أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
144 45 46 47 48 49 501135
عادات اندثرت من رمضان الفلسطينيين!!
03.04.2023

غزة (فلسطين) - يستذكر الحاج محمد المشلح (أبويعقوب)، طقوس شهر رمضان وعاداته التي عايشها منذ طفولته والتي بدأت تختلف وربما تتلاشى بسبب الأوضاع الاقتصادية ونمط الحياة الحديث.
الحنين والشوق يسيطران على المسن المشلح (75 عاما) من سكان مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، إلى أيام رمضان قبل عشرات السنوات حيث كانت له طقوس وعادات وموروثات تجعل للشهر الصيام ميزة خاصة.
“العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية اختلفت” يقول المشلح لوكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” وهو يجلس على كرسي بلاستيكي أمام منزله في أحد أزقة المخيم.
ويتابع “في الماضي كان المواطنون ينتظرون شهر الصيام على أحرّ من الجمر، يهيئون منازلهم، من تجهيز وتخزين العديد من أنواع المواد الغذائية الموسمية مثل، البامية التي كانت تعلق في خيطان، والقطين، وعصير البندورة الذي كان يعصر وينشف بالشمس لأنها كانت غير متوفرة على مدار العام كهذه الأيام”.
من العادات الرمضانية التي اندثرت توزيع الجيران للطعام على بعضهم بعضا قبل موعد الإفطار ما ينشر المحبة بينهم
ويستذكر السبعيني الذي تعود أصوله إلى مدينة يافا، كيف كان الناس يستعدون سويا لاستقبال هذا الشهر الفضيل عبر تنظيف أزقة المخيم وشوارعه وتزيينها بما كان متوفرا في ذلك الوقت من مصابيح إنارة ملونة.ويرى أن هذه الأيام تلقي الأوضاع الاقتصادية ومعها التقدم التكنولوجي والإنترنت بظلالها على عادات رمضان وتقاليده القديمة، حيث أن هناك الكثير ممن لا يستطيعون صلة رحمة بسبب الفقر المدقع، وهناك من يقتصر بالتهنئة على مواقع التواصل الاجتماعي دون رد الزيارات إلى الأهل.
ويقول محمد المشلح “كان الجميع يشم رائحة الطعام التي تخرج من المنازل في أزقة المخيم قبل ساعات من الإفطار، ويبدأ الجيران بتوزيع الطعام على بعضهم بعضا، ما ينشر المحبة بينهم، أما الآن فهذه العادة اندثرت”.
ويضيف “في ساعات المساء وبعد أداء العبادات وصلاة التراويح كان الرجال يجلسون على أبواب المنازل وفي المقاهي يتسامرون ويلعبون النرد ويشربون الشاي والقهوة”.
وغزة اليوم ينهشها الفقر المدقع وارتفاع نسبة البطالة نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 17 عاما، وذلك أثّر على عادات رمضان واقتصارها على صلة الأرحام من الدرجة الأولى فقط.
ولا يغيب عن ذاكرة الحاج أبويعقوب مدفع رمضان الذي كان ينطلق وقت الإفطار، إذ يقول بحسرة “كل شيء تغير، اليوم كل واحد مشغول بحاله وبوضعه المادي الصعب أو نتيجة قطيعة الأرحام التي زادت بين الناس”.
أمّ محمود عناية من سكان حي الشيخ رضوان فتتلاقى في حديثها كثيرا مع أبويعقوب بأن رمضان هذه الأيام يختلف عن زمان من ناحية المحبة والتكافل والتراحم بين الأسرة الواحدة والأقارب والجيران، مشيرة إلى أن “صحن الطبيخ” كان يلفّ على جميع بيوت الجيران الفقراء والمقتدرين.
وتضيف أم محمود (70 عاما)، “كنا كلنا عائلة واحدة الجميع يشارك في تجهيز طعام الإفطار، وكذلك توزيعه على بيوت الجيران، نرسله مع أطفالنا الصغار وكذلك الجيران يفعلون بطبخة أخرى من باب التكافل والمحبة”.
وانتقدت أم محمود تهنئة رمضان عبر الإنترنت قائلة “أجمل شعور هو دخول ابنك أو ابنتك أو أخوك أو أحد أقاربك ولو بيديه، هذا الحضور بالدنيا كلها”.
وتضيف “أيام العيد كل نساء الأسرة والجيران كن يشاركن في إعداد الكعك والمعمول وتوزيعه على الجميع في سهراتهن الرمضانية”.
ويقول الشاب رائد عليان (47 عاما) الذي يحن إلى تلك الأيام الجميلة التي يتذكر منها القليل حيث كان طفلا “ونحن صغارا كنا ننتظر وقت الأذان بالوقوف على منطقة مرتفعة لرؤية لحظة إضاءة مئذنة المسجد، وعندها نرجع إلى بيوتنا مسرعين وفرحين لتناول طعام الإفطار”.
ومن الطقوس والعادات الرمضانية القديمة التي اندثرت وانتهت المسحراتي الذي كان يدور شوارع وأزقة المخيمات والأحياء لإيقاظ المواطنين وقت السحور، وتُشير أم محمود إلى أن المسحراتي قديما كان من الرجال الكِبار في الحارة، له قدره ومكانته، ويمتلك صوتًا جميلًا روحانيًا، مردفةً “اليوم المسحراتي موجود، بقالب الشباب الصغِار، وبنوعٍ من اللهو والفكاهة”.
وكان الناس قديما يعرفون موعد الإفطار، إما بصوت مدفع الحيّ، حيث يقف الأطفال والفتية على أعلى تلّة، ينتظرون بشوقٍ ضَرب المدفع، ثم يعودون إلى بيوتهم فرحين ليخبروا أهاليهم بدخول موعد الإفطار.
ومن التقاليد التي اندثرت أيضا الابتهالات الدينية التي كان يعقدها مشايخ يرددون خلالها أناشيد وتواشيح دينية تعبر عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان، إضافة إلى انتهاء الولائم العامة، والتي كانت تعقد في المساجد وفي الشوارع، ويقدم خلالها أهل الخير طعاما مجانيا للفقراء والمحتاجين.
وطغت عادات جديدة، أبرزها الجلوس أمام التلفزيون لساعات طويلة، لمشاهدة ما يعرض على قنواته من مسلسلات مصرية وسورية وخليجية، واصطحاب العائلة للإفطار على شاطئ البحر أو في منطقة خالية فراراً من الحر وانقطاع الكهرباء.

1