توجد أكثر من 30 ألف سيارة قديمة في حاجة إلى الإتلاف الكامل في قطاع غزة، كونها غير آمنة للسائق والركاب على حد سواء، كما تتسبب في تلوث الهواء بنسب متفاوتة بسبب الانبعاثات والأدخنة التي تصدرها عوادم هذه السيارات المتهالكة.غزة - تجوب آلاف السيارات المهترئة، قديمة الصنع والموديل طرقات قطاع غزة المكتظ بالسكان في ظل تمسك أصحابها بها بسبب العجز عن امتلاك أخرى حديثة.وفي العادة لا تبدو مهمة السائق محمود جبر في نهاية الثلاثينات من عمره، سهلة في جذب الركاب من موقف الشعبية القديم المخصص لسيارات الأجرة على مشارف مناطق جنوب شرق مدينة غزة.ويقول جبر لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إنه قد يضطر أحيانا إلى الانتظار مدة ساعتين حتى تمتلئ سيارته المرسيدس الصفراء المتهالكة والتي يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 35 عاما، بأربعة ركاب من أجل الانطلاق بهم.ويوضح أنه يعمل على مسار محدد ذهابا وإيابا من موقف الشعبية إلى أطراف حي الزيتون السكني عبر الطرقات الفرعية متجنبا المرور من الطرقات العامة السريعة لتفادي التصادم بأفراد شرطة المرور.استمرار عدم إيجاد حلول جذرية لاستبدال سيارات الأجرة القديمة يزيد من خطر تعرض سكان غزة لأزمة تلوث هواء حادة إذ أنه لا يملك أوراق ترخيص رسمية لسيارته بوصفها غير صالحة لنقل الركاب ويتوجب إتلافها منذ سنوات، لكن مهمته الصعبة في تحصيل الرزق لعائلته تجبره على استمرار العمل عليها.وحال جبر ليست أفضل من نحو 18 سائقا يتناوبون على الوقوف في دوار الشعبية، وإن كانوا ينطلقون باتجاه مناطق حدودية نائية متفرقة فإن ما يجمعهم طبيعة سياراتهم القديمة.وبينما ينظم هؤلاء أنفسهم في طوابير للفوز بالركاب بالترتيب، فإن مرور سيارة حديثة الصنع كفيل بإفساد الأمر عليهم.ويقول السائق محمد أبورشيد (42 عاما)، إن غالبية الركاب لا يحبذون التنقل في سيارات قديمة ويعتبرونها خطرا عليهم وهي فعلا يجب أن يتم إعدامها، لكنه وأمثاله لا مقدرة مالية لديهم لاقتناء سيارات حديثة بديلة.
ويبرز أبورشيد أنه “ليس من السهل العثور على فرص عمل في قطاع غزة لفئة الشباب، فما بالك بفئة كبار السن من سائقي الأجرة أمثالنا وهو ما يجبرنا على هذا الوضع”.وينقسم مالكو السيارات القديمة في قطاع غزة إلى قسمين، الأول يتخذها كقطعة أثرية وحباً في اقتناء القديم منها، أما القسم الآخر ويشكل غالبية هؤلاء فيتخذونها مصدر رزق لهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحرمهم من اقتناء سيارات حديثة.ويعاني قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليون نسمة، من حصار إسرائيلي تم فرضه منذ عام 2007 بعد جولات الاقتتال الداخلي التي أفضت إلى سيطرة حركة “حماس” بالقوة على القطاع.ويعتقد أن الكثير من الشبان ممن تعطلت أعمالهم بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية في غزة، لجأوا إلى العمل سائقي سيارات أجرة لمصلحة أشخاص آخرين، فيما لجأ آخرون إلى الحصول على قروض مصرفية لشراء سيارات بهدف العمل في إطار مكاتب نقل خاصة.وبحسب بيانات رسمية تتجاوز معدلات البطالة في قطاع غزة 60 في المئة والفقر نحو 80 في المئة في وقت تقول تقديرات لمنظمات أهلية إن نحو 300 ألف خريج جامعي لم يجدوا فرصة عمل ولو لمرة واحدة منذ تخرجهم.وبحسب إحصائيات رسمية يبلغ عدد السيارات المرخصة لدى وزارة النقل والمواصلات في قطاع غزة أكثر من 70 ألف سيارة، فيما يتم استيراد نحو 4 آلاف سيارة حديثة سنويا.ويقدر رئيس جمعية مستوردي السيارات في غزة إسماعيل النخالة، وجود أكثر من 30 ألف سيارة قديمة بحاجة إلى الإتلاف الكامل في القطاع كونها غير آمنة للسائق والركاب على حد سواء.ويوضح النخالة في تصريحات أن جمعيته حثت السلطات المختصة في غزة مرارا على وضع خطة لإتلاف السيارات القديمة وطرح مجموعة بدائل وطرق ميسرة؛ غير أن ذلك لم يجد طريقه إلى التنفيذ في غياب الحوافز والضمانات للمواطن قبل إتلاف سيارته.وينبه إلى أن من أهم أسباب تزايد السيارات القديمة وعدم الحصول على سيارت أخرى حديثة بدلا منها هو ارتفاع أسعار السيارات الحديثة المستوردة نتيجة “الضريبة المزدوجة” التي تفرضها السلطة الفلسطينية في رام الله واللجنة الحكومية التابعة لحركة حماس في غزة.
وبحسب النخالة فإن إجمالي رسوم الضرائب على السيارات الحديثة المستوردة إلى غزة تصل نسبتها إلى 75 في المئة من قيمة سعرها وهو ما يعد من الأعلى إقليميا ويشكل عبئا إضافيا على سكان القطاع.على الرغم من عروض التسهيلات التي يؤمنها نظام المرابحات والقروض البنكية لشراء سيارات جديدة في غزة، فإنها تبقى غير كافية وفق سائقي السيارات القديمة في ظل تشكياتهم من ضعف المردود المالي لعملهم.ويقول المسؤول في وزارة النقل والمواصلات في غزة أنيس عرفات، إن نسبة ضئيلة من سيارات الأجرة القديمة حصلت على ترخيص بعد أن خضعت لفحص كامل، والنسبة الأكبر غير مرخصة ويتم ملاحقة العاملين عليها.لكن عرفات يؤكد أن الوزارة غير قادرة على فرض إتلاف السيارات القديمة باعتبارها كجهة حكومية غير قادرة على توفير البدائل المناسبة للسائقين نظرا إلى الظروف الاقتصادية الصعبة.ويشير إلى أن قانون المرور رقم 5 لسنة 2000 المعمول به في قطاع غزة ينص على أنه لا يجوز إتلاف أي سيارة طالما كانت حالتها تسمح لها بالسير على الطرقات ولو بالحد الأدنى.ويشدد على أن السيارات التي تعتبر قديمة من حيث تاريخ التصنيع، تخضع للفحص الفني والمتابعة من قِبل الوزارة كل 6 أشهر، لضمان بقائها في حالة جيدة على الأقل، في حين تخضع السيارات الحديثة للفحص مرة واحدة كل عام.وعادة ما تقتصر عملية الإتلاف للسيارات القديمة على حالات معينة فقط، مثل حوادث الطرق المروعة التي تعدم السيارة، أما إن كانت الحالة الفنية للسيارة سيئة جدا، ورفض صاحبها صيانتها رغم إنذاره أكثر من مرة، فإن أقصى ما يمكن عمله هو سحب ترخيص سيرها.ويعول مسؤولون حكوميون في غزة على أن تتم عمليات إتلاف السيارات القديمة بطرق غير مباشرة، باعتبار أن أسعارها في نقصان مستمر ما يؤدي إلى العزوف عن شرائها أو اقتنائها، كما أن قطع غيارها متوفرة بصعوبة بالغة.غير أن مختصين يحذرون من أن استمرار عدم إيجاد حلول جذرية لاستبدال سيارات الأجرة القديمة والمتهالكة يزيد من خطر تعرض سكان غزة لأزمة تلوث هواء حادة.وبحسب “مجموعة فلسطين لأبحاث الاستدامة” ومقرها غزة، فإن عدة أبحاث ودراسات محلية أثبتت تلوث الهواء في مناطق القطاع المختلفة بنسب متفاوتة بسبب الانبعاثات المرورية التي تصدرها عوادم السيارات، خاصة المتهالكة منها.
أسطول سيارات قديمة يعلوه الصدأ ينقل الركاب "سرا" في قطاع غزة!!
15.09.2022