أحدث الأخبار
الأربعاء 01 أيار/مايو 2024
الخرافة الشعبية والسحر ثقافات قديمة!!
بقلم : سعاد خليل ... 04.03.2024

الخرافات تكونت في عصور الظلمات فليس هناك من مجتمع بلا خرافات، كانت الخرافة تعتبر ضمن الفلكلور او التراث الشعبي ، ولكل الحضارات سامية وفرعونية وفارسية ورومانية وتركية وبيزنطية.. كل حضارة ترث الأخرى، والإنسان ما هو الا كتلة من الموروثات ليس فقط للمجتمعات المتخلفة بل حتى المتقدمة منها، لأن كل شعوب العالم تتمسك بتراثها وإن تجاوزت فعل الخرافات في تعاملها مع الحياة.
وفي تعريف لها تعتبر خطاب معرفي قديم، سيطر فترة طويلة علي البني الاجتماعية ومعتقداتها ومواقفها من العالم والزمن والاعراض التي تطرأ علي الطبيعة والانسان ، بل يمكن القول بان الخرافة شكلت في زمن طفولة العقل البشري ، المعرفة المركزية ، التي كانت تمثل علما قائما بذاته لا يمكنه التمييز بين الظواهر الطبيعية وعللها ، مما سببت في ان يكون للساحر مكانة مهمة ومرموقة في الهيمنة علي عقل المجتمع وتوجهاته وحيانا الي احكامه وفهمه للثوابت .
هذه الخرافات والمعتقدات لا تأتي من فراغ، فهي اعتقادات شعبية قديمة تحكى شفاهة، خصوصا الفترات التي لم يكن فيها أي وسيلة للترفيه او قضاء الوقت فقط التجمع للاستماع والاستمتاع بما يحكي منها الديني والاجتماعي والوجداني لخلق تفاعل الأفراد في أي مجتمع، فتتراكم وتمتد الى الأجيال متأثرين بحكايات الأجداد. ويعيش الماضي فينا طالما أن الخرافات تتناقل، ولذلك أصبحت الخرافة جزءاً من التراث الشعبي حظيت بالدراسات واهتمام المجتمعات بحفظها.
فالحكاية الخرافية ترجع بنا الي صور تسبق كل تاريخ مدون ، كما انها ترجع بنا الي بداية الفن الشعري ، والي عالم اخر من الفكر والاعتقاد والحق والدين ، وحقيقة ليس علينا ان نعمم علي جميع الحكايات الخرافية بل علي بعضها . ان نري التصورات القديمة تنعكس في ا جزاء من الحكاية الخرافية وفي بعض موضوعاتها، فهي لا ترجع بنا الي الأزمنة الماضية فقط ، ولكن مازال حتي اليوم نحده موغلا في بعض الحضارات البدائية في مضمون الفكر والعقيدة .
ونحن كعرب ثقافتنا زاخرة بموروث خرافي ضخم مبثوث في حنايا اهم المصادر المكتوبة، سواء في الا دب العربي الجاهلي وحتي بكت التاريخ وابعض الكتب الأدبية والاجتماعية. ونحن في مجتمعنا العربي لدينا من النقائض التي تميز ثقافتنا المعاصرة من غياب البحث في بنية عقلنا واثر الخرافة في تخلفه وردود افعاله تجاه قضايانا المصرية، والمقصود انه لا يمكن الاعتماد علي يالبنية القلية في لدينا حتي نقضي علي الشوائب والمرتكزات الخرافية التي تشكل جانبا من مدركاتها الباطنية ، التي عادة ما تتدخل في تفسير الاحداث ، وتتمازج مع المعرفة العلمية ، وما يجعل هذه المعرفة فاقدة الاتزان .
وفي دراسة كتبها عياش يحياوي عن ثقافة السحر والخرافة الشعبية يقول، ان خطورة المرتكزات الخرافية تأتي في كونها جزءا من اللاوعي الجماعي الغالب، بحيث يصعب علي العامة الانتباه اليها وانتقاد الياتها، لأنها احد محركات العملية العقلية الباطنية المعقدة . وليس غريبا القول ان من أسباب تعثر النهضة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الوطن العربي في ما بعد المرحلة لاستعمارية ما يعود الي تسرب الخرافة الي قيم النهضة والياتها وطموحاتها، ما حرم العقل العربي من قطع أشواط في تنميته والنهوض بالمنطقة العربية، وحرمه أيضا من التوازن الشرطي لحدوث حوار علمي في المجتمع ، هذا المجتمع الذي لا يزال علي الرغم من استهلاكه للنتاج التكنولوجي المتقدم مسكونا بقابليات التخلف ، والفراغات الكهفية الشاسعة والعميقة التي تستوطنها منتجات الخرافة ، ويتبدى ذلك في ردود الأفعال الجماعية تجاه الزمن والعمل واسئلة المصير الاجتماعي والسياسي ، ومظاهر التسويف والحماسة وفقدان التركيز لإنجاز عمل متقن خاضع لقوانيني الحداثة وقيمها .
هذه الدراسة التي كتبها عياش يحياوي لخصت منها الأهم الذي تطرق اليه عن هذه الثقافة القديمة. وكذلك تطرق الكاتب الي بعض الخطوات التي قامت بها الدكتورة موزة غباش والدكتورة هند عبد لعميم القاسمي ،
اثر الخرافة في تنشئة المرأة :
اما اذا التفتنا الي حقل الدراسات والأكاديمية التطبيقية، التي تولي اهماما لوظيفة الخرافة في البنية الاجتماعية علي المستوي المحلي فان الحقل يكاد يكون اجرد اذا استثنينا الخطوات البحثية التأسيسية التي قامن بها الدكتورات المذكورات يلاحظ ان الرجل المثقف اتجه الي الفنون الأدبية والتشكيلية والمسرح ولم يهتم بتنمية قدراته في مجال البحث المعرفي المتعلق بالموروث الاجتماعي والثقافي او ماله صلة بنظرية المعرفة وتطبيقاتها .
يقول الكاتب ان الدكتورة موزة غباش تناولت المعرفة الخرافية في تنبئية المرأة والنظر الي موقعها ا لاجتماعي ، وانتقدت بروح علمية مجموعة من الممارسات المستمدة من تلك المعرفة ، ومن جملة ذلك أسلوب معالجة المرأة المحرومة من الذرية، وذلك باستخدام أدوات وممارسات شعبية شديدة القسوة لي المرة مثل : شرب ماء بئر حفرت حديثا او عبور البحر من كان الي مكان اخر اوو الجلوس علي مشيمة امرأة بعد ولادته او المرور فوق قبر ثلاث مرات او تغيير مكان سرير النوم عند المعاشرة الي سبعة اتجاهات ،مرة للقبلة واخري جهة الشرق ، والغرب وهكذا ، او الاستحمام بما غسل به ميت اوو اللجوء الي حلقات الزار لطرد الجان .
اما الدكتورة هند القاسمي تؤكد الموقف نفسه: ان حجب المرأة عن المجتمع، واتباع وسائل العزل الاجتماعي ساعدا علي خلق عالم ثقافي خاص بها، يسوده الاعتقاد بأمور خرافية كالسحر، واللجوء الي بعض الوصفات الشعبية لعلاج بعض امراضها، التي كان من اكثرها أهمية بالنسبة لها حالات العقم وعدم القدرة علي الانجاب، كما كانت لها العابها الخاصة التي تعبر من خلالها عن موضعها المتدني ، وما يمارس عليها من قيود وقهر من قبل الثقافة التقليدية .
ونظرا لان الحسد والجن يعدان من المعتقدات الشعبية، وهما يرتبطان بالدين الإسلامي أيضا، نجد ان المبحوثات في عينة الدراسة يؤكدن بنسبة 92 بالمئة علي ان الحل لمواجهتهما يكمن في قراءة القران الكريم ، واستخدام البخور بنسبة 12 في المائة والشبة واللبان أيضا بنسبة وغسل وجه الحسود بالماء ، وللجوء الي المطوع 18 في المائية .
إضافة الي ما سبق نجد ان هناك من بين عينه الدراسة، من يؤمن بوجود الجن والعفاريت ، حيث تبين نتائج الدراسة ان نسبة 94 في المائة من العينة يعتقدن بوجودها بينما خمسة في المائة لا يؤمن بذلك .
ان مثل هذه ا لدراسات البحثية والتطبيقية، بخاصة منها الدراسات التي انجزتها الدكتورة موزة غباش فيما بعد ، تعد خطوة رائدة في دراسة المجتمع الخليجي بشكل خاص علي وجه الخصوص ، من زاوية هيمنة المعرفة الخرافية علي معتقداته وسلوكياته ، وتأتي أهمية هذه لخطورة من جانب كونها من انجاز المرأة التي كانت ضحية تلك المعرفة حقابا زمنية طويلة وقاسية .
الخرافة سردا فنيا :
اما الباحث الدكتور خليل احمد خليل يقول : الأسطورة صنعها العقل ومارسها الناس ، والعلم صنعه العقل نفسه ومارسه الناس ،وقد يتعايش العلم والاسطورة ، وفي مجتمعنا العربي ،يتبع العلم خطي الأسطورة ويخدم الحكم الاعتقادي الغيبي ، وهذا يعني تحويل العلم عربيا الي نوع من الطلق المثالي علي الرغم من طبيعته المناقضة للأسطورة .
ويتحدث الروائي علي أبو الريش عن أهمية الخرافة في تزويد النسيج الادبي السردي بطاقات مخيالية ، باعتبارها نتاجا ثقافيا اجتماعيا في مرحلة سابقة : خرجنا من صلب الخرافة حتي صارت ام الدويس امتدادا حقيقيا لأي عمل ابداعي نقترب منه ، عندما نريد ان نتحدث عن الحب ،المرأة الوطن ،الحرية .
ومع الاعتقاد بان الخرافة ما هي الا التبس بين وقع متخلف وبين رادة ناقصة غير انها في العمل الإبداعي تنان مجدا عظيما، بخاصة حينما تلمس شغافها بوعي، وتوظف ضمن اسس او ملامح فنية قابضة علي جمرة التمكن .
فقد تكون ام الدويس مشهدا تاريخيا، بدايته اورام طفولية، ونهايته واقع مغلق وتعس ومشحون بالخوف والترهيب ، كما قد يكون بابا درياه خيطا رفيعا يربط بين اتساع البحر وجبروته ، وبين عنفوان واقع متسلط. لذا فان الرواية لا يمكن ان تبدا من فراغ ،او بعيدا من الجحيم .
وللدخول في ثقافة التقائه ونورانية المعرفة الحداثية خروجا من السياق ا لاجتماعي الخرافي يقول علي أبو الريس : في اعتقادي انه ما من امة تتطور ، وتنحو نحو التخلي عن الرواسب البالية : لا متي استطاعت ان تتخلص من ثياب المألوف والخروج علي السكون والمرغوب تقليديا ، قصد نه يجب ن ننتصر علي انفسنا ،وان نتحرر من الثبات المزري والمريب .
توضيحا لقول علي أبو الريش ان الرواية لا يمكن ان تبدا من فراغ .. او بعيدا من الجحيم، نورد مشهدا من روايته نافذة الجنوب ” يوظف الطقس الخرافي لتأجيج الحس الدرامي يفي سياق السرد الروائي ، كان المهد خاليا ، والخيم التي اودعتني فيه تنز بالوحشة، ا خذت الخالة تلطم راسها وتتولل : انهمر سيل ا لجيران عند سماعهم الصراخ والعويل ، بعد فترة ، دخلت الخالة ،ومعها نساء الجيران الخيمة، الموحشة ، وجدوني ارقد علي فراش ، العق اصبع الابهام ، اشيع الناظرين بابتسامة عريشة ، انفض الجمع ، يلفهم خوب مهيب ، والخالة تصرخ بصوت مشروخ ، كيف حصل هذا ؟ الولد ابن اختي، ملامحه تدل علي ذلك، هذا الابن ابن حني ، واخزياه يا الهي ، ماذا سأقول لأختي .؟
ان الخرافة بصفتها لاعبة متمرسة علي حبال المخيال والافق غير المتوقع ـتعتبر مادة أدبية في بنائها الشكلي والجمالي، لا في وظيفتها التقليدية في المجتمع المسحور بها ، ومن هذا الباب هنا نموذج من سرد عفوي لا تسنده ثقافة أدبية ، لكنه من اجمل ما سمعت من سرد خرافي يتقاطع مع خواص الشعر الخالص الصافي .
وان غابت الشمس كنا نخشي الاقتراب من البراريح ، الأماكن المهجورة ، فالسحرة والجن، كانوا يتواجدون فيها ، واذكر اني ذات يوم خرجت حاملة جفير ، وعاء فيه قمامة ، كنت انوي رميها في البحر ، فاذا بي اشاهد ولدا صغيرا ، يركض ، يركض ، يركض ، ثم يرمي بنفسه في البحر ، فركضت لاستكشف امره لكنه سرعن ما اختفي في أعماق البحر .
وحدث ذات مرة ان خرجت لزيارة اختي بعد صلاة العشاء فراست في طريقي امرأة جالسة ، وما كندت اقترب منها حتي فوجئت بها تطير اماما في الفضاء وكان اختي تجلس بعيدا خارج بيتها ، وحين شاهدت المنظر جاءتني راكضة وسألتني ان كنت شاهدت امرأة تطير فأجبتها نعم ، وكثيرا ما شاهدناها .
هل نرمي الخرافة في البحر ؟
ان الإرث الثقافي الشفاهي الذب تتمتع به المجتمعات العربية بكل مناطقها سواء في الشرق واو الغرب او دول الخليج ثري ومتداخل ، ومن مضامين هذا الإرث السياق السردي الخرافي ، سواء منه الذي ينتشر في الحكايات الشعبية او ذلك الذي يرتبط بالاعتقاد الاجتماعي ، مثل السحر وقوانينه الطقسية والفلكية المعتمدة علي تردي العقل الاجتماعي في ازمنة التخلف العلمي والمعرفي
ان دراسة هذه الإرث في مختبرات علم ا لاجتماع الثقافي، والنقد الجمالي والمضموني المعرف للأدب تعد من أولويات أي تأسيس ثقافي ينشد الحفاظ علي النتاج المعرفي الشفاهي بهدف البحث عن مواطن الجمال والفن فيه للاستفادة من ذلك في بناء نصوص وابداعات جديدة شفي الشعر والقصة والرواية والتشكيل والمسرح، ومن اجل ان يكون الابداع الحداثي الجديد في المجتمع ذا جذور في الذاكرة الجمعية وليس شذرة غريبة عن روح المان حملت بذرتها الرياح من اقاص بعيدة
يقول الباحث يجب تنظيم ندوات متخصصة في تحليل ودراسة الخرافة المنتشرة محليا منذ احقاب سحيقة في التجمعات السكانية ، ويجب ان يكون الفعل العلمي في صميم الفعل الثقافي الوطيد الصلة بالهوية الاجتماعية، حيث ان خطورة تأجيل مثل هذه الإنجازات العلمية تتمثل في انعكاسها سلبا علي النسيج الاجتماعي وفقدان الافراد في الأجيال المقبلة لعلاقة تربطهم بهوية لمكان / ما يجعل من السهل علي الرياح الثقافية اللافحة جرفهم في مهاويها ولعل أهمية دراسة السرد الشفاهي والمضمون الخرافي كانت من أولويات المجتمعات الغربية ، فجمعت الموروث الشعبي ودرسته ونشرته في كتب للأطفال والراشدين علي يد علماء وباحثين متخصصين ، حدث هذا قبل بدء النهضة الصناعية في تلك المجتمعات انطلاقا م انه قبل ن يتك تكليف الفرد بوظيفة جديدة
تتطلق معرفة جديدة لابد من تحصينه بتراث البلد حتى لا يشعر بانه مفصول من شجرة ميتة.
لذا كان من غير الحصافة ان نرمي بالخرافة الموروثة شفاهيا في البحر بدعوي اننا نعيش زمن الثقافة والتكنولوجيا ان الهدف هنا، هو تحويل او إعادة صناعة وصياغة الموروث الخرافي لتوظيفه في المسار الإبداعي والوظيفي للمجتمع. ذلك ان يمكن ان تهار الروح وتذبل اوراقهاوعلاقتها بالمكان وذاكرته في الوقت الذي تنشر العافية والخير في الجسد ، وان الذين يدركون ان الروح الاجتماعية في خطر ويواصلون لعبة التفرج يكونون قد اسهموا في حدوث جريمة وطنية وحضارية وإنسانية .

1