزارا سياحيا وإرثا للأجيال القادمة، وشاهدا على الإرث الثقافي والتراث العمراني للمنطقة والوطن.
وأسهم ترميم وتأهيل أكثر من 50 بيتا وقصرا طينيا في العام الماضي بالمنطقة من قبل الأهالي والملاك في الحفاظ على هذا الإرث العمراني الفريد الذي يمكّن الأجيال من التعرف عليه كما أصبح وجهة للسياح لما فيه من حس فني وتخطيط هندسي معماري فريد.
وتختلف نماذج المباني الطينية في المسميات وفي الشكل وطريقة البناء، فيما تتوحد مكونات بنائها من الحجر والطين والأخشاب والتبن، ويتميز “الدرب” بصور هندسية ذات فن معماري وجمالي أخاذ يتكون من سبعة إلى تسعة طوابق، وتبنى في سطحه غرفة وحيدة تسمى الخارجة تكشف كامل المحيط الخارجي للدرب، وهي مخصصة لرب الأسرة أو كبير العائلة، وتوجد في محيط الدرب بئر تسمى “الحسي”.
ويتكون مبنى “المشولق” من طابقين إلى ثلاثة وتطل جميع غرفه على المدخل الرئيسي، فيما يتكون مبنى “المقدم” من ثلاثة طوابق وحوش، ويُستخدم الطابق الأرضي منه كمجلس وغرف للتخزين، وكذلك المبنى “المربع” الذي يتميز بتساوي أضلاعه.
وتبرز جماليات البناء العمراني للقصور والبيوت الطينية في نجران بأدق تفاصيلها في الزوايا المائلة والمتباعدة، وقرب السقف في مبنى “المشولق”، أما “المربع” و”القصبة” فيبنيان بشكل دائري، وتكون القاعدة كبيرة، وتضيق الدائرة كلما ارتفع البناء. وعادة ما يتواجد المبنى في زوايا القرية لحمايتها.
وهناك نموذج القلاع أو الحصون أو ما يسمى “القصبة”، التي عادة ما تكون في السور الذي يبنى حول بعض المباني أو القرية، وتبنى بشكل دائري حيث تكون القاعدة أكبر وتضيق الدائرة كلما ارتفع البناء، وعادة ما يكون في علو السور المحيط بمجموعة من المباني وضع “العوسج” أو ما يسمى “بالزرب” لإحاطة علو السور من أجل الحماية ومنع التسلق. ويكون للسور باب مكون من خشب “العلب”، السدر الصلب، وله مفاتيح تسمى “الضبة” أو “المفتاح”، كما يستخدم خشب السدر في صناعة الأبواب الداخلية والنوافذ “البائجة”.
ويبدأ بناء بيوت الطين باستخدام الطين والتبن وجذوع وسعف النخل والأثل ، بدءاً بوضع الأساس المسمى “وثر”، وهو من الحجارة والطين، ثم يبدأ بوضع المدماك الأول وبعد الانتهاء منه يترك لمدة يوم حتى يجف، وذلك في الصيف. أما في الشتاء فيترك يومين أو ثلاثة ثم يقام المدماك الثاني، وهكذا حتى يتم البناء. وبعد الانتهاء تتم عملية “الصماخ”، وهو لياسة السقف من أسفل بالطين، والسقف عبارة عن خشب من جذوع وسعف النخيل وأشجار الأثل أو السدر، وبعد 15 يوماً يتم البدء بما يُسمى “القضاض” من الجير الأبيض، ثم تتم عملية “التعسيف”، وهو عملية الدرج والتلييس بالطين، بعد ذلك تأتي العمليات الجمالية الإضافية للمباني من الداخل والخارج.
وأوضح المتخصص في التراث الثقافي والعمراني النجراني ناصر مبارك الصقور كيفية بناء وترميم البيوت الطينية بدءاً بمكوناتها من الطين والتبن والخشب والحجر، بحيث يكون الحجر أساس البناء من الأسفل وبارتفاع لا يقل عن 10 سم للحفاظ على قوام الطين وحمايته من التحلل والتآكل. ويكون العمل بالطين والتبن على ثلاث مراحل؛ وهي البناء في مرحلتين و”الملاِّج” أو التلياس في مرحلة واحدة. ويتم البناء باللّبِن وهو مثل البلكة المعروفة اليوم ويتكون من الطين الذي يُترك لمدة يومين إلى ثلاثة أيام بعد خلطة بالتبن، حتى يصبح جافاً وصلبا ومتماسك القوام.
وتبدأ المرحلة الأولى من البناء باستخدام اللبن، وذلك بوضعه في شكل متراص، ثم تأتي المرحلة الثانية من البناء وهي مرحلة المداميك، حيث يتم تخمير الطين ليومين أو ثلاثة ثم يخلط بالتبن بطريقة الضرب ويُجمع، ومن ثم يضرب به على الجدار حتى يستوي. أما مرحلة “الملاج” أو التلياس فتعد الخطوة الأهم في عملية البناء أو الترميم لسد التشققات والحفاظ على تماسك البناء ومتانته وإكسابه منظرا لائقا، حيث يتم خلالها خلط التبن مع الطين من عشرة أيام فأكثر، وذلك بخلطه يوما وتركه يوما وإضافة التبن والماء إلى الطين عند عملية الخلط إلى أن تصبح رائحته نفاذة مما يعني ثباته وجودته، ويتم اختيار الطين الجيد الخالي من الرمل لعمل الأسقف والشراريف والصبغة.

1