حماة (سوريا) ـ سرقت سنوات الحرب في سوريا الكثير من أرواح السوريين، واليوم وبعد أن هدأت الحرب، تأتي الألغام الأرضية التي زرعتها تنظيمات إرهابية في المناطق التي كانت تحت سيطرتها، لتساهم أيضا في حصد أرواح المزيد من المواطنين السوريين الذين يغامرون بأرواحهم لجني فطر “الكمأة” في البادية السورية، لتكون لقمة عيشهم كما يقال “مغمسة بالدم”.
ويعتبر فطر “الكمأة” من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية، وتكمن فوائده في قيمته الغذائية المذهلة، فهو يُسمى “ذهب الصحراء”، وينمو على شكل درنة البطاطا في الصحارى، بالقرب من جذور الأشجار الضخمة، كشجر البلوط، وشكله كروي لحمي، وسطحه أملس أو درني ويختلف لونه من الأبيض إلى الأسود، ويأتي في أحجام مختلفة.وبالرغم من خطورة العمل، إلا أن هذا المشروع، الذي يعد مربحا لغالبية سكان محافظة حماة ودير الزور منذ عدة سنوات، ما زال يجذب الناس للمخاطرة بحياتهم من أجل كسب المال منه.وفي ريف منطقة سلمية بريف محافظة حماة، يخاطر الكثير من الناس بحياتهم مع كل موسم جديد لمادة فطر “الكمأة”، وينطوي الخطر على الموت بسبب التعرض لألغام أرضية غير مكتشفة، أو إطلاق النار عليهم من قبل فلول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي مازال يعمل على شكل بؤر في المنطقة الصحراوية مترامية الأطراف.وفي حديثه لوكالة أنباء (شينخوا) ، وصف أحمد الفرج، وهو تاجر خضار يبيع فطر “الكمأة” خلال الموسم، بأنها نعمة طبيعية، تظهر دون زراعة وتحظى بالاحترام لتوافرها الموسمي وطعمها الاستثنائي. وأوضح أنها تخرج من التربة الصحراوية نتيجة الرعد والبرق، وأن جاذبيتها لا تكمن في نكهتها فحسب، بل في قيمتها الاقتصادية أيضا.وأضاف أن الفارق كبير عن العام الماضي، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد من “الكمأة” ذات الجودة العالية إلى 100 ألف ليرة سورية، لافتا إلى أن أسعار “الكمأة” زادت بواقع ثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي.فطر "الكمأة" يعتبر من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية، وتكمن فوائده في قيمته الغذائية المذهلة، فهو يُسمى "ذهب الصحراء"علاوة على ذلك، أشار إلى أن تكاليف النقل مرتفعة هذا العام، مبينا في الوقت ذاته أن “الناس يخاطرون بحياتهم، ولا أحد يعرف ماذا يمكن أن يحدث له”.من جانبه شدد عبدالله حميد النومان، وهو مزارع آخر من مدينة سلمية يبلغ من العمر (54 عاما)، على ضرورة جني “الكمأة” كوسيلة لكسب العيش في الأوقات الصعبة. وعلى الرغم من الخوف من الألغام الأرضية أو الوقوع ضحية الاختطاف، يغامر النومان وآخرون بالذهاب إلى الصحراء، ويتحملون مسافات طويلة وظروف غادرة لجمع “الكمأة”.واعترف النومان قائلا “نحن خائفون”، وروى أن الرحلة شاقة، حيث تتطلب بعض المواقع رحلات ذهاباً وإياباً تصل مداها إلى 250 كيلومترا، يتم القيام بها يومياً بحثاً عن هذه الكنوز المرغوبة.واتفق محمد صايغ المحمد، وهو مزارع آخر من مدينة سلمية، مع ما قاله النومان، مسلطا الضوء على اليأس الذي يدفع الكثيرين إلى المخاطرة بحياتهم من أجل مكاسب مالية.وذكر لـ (شينخوا) أن “المال نادر، وقد وصلنا إلى وقت صعب للغاية حيث أصبح كل شيء باهظ الثمن”، مضيفا “إذا كان لديّ عمل، فلن أخرج لجمع النباتات البرية خاصة في هذا الوقت”.وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن قد قال في مارس الماضي إن إجمالي 80 مدنيا فقدوا حياتهم نتيجة الألغام الأرضية التي لم يتم اكتشافها في سوريا، وكان غالبيتهم يبحثون عن “الكمأة”.
من جانبها أشارت كريستيل لوبفورست، مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في جنيف، إلى أن الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب والعبوات الناسفة تتسبب في سقوط قتلى وجرحى، خاصة في المناطق المتضررة من النزاعات المسلحة، حيث يُقتل شخص واحد في المتوسط كل ساعة بسبب هذه التهديدات، وكانت سوريا هي الأكثر تضرراً.
وسلطت لوبفورست الضوء على المعاناة الشديدة التي تواجهها المجتمعات جراء تلك الألغام وعدم قدرة الأهالي على التحرك بحرية ونزوحهم عن قراهم بسببها، مشيرة إلى وجود قلق كبير في ما يتعلق بالحوادث المرتبطة بالألغام الأرضية في سوريا.وتحوّل موسم جمع “الكمأة” في سوريا، إلى موسم لحصاد الأرواح في عدد من المحافظات السورية، بعد تسجيل سقوط عدد غير قليل من القتلى، نتيجة انفجار ألغام أو هجمات من خلايا تنظيم “داعش” على تجمعات المدنيين الذين يعلمون بجمع “الكمأة” بحثاً عن قوتهم اليومي.وقُتِلَ العشرات من المدنيين وأصيب آخرون، في عدة انفجارات للألغام وهجمات لخلايا تنظيم “داعش” في كل من محافظات دير الزور والرقة وحمص وحماة، في السنوات الأخيرة، وهو ما جعل من موسم جمع “الكمأة” موسماً مغمّساً بالدم.وتعدّ “الكمأة” من أكثر المواد التي تباع بأسعارٍ مرتفعة قياساً بالواقع الاقتصادي الذي تعيشه سوريا، إذ يتراوح سعر الكيلو غرام الواحد بين 100 و300 ألف ليرة سورية، بحسب نوع الكمأة وجودتها، ويتجاوز الـ500 ألف ليرة سورية في بداية موسمه، وهو ما يجعل من الكثير من العوائل السورية تخاطر بحياتها، بحثاً للحصول على بضع كيلوغرامات من المادة، لبيعها والاستفادة من سعرها، لتأمين احتياجاتها اليومية.وكانت عملية جمع “الكمأة”، في مرحلة ما قبل العام 2011، أشبه بالنزهة أو رحلة الصيد التي يقوم فيها العديد من الأشخاص بالتوجّه إلى المناطق الصحراوية للبحث عن “الكمأة” واستخراجها، لأكلها في المنزل، أو بغرض بيعها، والاستفادة من ثمنها لتحقيق أرباح مالية، إلّا أنّ هذا الحال تغير مع انطلاق الحرب في سوريا وظهور التنظيمات الإرهابية.
السوريون يتحدون الموت والألغام لجني فطر "الكمأة"!
21.05.2024