يبدو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مصراً على الاستمرار في القتال في مدينة منبج السورية (80 كيلومتراً شرق حلب)، على الرغم من الحصار المفروض عليه من قِبل "قوات سورية الديمقراطية"، مع انتهاء مهلة الـ 48 ساعة التي أعطيت لعناصر التنظيم للخروج من المدينة، فيما تستمر ما يسمى ب "قوات سورية الديمقراطية" بحملتها لاستعادة المدينة، ليصبح المدنيون وقوداً للحرب بين الطرفين، في ظل عدم تمكّنهم من الخروج من المدينة، إضافة إلى أن غارات التحالف الدولي ضد "داعش" لم توفّرهم.فقد اعترف التحالف الدولي بارتكابه مجزرة راح ضحيتها العشرات من المدنيين بالقرب من مدينة منبج بناء على إحداثيات قدّمتها "قوات سورية الديمقراطية". وأعلنت قوات التحالف الدولي الجمعة، مقتل أكثر من 50 مدنياً في سورية، جراء غارة جوية نفذتها، على منبج قبل عدة أيام. وقال المتحدث باسم قوات التحالف الدولي، العقيد كريستوفر غارفر، في مؤتمر صحافي عقده في بغداد، إن "الغارة كانت تستهدف المباني والمركبات التابعة لداعش، إلا أن تقارير وردت من مصادر مختلفة تحدثت عن احتمال وجود مدنيين بين مسلحي التنظيم الإرهابي". وأشار غارفر إلى أن الهجوم ضد "داعش" في منبج، تم بناء على معلومات حصل عليها التحالف الدولي من فصيل منضوٍ تحت مظلة "قوات سورية الديمقراطية"، موضحاً أن الولايات المتحدة تقوم حالياً بالتحقيق في الأدلة والمعلومات الاستخبارية الداخلية والخارجية المتوفرة عن الحادث، لافتاً إلى أن قوات التحالف لم تنفذ هجومها إلا بعد أن تأكدت أن الجميع في المنطقة المستهدفة كانوا يحملون سلاحاً، أو أن كلاً منهم يتولى سلاحاً نارياً، أو يبدو مثل "داعش".كما وُجّهت اتهامات لقوات التحالف الدولي بارتكاب مجزرة جديدة بحق المدنيين ليل الجمعة-السبت، في قرية النواجة شرقي مدينة منبج، راح ضحيتها نحو 30 مدنياً بين قتيل وجريح. لكن المتحدث الرسمي باسم "قوات سورية الديمقراطية" شرفان درويش نفى وقوع مجزرة من هذا النوع، مؤكداً أنه "لم تكن هناك أي غارة على قرية النواجة، والقرية هي تحت سيطرة قواتنا". وقُتل وأصيب أكثر من مائة مدني في السابع عشر من الشهر الحالي بغارات من طيران التحالف على قرية شمال مدينة منبج، ما خلّف عاصفة احتجاج واسعة لدى السوريين الذين طالبوا بتجنيب المدنيين ويلات الحصار والحرب.ومع انتهاء مهلة الساعات الـ48 التي أعطتها "قوات سورية الديمقراطية" لتنظيم "داعش" للخروج من المدينة، لم تظهر أي بوادر على قبول التنظيم بالعرض، إذ يبدو أنه لا يزال يحاول فك الحصار، ومواصلة القتال في المدينة التي يسيطر عليها منذ بدايات عام 2014، وتُعدّ من أهم معاقله في سورية.كما أن "قوات سورية الديمقراطية" لا تبدو في صدد التراجع عن هدفها باستعادة المدينة، على الرغم من الفاتورة الكبيرة التي دفعتها، ولم تفصح بعد عن عدد مقاتليها الذين قُتلوا خلال هذه الحملة، إلا أن مصادر مطلعة تؤكد أن أكثر من 500 من مقاتليها قُتلوا في المواجهات، فضلاً عن مقتل المئات من المدنيين، إذ فُنيت عائلات كاملة بغارات طيران التحالف وقصف القوات المهاجمة على المدينة وريفها.وتؤكد مصادر مقربة من "قوات سورية الديمقراطية"، أن معركة منبج "لن تنتهي إلا باستعادة المدينة من تنظيم داعش"، وطرده من هذه المدينة التي تُعد كبرى مدن الريف الحلبي، بل كبرى المدن السورية بعد المدن التي تشكّل مراكز محافظات. وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي المقرب من "قوات سورية الديمقراطية" إدريس نعسان، إن المهلة التي أعطيت للتنظيم للخروج من المدينة "كانت استجابة لنداء وجهاء وأهالي المدينة حقناً لدماء المدنيين"، مضيفاً : "هي ليست للإبقاء على الإرهابيين، وبالتالي الاستجابة للنداء من قِبل التنظيم، أو عدم استجابته، لن يغير من معايير الحرب على الإرهاب شيئاً"، مضيفاً: "ستستمر المعارك ضد هذا التنظيم حتى تحرير كل شبر من سيطرته".ويؤكد نعسان أنه "ليست هناك مؤشرات على الاستجابة للمهلة من قِبل التنظيم حتى الآن، والمعارك مستمرة"، مشيراً إلى أن بعض عناصر التنظيم يحاولون الفرار، موضحاً أن قوات مجلس منبج العسكري التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية" اعتقلت الجمعة عنصرين من التنظيم كانا يحاولان الخروج من منبج، معتبراً هذا الأمر مؤشراً على ضعف الروح المعنوية لدى التنظيم وقناعة مقاتليه بقرب نهايتهم في منبج، لافتاً إلى أنه على قناعة أن عناصر التنظيم لن يستجيبوا للمهلة "كونهم يدركون أن لا مناص، ولا خلاص من القوات المحررة، وقد تكون مسألة وقت، وتغيير في الجغرافية لكن النهاية محتومة"..من جهته، يؤكد مستشار الرئاسة المشتركة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" سيهانوك ديبو، أن مجلس منبج العسكري "مصمم على إنهاء مهمته المتمثلة بتحرير منبج من داعش"، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "بقاء التنظيم في منبج هو المصيبة الكبرى بالنسبة لسورية، ولعموم بلدان الشرق الأوسط".وتقطعت السبل بآلاف المدنيين الذين لم يستطيعوا مغادرة المدينة، حيث يعيشون ضمن ظروف مأساوية تنذر بكارثة إنسانية كبرى في حال استمر الحصار والقصف الجوي المتواصل. ويشير الصحافي عدنان الحسين، وهو من أبناء منبج، إلى أن هناك نحو 200 ألف مدني داخل المدينة يعيشون بلا خدمات أساسية، إذ لا وجود للتيار الكهربائي، وبدأوا بشرب مياه الآبار، في ظل ندرة مادة الخبز والتي لا تكاد تكفي لربع المحاصرين، لافتاً إلى تعطّل المرافق الحيوية بشكل كامل وفي مقدمتها المستشفيات والمراكز الصحية، موضحاً أنه بقي في المدينة مستشفى ميداني لا يستطيع مواجهة الحالات الصحية الحرجة التي يموت أصحابها بسبب عدم وجود رعاية صحية أو أدوية.ويشير الحسين إلى أن طيران التحالف الدولي دمّر أغلب مباني المدينة، مضيفاً: "تعيش منبج مأساة تعجز الكلمات عن وصفها، وهذه المأساة مرشحة للتفاقم أكثر في ظل عدم سماح داعش للمدنيين بالخروج، وعدم وجود حسم عسكري، أو توفير ملاذات آمنة للمدنيين"، مستبعدا وجود نية لدى "داعش" لتسليم المدينة لـ"قوات سورية الديمقراطية" والخروج منها إلى أقرب معاقله في ريف حلب مدينة الباب، التي تقع غرب مدينة منبج بنحو 40 كيلومتراً.أما المحلل العسكري فايز الأسمر، فيرى أن تنظيم "داعش" لن ينسحب من مدينة منبج إلا إذا دمرت بشكل كامل، مشيراً إلى أن انسحابه من منبج من دون قتال يعني خسارته معاقله الأخرى في شرق حلب ومنها مدينتا الباب وجرابلس، ومن ثم ينحسر وجوده في شمال سورية بشكل كامل، وهذا ما لا يتحمله التنظيم. ويعتبر الأسمر أن "قوات سورية الديمقراطية" عاجزة عن مجابهة التنظيم من دون إسناد جوي من طيران التحالف، لافتاً إلى أنها تحاصر المدينة منذ أكثر من خمسين يوماً وعلى الرغم من ذلك لم تستطع اقتحامها. ويشير إلى أن "مقاتلي داعش ينسحبون من المواقع وفق رؤى تكتيكية"، موضحاً أن التنظيم قاد "قوات سورية الديمقراطية" إلى حرب استنزاف طويلة إثر انسحابه من عشرات القرى في ريف منبج، متوقعاً حدوث مجازر بحق المدنيين في الأيام المقبلة، مشيراً إلى أن طرفي النزاع لا يوفران طرقاً آمنة لخروج المدنيين من المدينة.!!
سوريا : حرب منبج تستعر... وآلاف المدنيين يتحوّلون إلى وقود لها!!
24.07.2016