أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
117 18 19 20 21 22 231135
الزعفران آخر ضحايا الجفاف في العالم!!
19.02.2024

سريناغار (الهند) - يواجه الزعفران الباهظ من جبال الهيمالايا في كشمير تحديات لسنوات. وترتبط جل هذه التحديات بالري غير الكافي. وتفاقمت هذه المشاكل بسبب أزمة المناخ. وأطلقت الحكومة لذلك “البعثة الوطنية للزعفران” التي تبلغ تكلفتها 4.1 مليار روبية في 2010، حيث هدفت إلى التخفيف من هذه التحديات وتجديد زراعة الزعفران في كشمير. لكن النتائج لا تزال موضع شك بين المزارعين.ويبقى الزعفران من الصناعات الرئيسية في كشمير، إلى جانب البستنة والزراعة، ويدعم حوالي 17 ألف أسرة في المنطقة. وتساهم الهند بنسبة 5 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي من هذا المكون، وتوفر منطقة كشمير في جبال الهيمالايا 90 في المئة من هذه النسبة.وانطلقت زراعة التوابل منذ سنة 500 في وادي كشمير وبلغت ذروتها في التسعينات بمتوسط عائد سنوي يبلغ حوالي 15.5 طن من 5700 هكتار. ولكن الأراضي والمحاصيل شهدت تراجعا منذ ذلك الحين. وأكدت دراسة أن فترات الجفاف الطويلة تسبب مخاوف كبيرة بين مزارعي الزعفران. وقالت الدراسة “نظرا لاعتماد المحصول المكثف على هطول الأمطار، فقد تسبب شحّها في تسجيل أدنى إنتاجية في العقود الثلاثة الماضية. وتواجه المنطقة بالإضافة إلى التحديات التي يفرضها الجفاف تحديات التحضر وزيادة النمو السكاني".
وأكدت وزارة الزراعة في كشمير انخفاض الأراضي المخصصة للزعفران من 5700 هكتار في التسعينات إلى 3715 هكتارا في 2016 بسبب تحويلات استخدام المساحات. ويشكو مزارعو الزعفران، الذين يزرعون “ملك التوابل” في الحقول الممتدة عدة آلاف من الهكتارات، وخاصة في منطقة بولواما جنوب كشمير، منذ سنوات من قلة هطول الأمطار في الأوقات الحرجة. ويعتبرون أن هذا الأمر هو المتسبّب في انخفاض إنتاج الزعفران.ويقول المزارعون إن هطول الأمطار في سبتمبر وأكتوبر سيكون حيويا لازدهار المحصول. ولكن جل السنوات منذ أواخر التسعينات لم تشهد أمطارا كافية، مما تسبب في إتلاف المحصول. وذكر المزارع محمد ريشي أن المزارعين يعتمدون على الطقس إلى اليوم. وأضاف لخدمة إنتر برس "كان من المفترض أن يعمل نظام الري بالرش، الذي تدّعي الحكومة تأسيسه. لكن هذا لم يحصل. يمكنك أن ترى بنفسك ما حدث لهذه الأنابيب والآبار. إنها لا تخدم أي غرض".
وأشار ريشي إلى عمليات حفر الآبار الأنبوبية ووضع الأنابيب في حقول الزعفران منذ سنوات. لكنه قال “لم نر المياه في حقول الزعفران بعد". وأكد أنه كان من المفترض أن يكتمل المشروع منذ سنوات، لكنه لا يزال قيد الانجاز. ونفى غلام محمد ذوبي، المدير المشترك لإدارة الزراعة في كشمير، أقوال مزارعي الزعفران. وأشار إلى أن الحكومة تبذل قصارى جهدها لدعم المزارعين.
وصرّح ذوبي "ليس على المزارعين الانتظار طويلا لرؤية النتائج الإيجابية لبنية الري التحتية، حيث نتوقع الانتهاء منها قريبا. وستعمل كما يجب". وذكرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، التي منحت زراعة الزعفران في كشمير وضع “نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية”، مواجهتها تحديات خطيرة تتعلق بالاستدامة وأمن سبل العيش. وأكدت الحاجة الملحة إلى اعتماد التقنيات المناسبة لمعالجة ندرة المياه وتراجع الإنتاجية وتقلبات السوق.وأثبتت الأبحاث العلمية أهمية دور الري في زراعة الزعفران في كشمير. وقالت فردوس ناهفي، وهي عالمة الزراعة السابقة في جامعة شير كشمير للعلوم والتكنولوجيا الزراعية، إن الزعفران يعتمد تقليديا على هطول الأمطار من أغسطس إلى أكتوبر. وأضافت أن إنتاجه تراجع خلال السنوات الأخيرة بسبب مشكلة الري. وتابعت ناهفي أن الأمطار في كشمير كانت تسجل من 1000 إلى 1200 ملم سنويا إلى حدود سنة 2000، لكن النسبة تراجعت إلى 800 ملم على أقصى تقدير.
وصرحت لخدمة إنتر برس "لا يمكن تصور نجاح أيّ زراعة في العالم دون ماء. كان إنشاء مرافق الري الجزء الحاسم من المشروع لأننا لاحظنا في السنوات الأخيرة شح الأمطار خلال الفترة التي يحتاج فيها المحصول إلى الرطوبة". وكانت ناهفي الخبيرة التي نصحت منفذي "بعثة الزعفران الوطنية" بتركيب نظام الري بالرش في مزارع الزعفران في كشمير.ونصح بشير آلي، وهو عالم زراعي يترأس محطة أبحاث الزعفران في كشمير، إدارات الزراعة والري في الحكومة بأهمية إنشاء مرافق الري بالتنقيط لتحسين إنتاج الزعفران. وذكر لخدمة إنتر برس "نعمل مع المزارعين من خلال برنامج التوعية الميدانية لتعزيز محصول الزعفران". وأكد أنه يعمل مع فريقه على إقناع المزارعين بزراعة العدد الأمثل من المشاتل في حقول الزعفران بدلا من توزيعها عشوائيا عبر المساحات المخصصة.وأشار إلى أن الفلاحين يزرعون في الغالب ما يصل إلى 300 ألف نبتة في كل هكتار، “بينما ننصحهم بغرس عدد يتراوح من 500 ألف إلى مليون لكل هكتار (أو 50 لكل متر مربع)”. وقال إن هذا سيساعد المزارعين على زيادة محاصيلهم، شريطة أن يقتلعوا النباتات القديمة كل أربع سنوات ويزرعوا أخرى جديدة. وأضاف "لاحظنا أن المزارعين يحتفظون بالكَعب في الحقول لمدة تصل إلى 20 عاما دون مراقبة"، مشيرا إلى أن هذا يؤثر على المحصول حيث تستمر الجذوع القديمة في إنتاج أخرى جديدة، مما يزيد من المنافسة على العناصر الغذائية وجعل المردود ضعيفا.وصرّح "الحل الذي نقدمه للمزارعين هو زراعة العدد الأمثل من المشاتل واستبدالها كل أربع سنوات". ومع تواصل تأثير ظروف الجفاف على محاصيل الزعفران، نصح آلي وفريقه الفلاحين بزراعة أشجار اللوز في الحقول على مسافة أربعة إلى خمسة أمتار حتى توفر الظل وتساعد على الاحتفاظ بالرطوبة في الأراضي. وقال "ستوفر فروع أشجار اللوز الظل لحقول الزعفران، وهو نبات محب للظل. كما ستمكّن من الاحتفاظ بالرطوبة في التربة. وستنتج الأشجار نفسها ثمارها أيضا، بما سيساعد المزارعين على زيادة دخلهم".
وتمثل زراعة الزعفران مصدر رزق للآلاف من الأسر في كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، والتي تكتسي حلة بنفسجية اللون خلال موسم الإزهار في نهاية الخريف. إلا أن ظروف الطقس الجاف الناجمة عن تغير المناخ ألقت بظلالها على مستقبل أغلى التوابل في العالم. وفضلا عن موقعها المذهل، تعد بامبور مركز الهند للزعفران، وهو من التوابل ذات القيمة الكبيرة لدرجة أنه يطلق عليه أحيانا الذهب الأحمر. ويباع الزعفران المستخرج من نبات الزعفران بحوالي 1500 دولار (1200 جنيه إسترليني) للكيلوغرام الواحد.وفي شهري أكتوبر ونوفمبر، تتحول الحقول المحيطة بالمدينة إلى اللون الأرجواني مع ازدهار نباتات الزعفران. ويشهد الخريف أيضًا عمل الحصاد المعقد، عندما تتم إزالة الخيوط الحمراء العميقة، من بين بتلات الزعفران وتجفيفها لتكوين الزعفران. ويأتي حوالي 90 في المئة من إنتاج الزعفران في الهند من كشمير، حيث تمت زراعته لعدة قرون. ويمثل مونيس مير الجيل الرابع من عائلته الذي يعمل في تجارة الزعفران. ويقول إن إنتاج كيلوغرام واحد فقط من الزعفران قد يتطلب ما بين 200 و300 ألف زهرة. ويبدأ كل شيء بزراعة الديدان التي تشبه المصابيح.
ويضيف أنها صناعة كثيفة العمالة حيث يتم تنفيذ كل عملية بدقة، بدءًا من زراعة الديدان، وقطف الزهور، وإزالة الوصمات الحمراء بلطف من الزهور، وحتى التصنيف النهائي، بواسطة عمال مهرة يتمتعون بعقود من الخبرة في التجارة. ويقول مير إن حقوله أصبحت أقل إنتاجية على مر السنين. ويمكنه أن يتذكر وقتًا كان فيه الزعفران يزهر من ثلاث إلى خمس مرات في موسم النمو، أما الآن فقد انخفض العدد إلى مرتين أو ثلاث.وهو يلقي باللوم على أنماط هطول الأمطار غير المنتظمة وارتفاع درجات الحرارة، مما يترك التربة جافة جدًا بالنسبة إلى نبات الزعفران الحساس. ويتفق العلماء الذين درسوا زراعة الزعفران على أن الظروف أصبحت أكثر صعوبة. ويقول الدكتور آلي “إن تغير المناخ حقيقة واقعة، مما يسبب الفوضى في حقول الزعفران". ويضيف أن تساقط الأمطار والثلوج أصبح غير منتظم وغير مؤكد، فالحقول التي كانت منتجة للغاية قبل 10 سنوات فقط لا تنتج الكثير من الزعفران الآن.”
وتضاءلت مساحة الأراضي المخصصة لإنتاج الزعفران في الجزء الخاضع للإدارة الهندية من كشمير. وتم تخصيص حوالي 5700 هكتار للمحصول في عام 1996، وبحلول عام 2020 انخفض هذا الرقم إلى 1120 هكتارًا. وبالإضافة إلى أنماط الطقس المتغيرة، يلقي مير باللوم على توسع البلدات والقرى في حقول الزعفران، ونقص الاستثمار في الري وتدريب المزارعين.ولتنشيط مزارعي الزعفران يحاول الدكتور آلي تربية نباتات الزعفران الأكثر صلابة. ويستخدم تقنية تسمى التكاثر الطفري، حيث يتم تعطيل الحمض النووي للنباتات عن طريق تعريض البذور للإشعاع. والأمل هو أن تكون بعض الطفرات الجينية الناتجة مفيدة وتساعد النباتات على الازدهار في الظروف المناخية المختلفة. وكانت النتائج “مشجعة” كما يقول الدكتور آلي. كما أنه يقدم النصائح للمزارعين حول كيفية جعل حقولهم أكثر إنتاجية. فعلى سبيل المثال، يشجعهم الدكتور آلي على زراعة أشجار اللوز إلى جانب الزعفران، والتي توفر الظل وتخفض درجة حرارة التربة.

1