هي ليست المرة الأولى التي تلتقي فيها شخصيات شيعية معارضة لـ»الثنائية الشيعية» التي يمثلها «حزب الله» و»حركة أمل»، وتقبض على واقع الطائفة منذ أكثر من ربع قرن بعد إضعاف العائلات السياسية التي كانت توسم بـ» الإقطاع السياسي». لقد سبق أن التقت بعض تلك الشخصيات وسجلت اعتراضها لكن لم يكن للقائها ذلك الصدى الذي أحدثه مؤتمر الأربعاء الماضي في «فندق مونرو». فما الذي تغيّر؟ وهل فعلاً تشكل هذه الحالة الإعتراضية قلقاً لـ»الثنائية الشيعية»؟ما تغيّر هو السبب ذاته الذي يجب أن يقلق «الثنائية السياسية» للطائفة، ولا سيما «حزب الله». فالأطباق على لبنان وعلى مفاصل الدولة لم يعد أمر رمادياً، بل هو واضح ومعلن ويتباهى به الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في كل خطاب، وحين يلمّح إلى «فائض القوة» وكيف يمكن أن يستخدمه. ليس ثمة مبالغة في القول ان نصرالله هو مرشد الجمهورية، يُوجهها في ما عليها أن تفعل أو لا تفعل، ويخاطب الدول ويحذرها لا بل يهددها. وكل ذلك على مرآى ومسمع «الرئيس القوي»، وهو التوصيف الذي يستخدمه التيار السياسي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اعتبر أنه استعاد حقوق المسيحيين يوم تولى سدة الرئاسة الأولى، وعلى مسمع رئيس الحكومة سعد الحريري، الزعيم الأبرز للطائفة السنية، لكن أياً منهما لا يُحرك ساكناً، ما يطرح علامات استفهام كبيرة عن مضامين تلك التسوية التي أتت بهما إلى سدتي الرئاسة الأولى والثالثة في البلاد، والتي حملت في طياتها تكريساً لمحاصصة طائفية يصفها النداء الشيعي بأنها «محاصصة طائفية تجاوزت كل الحدود بعدما أطاحتْ الدستور والقوانين وقوَّضت الإدارة وأنظمتها وجيَّرتها للأزلام والمحاسيب، وعطَّلت الحياة البرلمانية والمؤسسات الدستورية والاستحقاقات الديمقراطية، وسخَّرت الوطن لأجندات إقليمية خارجية واستباحت الأملاك والمرافق العامة والبلدية، وباشرت استرهان الثروة النفطية وأغرقت البلاد والعباد في دين متفاقم سيسترهن المواطنين لأجيال مديدة».باتت تلك «الثنائية الشيعية» حارسة الهيكل، ولبنان بمجمله أسيرها، ما يعني أن كسر الحلقة لا بد أن يبدأ من داخل البيئة نفسها التي يرى نداء المعارضة الشيعية أنه يتمّ «أخذ الطائفة بمجملها» إلى «صحراء تيه سياسيّ وثقافيّ في خدمة أجندات إقليمية»، و»في الاشتراك في حرب دائرة على قاعدة انقسام مذهبي سيحرق بلهيبه مستقبلنا». تلك الشخصيات المُعارضِة الآتية من مشارب مختلفة، يسارية وعلمانية وليبرالية ومتدينة، ومن حيث الثقل الشيعي في ضاحية بيروت وجنوب لبنان وبقاعه، تعلم ببواطن الأمور في تلك البيئة، بأنين أسرها ووجع أمهاتها وفلتان شوارعها وقلق ناسها من المجهول رغم كل فائض القوة المعنوي وكل ما يحكى عن تحوّل «حزب الله» بتمثيله الشيعي قوة إقليمية يُحسب لها الحساب وامتلاك «حركة أمل» حصة وازنة وسلطة مؤثرة في مؤسسات الدولة، فيما تتسع رقعة الفقر وتتراجع مقومات الحياة ويزداد اليأس ويتشح السواد غالبية العائلات، وفيما الخوف يعتري النفوس مع كل خطاب تهديد ووعيد لإسرائيل من قبل نصرالله، لاسيما أن هؤلاء يدركون أن واقع اليوم بات أشد وطأة من زمن حرب 2006 بفعل الانقسامات والتوترات المذهبية التي ترخي بظلالها على العلاقة بين المكونات اللبنانية. فتلك البيئة تشعر أنها مشروع مهجّرين دائم. صحيح أن المعارضين عرّفوا عن أنفسهم على أنهم «لبنانيون أولاَ وشيعة ثانياً ينتمون إلى ثقافة ترفض الظلم والانصياع لمستبدّ، وترفض الفتنة وهدَر الدماء من أجل سلطة ظالمة مهما علا شأنها، ولا تُسلّم بشرعية غير شرعية الدولة ولا بسلطة غير سلطة القانون»، ويحملون «هماً واحداً هو» بناء دولة مدنيّة قويّة وقادرة، دولة سيّدة على أرضها وحدودها»، لكن يسودهم الاقتناع أن المعركة لا بد أن تخاض أولاً من داخل البيئة الشيعية، بفعل واقعها الديموغرافي والسياسي، من أجل كسر حاجز الخوف والصمت، وبوصفه شرطاً أساسياً للتغيير ضمن البيئات الأخرى وعلى مستوى الوطن، «ذلك أن استمرار التمثيل الشيعي على حاله يجعل من كل تقدّم في الساحات الأخرى، جزئياً، قليل الجدوى، ويمكن الالتفاف عليه ومحاصرته. فالانسداد الوطني لا يمكن إزالته إلا بتغيير حقيقي في التمثيل الشيعي في البرلمان والسلطة، وتلك مسؤولية وطنية وضرورة لبنانية تقع على عاتقنا (نحن الشيعة) وعاتقكم (أنتم اللبنانيون)، وأنّ اختيارَنا الحرَّ لممثلينا في الانتخابات النيابية القادمة هو بدايةُ لإصلاح منشود يوقف الانزلاق نحو الهاوية».إذاً، توقيت الحراك يربطه المعارضون بالاستحقاق الانتخابي النيابي المتوقع في أيار/مايو 2018، حيث أن قانون الانتخاب على أساس النسبية، يمكن من خلاله إذا توحّدت الجهود ضمن الاعتراض الشيعي والمعترضين في البيئات الأخرى، حصول اختراق فعلي في البرلمان، بما يكسر الاحتكار ويشكل بارقة أمل للمجتمع المدني عموماً، الذي يقوى عوده، وللقوى خارج الاصطفافات الطائفية، التي تبقى الأمل للخروج من حال التمترس الطائفي والمذهبي الذي يتجذر أكثر، بما يُقفل الباب أمام أي تحقيق للدولة المدنية أو التقدم خطوة إلى الأمام نحو «إلغاء الطائفية السياسية» التي ينص عليها الدستور ووضع «اتفاق الطائف» آلياتها.هذا الحراك، في رأي المعارضين، يشكل إزعاجاً لـ» الثنائية السياسية» كونه ليس حراكاً نخبوياً صافياً. وإلصاق سمة «شيعة السفارة» على القائمين به – والمقصود هنا السفارة الأمريكية-، والعين اليوم على السفارة السعودية، لا يقلل من التحدي أمام «الثنائي»، الذي لمس في الانتخابات البلدية قبل فترة نمو الحال الإعتراضية في القرى والبلدات الخاضعة لنفوذه، وإن كانت للانتخابات البلدية إعتباراتها المختلفة عن الانتخابات البرلمانبة لكنها تبقى مؤشراً للمزاج العام، وقد تجلى ذلك في البقاع بشكل أكبر نظراً إلى التركيبة المجتمعية للعشائر والعائلات المختلفة إلى حد ما عن التركيبة الاجتماعية في الجنوب. وهو مزاج عام يتنامى مع الشعور أن الخناق يضيق والتحديات تكبر ولاسيما في ظل ما ينتظر لبنان من عقوبات أمريكية ضد «حزب الله» ستمتد آثارها على البيئة الشيعية قبل غيرها من البيئات، وفي ظل الشعور بما تدفعه هذه الطائفة من أثمان بفعل دور «حزب الله» الإقليمي بوصفه الذراع الأهم لإيران، حيث تخطى ذاك «الدور المقاوم» في أرضه، حين انخرط في الحروب الدائرة في المنطقة من سوريا إلى العراق واليمن، وتدخل في شؤون دول عربية وخليجية، ما جعله مصنفاً على لوائح الإرهاب مثله مثل «تنظيم الدولة»- «داعش»، إن لم يكن أخطر على مستوى التداعيات على الشيعة أنفسهم وعلى لبنان وعلى والمحيط.فهل يمكن لهذا الحراك أن ينجح فعلاً في تشكيل نقطة إنطلاق لكسر الصمت وتعميم الحال الاعتراضية بما يؤسس لنواة تغيير مستقبلي ليس قريباً أو سريعاً لكنه ممكن إذا طرأت عوامل مؤثرة داخلية أو إقليمية بما يفتح الطريق أمام تلاقي إرادات وطنية من جديد للخروج من «نظام الحكم المُعَطّل» بفعل سقوط لبنان تحت الهيمنة الإيرانية بعدما ظن أنه خرج من الهيمنة السورية. والأهم، أين سيكون رد «الثنائية الشيعية» على هذا الحراك، ولاسيما من «حزب الله» الذي بدأ يتحسس من ملامح اعتراضات وطنية رغم حجمها المتواضع، فكيف إذا كانت تأتي من ضمن «البيت الشيعي» في لحظة يعتبر أنه يواجه تحدياً وجودياً؟.. رلى موفّق..المصدر : القدس العربي!!
بيروت.. لبنان: شخصيات شيعية تطلق معركة «كسر الصمت»!!
08.10.2017