تصاعدت دعوات رسمية وشعبية واسعة للرد على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على تركيا بسبب رفض أنقرة الافراج عن راهب أمريكي متهم بالإرهاب، في ظل تلويح غير مسبوق بإغلاق قاعدة إنجيرليك الجوية التي يستخدمها الجيش الأمريكي في تركيا.وعقب أيام من تهديدات حادة جداً أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه بفرض عقوبات كبيرة على تركيا في حال رفضها الإفراج عن الراهب «أندرو برانسون»، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، الأربعاء، فرض عقوبات على وزيري العدل عبد الحميد غُل، والداخلية سليمان صويلو.وكتب عشرات آلاف الأتراك الغاضبون تحت وسم «العقوبات الأمريكية لن تجعلنا ننحني» عبارات تضامن مع الوزراء الأتراك الذين شملتهم العقوبات مؤكدين وقوفهم إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في موقفه من الولايات المتحدة، مطالبين إياه بعدم التراجع والإفراج عن الراهب المتهم بالتعاون مع تنظيمات إرهابية.وتركزت الدعوات الشعبية على ضرورة الرد بسرعة على العقوبات الأمريكية من خلال وقف التعاون مع واشنطن في الكثير من الملفات، إلى جانب إغلاق قاعدة إنجيرليك الجوية التي تستخدمها القوات الأمريكية في محافظة أضنة التركية والتي تعتبر أكبر القواعد الأمريكية للجيش الأمريكي في المنطقة.وأثار المغردون الأتراك هذه القضية بشكل غير مسبوق، كونها جاءت بالتزامن مع الذكرى الـ40 لخطوة تاريخية اتخذتها تركيا عام 1975 تمثلت في إغلاق جميع القواعد والمرافق التي كانت تستخدمها القوات الأمريكية على الأراضي التركية وذلك من خلال إلغاء جميع الاتفاقيات العسكرية بينهما من جانب واحد وطرد آلاف العسكريين والمدنيين الأتراك، عقب قرار الحكومة التركية نقل السيطرة والسيادة على جميع القواعد العسكرية التي يستخدمها الجانب الأمريكي للجيش التركي.هذه الخطوة التي جاءت رداً على فرض الإدارة الأمريكية حظراً على وصول الأسلحة إلى تركيا بسبب العملية الواسعة التي سيطر من خلالها الجيش التركي على أجزاء واسعة من جزيرة قبرص عام 1974، ولم تتراجع عنها أنقرة إلا بعد 3 سنوات عندما تراجعت الإدارة الأمريكية عن قرار حظر إيصال الأسلحة لتركيا، حيث يحتفي الأتراك بهذه الحادثة على اعتبار أنها نموذجاً لمواجهة ما يسموه «غطرسة» الولايات المتحدة الأمريكية.ومراراً هددت أنقرة بإغلاق «إنجيرليك» أمام القوات الأمريكية، لا سيما عقب تصاعد الأزمة بين البلدين فيما يتعلق بدعم وحدات حماية الشعب الكردية في شمالي سوريا، ويشدد كبار المسؤولين الأتراك على أن إغلاق القاعدة هو «حق سيادي» لتركيا يمكنها من اتخاذه وقتما تشاء، لكنها لم تنفذ هذه التهديدات رغم مستويات التراجع التاريخية التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين.وفي ردهم على العقوبات الأمريكية التي شملت تجميد أموالهم وممتلكات في الولايات المتحدة، شدد وزير العدل التركي على أنه ليس لديه ولو «قرشاً واحداً» خارج تركيا، بينما قال وزير الداخلية: «لدينا بضاعة (ممتلكات) في الولايات المتحدة.. إنه غولن، ولن نتركه هناك، وسوف نجلبه»، وذلك في إشارة إلى فتح الله غولن زعيم التنظيم المتهم بقيادة محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا والذي ترفض واشنطن تسليمه لأنقرة منذ سنوات.وقال فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي: «نحن دولة كبيرة بعلمنا ووطننا وشعبنا، وبمقتضى ذلك، فلن نتردد ولو للحظة في اتخاذ الإجراءات اللازمة بقيادة رئيسنا»، فيما شدد وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو على أن الخطوة الأمريكية لن تبقى دون رد من جانب تركيا.ومن المعارضة، طالب دولت بهتشيلي زعيم حزب الحركة القومية التركي بـ«الرد بالمثل على قرار العقوبات الأمريكي، وإيقاف كل من يهدد تركيا عند حده»، فيما أكد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قليجدار أوغلو، أن القرار الأمريكي «ليس صائباً» و«يمثل إساءة لشرف الشعب التركي»، داعياً إلى الحوار لحل الخلافات خشية تطور الخلافات وحصول نتائج سلبية أكبر.كما أصدرت الكتل البرلمانية الأربع الأكبر في البرلمان التركي بياناً مشتركاً شددت فيه على رفضها الشديد لقرار العقوبات الأمريكية، وجاء في البيان: «بما نملكه من تضامن وعزيمة مشتركة لدى شعبنا نقول لا للتهديدات الأمريكية»، واتهم البيان الإدارة الأمريكية بدعم تنظيمات إرهابية مناهضة لتركيا، وحذر من تدهور الأزمة والمساس بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
والخميس، كسرت الليرة التركية التي تراجعت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة حاجز الـ5 ليرات للدولار الواحد، ووصلت عند الظهر إلى 5.09 في أسوأ مستوى تصل إليه العملة التركية، وسط مخاوف كبيرة في الأسواق التركية من أن تؤدي الأزمة مع واشنطن إلى مزيد من الإجراءات المتبادلة التي ستؤثر على الاقتصاد بدرجة أكبر.وفي أول تعقيب له على الأزمة، قال وزير الخزينة والمالية التركية بيرات البيرق إنه «في حال إصرار الولايات المتحدة)على الخطأ (العقوبات)، فإن تأثيره سيكون محدودًا على تركيا واقتصادها»، مؤكداً على أنه «ستبوء كافة المحاولات الرامية لخلق جو سلبي في الأسواق بالفشل».ورغم تصاعد الأزمة والحديث عن عقوبات أمريكية جديدة، من المقرر أن يلتقي وزير الخارجية التركي مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو في سنغافورة، اليوم الجمعة، على هامش اجتماعات وزراء خارجية رابطة دول «آسيان»، في لقاء يستبعد مراقبون أن يتوصل إلى نتائج ملموسة تنهي الأزمة المتصاعدة بين البلدين.وفي السياق، انطلق الاجتماع الأول لمجلس الشورى العسكري الأعلى، أمس الخميس، برئاسة الرئيس رجب طيب اردوغان، عقب الانتقال للنظام الرئاسي في تركيا.وبدأ اجتماع مجلس الشورى العسكري الأعلى (لبحث الترقيات وحالات التقاعد في الجيش) بمشاركة كبار مسؤولي الدولة، في المجمع الرئاسي بالعاصمة التركية أنقرة.ويشارك في الاجتماع المغلق برئاسة اردوغان، نائبه فؤاد أوقطاي، وكل من وزراء الدفاع خلوصي أكار، والعدل عبد الحميد غُل، والداخلية سليمان صويلو، والخزانة والمالية براءت ألبيرق، والتربية ضياء سلجوق، ورئيس الأركان يشار غولر، وقائد القوات البرية أوميت دوندار، وقائد القوات الجوية حسن كوجوك أقيوز، وقائد القوات البحرية عدنان أوزبال. وقبيل الاجتماع أعرب اردوغان، عن ثقته بأن اجتماع مجلس الشورى العسكري، سيعزز قوة تركيا أكثر في كفاحها ضد جميع التنظيمات التي تهدد أمنها القومي، وفي مقدمتها «غولن» و«بي كا كا».!!
إسطنبول..تركيا : أنقرة تلوح بالرد على العقوبات الأمريكية والأتراك يُذكِّرون ترامب بإغلاق قاعدة «إنجيرليك» قبل 40 عاماً !!
03.08.2018