عند تمام الساعة 5:25 من فجر يوم الأحد في 21 آذار 1968، بدأت الدبابات الإسرائيلية بعبور الضفة الشرقية لنهر الأردن، لكنّ كتيبة المدفعية الثقيلة السادسة التي كانت ترابط في مرتفعات السلط، تمكنت من تدمير 6 دبابات إسرائيلية وأوقفت تقدم بقية الرتل.وفي 21 آذار 1968 شنت القوات الإسرائيلية هجومًا واسعًا على الضفة الشرقية لنهر الأردن امتدّ من جسر الأمير محمد شمالًا، حتى جنوب البحر الميت، وكان هدف الهجوم حسب ما أعلنت إسرائيل في حينها "القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة".وكانت إسرائيل في حينها حشدت أربعة ألوية لتنفيذ المعركة: لواءان مدرعان ولواء المظليين 35، ولواء المشاة 80، تدعمها وحدات من المدفعية الميدانية (خمس كتائب مدفعية من عيار 105 مم و155مم) ووحدات هندسية عسكرية وتغطية جوية بأربعة أسراب نقالة، إضافة إلى عدد من المروحيات لنقل كتيبتي مشاة مع معداتهما والتي بلغ عددها 15 ألف جندي.وفي الجانب العربي كانت وحدات رصد "فتح" تراقب تحركات القوات المعادية، وتدارست قياداتها التدابير الواجب اتخاذها وعلى الأخص المجابهة أو الانسحاب من المواقع المستهدفة من قبل العدو لتأتي ضربته في الفراغ – وفقًا لمبادئ قتال الحرب الشعبية، فيما اتخذت القيادة الأردنية استعداداتها للتصدي للعدوان الوشيك فوضعت القوات في حالة استنفار وتعبئة انتظارًا للتطورات المتوقعة.رغم أن إسرائيل أعلنت أنها قامت بالهجوم لتدمير قوة المقاومة الفلسطينية، إلا أن الهدف لم يكن كذلك كما تبين من الوثائق التي حصلت عليها المخابرات الأردنية، فقبل أيام من معركة الكرامة حشدت إسرائيل قواتها لاحتلال مرتفعات البلقاء والاقتراب من العاصمة عمّان وضم أجزاء جديدة من الأردن وتحويلها إلى جولان أخرى للتخلص من الهجمات المستمرة التي كان يقوم بها الفلسطينيون.وكانت تسعى كذلك إلى إرغام الأردن على قبول التسوية والسلام الذي تفرضه إسرائيل وبالشروط التي تراها وكما تفرضها من مركز القوة، ومحاولة وضع ولو موطئ قدم شرقي نهر الأردن باحتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمني لإسرائيل.وما يزال واصف عريقات، ضابط المدفعية الثقيلة في الكتيبة السادسة التي كانت ترابط في مرتفعات السلط، يستذكر مجريات معركة الكرامة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية إلى جانب الجيش الأردني، ضدّ جيش الاحتلال الإسرائيلي، وحققت فيها أول انتصار بعد هزيمة 67. حين عبرت قوات إسرائيلية إلى منطقة الكرامة، ودار اشتباك عنيف استمرّ 16 ساعة، وخسرت إسرائيل فيها ما لم تخسره طيلة سنوات الحرب التي بدأت منذ عام 1948، وعادت مهزومة، تاركة وراءها معداتها ودبابابتها المدمرة وجثث جنودها.ويقول عريقات في حديث لـ "القدس" دوت كوم، إن المعركة بدأت باستشهاد ضابط الملاحظة، الذي تنبّه لتسلل القوّة الإسرائيلية، مضيفًا: "في تلك اللحظة بدأنا قصف الدبابات الإسرائيلية المتقدمة بقذائف مدفعية من عيار (155 ملم)، وشاهدت 6 دبابات إسرائيلية تحترق من قذائف الكتيبىة السادسة.. كان المشهد كبيرًا والخسائر بصفوف العدو مهولة، حيث كانت قذائف المدفعية "155 ملم" تتمتع بدقة كبيرة، ما أوقع خسائر كبيرة، إضافة إلى استخدم مختلف قذاف المدفعية والدبابات، وكذلك أحسن الفدائيون استخدام قذائف "آر بي جي" والقنابل اليدوية وحرب العصابات في منطقة الشونة والكرامة، ما دفع إسرائيل إلى طلب وقف القتال لأول مرة في تاريخ حروبها.وبحسب عريقات فقد وفّرت الكتيبة السادسة التي اتخذت من مرتفعات السلط مكانًا لها، غطاءً ناريًا للفدائيين الفلسطينيين الذين تقدّموا جنبًا إلى جنب مع الجنود الأردنيين، الذين التحموا مع الجنود الإسرائيليين بالسلاح الأبيض.وأضاف: "سجّلنا الانتصار الأوّل على إسرائيل بعد سلسلة هزائم"، معتبرًا أن الانتصار في الكرامة، كان بمثابة انتصار شخصيّ له أعاد له الكرامة، بعد أن خسرت كتيبته المعركة في جنين، وعاد سيرًا على الأقدام إلى جبال الأردن، حيث كان ضابط مدفعيّة بالجيش الأردنيّ، بالضفة الغربية في حينه.وبعد 50 عامًا، على الانتصار الذي شارك في صنعه آلاف الجنود الأردنيين والفدائيين الفلسطينيين، لا تزال مشاهد الفخر والكرامة حاضرة في رواية ضابط المدفعيّة واصف عريقات وهو يحكي مشاهد من المعركة التي فتحت "باب الأمل" بطرد الاحتلال من فلسطين، وإنهاء مخططات الاحتلال الكبرى في المنطقة العربية، وفق قوله.وأجرت الزميلة أسماء مسالمة مقابلة مع اللواء عبد الاله الاتيرة الذي شارك في تلك المعركة.يقول الاتيرة: لم نكن مستعدين لدخول معركة مع الجيش الاسرائيلي فلا يمكن لأحد أن يدخل في هذه المعركة سوى المغامر، ولكن البعد السياسي والعسكري لأبو عمار والقيادة حيث كانت تريد ان تسجل حالة صمود امام الدبابة الاسرائيلية وأن تثبت للعرب أولًا وللعالم ثانيًا ولإسرائيل ثالثًا أن الفلسطيني قادر أن يقاتل ويصمد بوجه الدبابة والقوة الإسرائيلية، وبنفس الوقت كان هناك رهان على الجيش والحكومة الاردنية التي لن تسكت على دخول جيوش المحتل لأراضيها، ،الرهان الثاني كان على المقاوم الفلسطيني الذي كانت لديه إرادة قوية لمقاتلة المحتل والذي كان يتسم بـ "نقاء النضال".ويروي لنا اللواء الاتيرة، ما حدث في اللحظات الاولى للمعركة حيث يقول: "قبل حوالي أسبوعين علمنا بخطة الجيش الاسرائيلي لكن الأمر الذي كنّا نجهله هو يوم وساعة الهجوم، حيث سبق ذلك هجوم متبادل بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، حيث تعرضت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الاردن والموجودة بالقرب من الكرامة الى القصف الاسرائيلي، ما أدى لسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى وكان الهدف من قصف المدنيين هو الضغط علينا ليحملونا على الخروج من الكرامة، وبالفعل تعرضنا لضغوط ومطالبات شعبية من اللاجئيين للخروج، لكن استطعنا كبح جماحهم في تلك الفترة".ويروي اللواء الاتيرة تفاصيل تلك الليلة الطويلة ليلة 21/3/1968 " في حوالي الساعة الخامسة فجرًا بدأنا بسماع أصوات الدبابات والطائرات الاسرائيلية تقترب من منطقة الكرامة حيث بدأت القوات الاسرائيلية تتمركز على الجبال خلف القوات الفلسطينية والاردنية، وفي تمام الخامسة والنصف بدأ الاشتباك، فقاتلت قوة الحجاب الاردني المتواجدة على النهر ببسالة وقوة، ولم ينسحبوا او يتنحوا من خنادقهم حتى اخر طلقة، وكثير منهم داستهم الدبابات الاسرائيلية، وعلى الرغم من بساطة السلاح الذي يمتلكه المناضل الفلسطيني إلا أنه قاتل ببسالة الى جانب الجندي الأردني الذي لم يترك أرض المعركة وقاتل بجانب أخيه الفلسطيني لآخر نفس، إضافة الى القوة التي منحتنا إياها المدفعية الاردنية التي لولاها لأبادت القوات الاسرائيلية كل من كان في الكرامة ولم يتبق منا أي شخص حيث كانت مرابض المدفعية الاردنية تقصف من جبال السلط، وتستهدف الدبابات الاسرائيلية في الكرامة".ويصف الاتيرة مشهد استشهاد أحد المناضلين على أرض المعركة حيث قال: "تمر امامي الان ذكريات صعبة فاستعيد مشهد أحد الشباب المناضلين يحمل لغمًا وينزل به تحت الدبابة الإسرائيلية فيفجر بجسده دبابات العدو، وقد فعلها كذلك العديد من الشبان في ذلك اليوم، وكان المقاتل الفلسطيني لا يبعد عشرة سنتيميترات عن الدبابة الاسرائيلية، وهو يقاتل ببسالة وعنفوان، الامر الذي خلق حالة الصمود.يقول اللواء الاتيرة: لقد توقفت المعركة في حوالي الساعة الثانية صباحًا بعد أن طلبت إسرائيل من مجلس الامن المساعدة في وقف إطلاق النار ليقوموا بسحب جثث القتلى والجرحى، والآليات المعطوبة. معركة الكرامة كانت فاتحة الخير على حركة فتح، فبعد هذا الانتصار وهذا الصمود فتحت لنا ابواب الصين والدول الاشتراكية كفيتنام والاتحاد السوفييتي لتدريب عناصرنا بها، كذلك حصلنا على دعم مادي من عدد من الدول العربية وابرز مثال على ذلك ما قام به الرئيس جمال عبد الناصر الذي فتح مخازن أسلحته أمامنا حيث كان بحاجة لانتصار بعد هزيمة جيوشه في حرب1967، وهذا الانتصار اعطى لكل فرد عربي دفعة معنوية وارادة قوية، وفي معركة الكرامة تبددت عبارة "الجيش الذي لا يقهر"، والتي كان يتغنى بها الاحتلال الاسرائيلي!!..*المصدر : القدس المقدسية
الكرامة..الاردن: ذكرى معركة الكرامة الخالدة .. فدائيون يستذكرون!!
21.03.2018