أحدث الأخبار
السبت 27 نيسان/أبريل 2024
انتحار الفتيات بسبب الابتزاز الإلكتروني يكشف غياب الأمان الأسري!!
بقلم : أحمد حافظ ... 04.03.2024

القاهرة - أحدث انتحار طالبة جامعية في مصر صدمة مجتمعية بعدما أثير أنها أقدمت على التخلص من نفسها هربا من الضغوط النفسية الواقعة عليها من تهديد بعض صديقاتها لها بنشر صور التقطت لها داخل دورة مياه السكن الجامعي الخاص بالطلبة، حتى قررت إنهاء حياتها، وسط اتهامات لزميلاتها بأنهن تسببن في قتلها.
وتحولت الواقعة إلى قضية رأي عام على شبكات التواصل الاجتماعي في مصر، وصارت حديث وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية التي طالبت بتغليظ عقوبة الابتزاز الإلكتروني، بينما لم تخل الاتهامات من توجيه اللوم إلى المحيط الأسري للفتاة، لأن الواقعة تعكس بوضوح أنها لم تكن تشعر بالأمان من ردة فعل العائلة.
ولم تتضح بعد هوية الصور ومقاطع الفيديو التي جرى التقاطها للفتاة، لكن مقتطفات من محادثات قديمة بينها وبين زميلاتها في الجامعة نُشرت على شبكات التواصل الاجتماعي كشفت عن ابتزاز وترهيب نفسي لها، بأنها ستتعرض إلى فضيحة مدوية، ولم تشفع توسلاتها في وقف ما تتعرض له من تهديدات.
وفتحت النيابة العامة تحقيقات موسعة حول الواقعة أمام حالة الغضب الواسعة التي انتابت الشارع المصري في ظل غموض وفاة الشابة، والأسباب التي دفعتها إلى الانتحار بمادة سامة، لكن الواقعة حوت محاولات ابتزاز وتخويف بدت خلالها الفتاة عاجزة عن الدفاع عن نفسها أمام محاصرتها بالفضيحة.
*قانون العقوبات لا يتضمن مواد صارمة تُحاسب من يمارسون الابتزاز على كونهم قادوا الضحية إلى التخلص من نفسها
وتتكرر في مصر حوادث الابتزاز وانتهاك الخصوصية على فترات متقاربة، وبعضها يقود إلى انتحار الضحية، وسط تواطؤ حكومي وبرلماني على إقرار تشريع يقضي بفرض عقوبات صارمة تضع حدا لهذه الممارسات، حيث لا تزال القوانين التي تعاقب على التهديد قديمة، ولا تتناسب مع الجرائم المرتكبة على شبكات التواصل.
وأكثر عقوبة في مصر لانتهاك الحياة الخاصة هي الحبس عامين مع غرامة مالية، والكثير من القضايا يٌحكم فيها على المتهمين بالسجن ستة أشهر بداعي التشهير، لأن قانون العقوبات لا يتضمن إلى حد الآن مواد صارمة تُحاسب من يمارسون الابتزاز على كونهم قادوا الضحية إلى الانتحار.
ولم يتطرق أي تشريع مصري صراحة إلى الابتزاز الإلكتروني، لكن قانون العقوبات ينص على معاقبة من يهدد شخصا بجريمة ضد النفس بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، إذا لم يكن التهديد مصحوبا بطلب أموال، أما إذا كان مصحوبا بطلب مال فقد تصل العقوبة إلى الحبس سبع سنوات.
ويؤكد حقوقيون أن الابتزاز يترتب عليه دمار أسر كاملة ولا يمكن استمرار حالة الفراغ التشريعي الخاصة بمحاربة انتهاك الخصوصية قائمة، ومن غير المقبول عدم وجود عقوبة للشخص الذي يدفع غيره إلى الانتحار هربا من الوصمة والعار، لأن ذلك يناقض حقوق الإنسان في أن يُعاقب المبتز بعقوبات قاسية.
وذكّرت واقعة طالبة جامعة العريش (شمال سيناء) التي تحقق فيها النيابة بحادثة شهدتها مصر قبل عامين عندما أقدمت فتاة تُدعى بسنت خالد على الانتحار بعد أن تم ابتزازها إلكترونيا بصور مفبركة، ثم تكررت الواقعة بعد ذلك بشهرين لفتاة أخرى انتحرت عقب تهديدها بصور خاصة، وكانت تخشى مواجهة أسرتها.
ويتفق خبراء في علم النفس على أن ضحية الابتزاز الإلكتروني إذا فقدت الأمان الأسري وصارت عاجزة عن تبرئة نفسها، فإنها تكون عاجزة عن تجاوز الصدمة وتعتقد أن التخلّص من نفسها هو السبيل الوحيد للراحة النفسية، طالما ستعيش بقية حياتها منبوذة ومتهمة ولو كانت لم ترتكب أي خطأ.
ويبدو أن هذا التفسير ينطبق إلى حد بعيد على واقعة فتاة جامعة العريش، حيث عُرفت بين زميلاتها في المدينة الجامعية بالطالبة الملتزمة صاحبة الخُلق الرفيع، بل إنها كانت تقوم بإمامة الطالبات في الصلاة، غير أنها صُدمت من تهديدها بصور خاصة التقطت لها من بعض زميلاتها، وقررن نشرها على تطبيقات الإنترنت.
ويشير خبراء علم النفس إلى أن الفتاة إذا نشأت في بيئة أسرية تزرع فيها الشجاعة والثقة بالنفس منذ الصغر، فمن الصعب أن تتأثر بسهولة بأي تهديد أو ابتزاز رخيص يدفعها إلى الانتقام من نفسها هربا من نظرات واتهامات العائلة، وهي إشكالية مرتبطة بنمط التربية، خاصة في البيئات الاجتماعية المحافظة.
وقال جمال فرويز استشاري الطب النفسي وتقويم السلوك في القاهرة إن “الأمان الأسري حائط الصد المنيع أمام لجوء ضحية الابتزاز إلى الانتقام من النفس، لأن أي فتاة تتعرض للتهديد بنشر ما يسيء إليها، أول ما تفكر فيه نظرة العائلة والمقربين لها، وإذا رأت أنها ستفشل في تبرئة ساحتها، تفكر في معاقبة نفسها”.
فاجعة كبيرة
وأضاف لـ”العرب” أن “شجاعة ضحية الابتزاز تُستمد من نمط التربية والتنشئة الأسرية، وعلى العكس، كلما شعرت بغياب الأمان وعدم تصديق براءتها مما نُسب إليها يترك بداخلها ضغوط نفسية مضاعفة وتبدو عاجزة عن الشعور بالطمأنينة من المحيطين، وأحيانا تفكر في الموت كي تستريح من هذا العبء”.
وخرجت أسرة الفتاة وتحدثت إلى وسائل الإعلام قائلة إن ابنتها على خلق، ولا يمكن لها ارتكاب أيّ فعل مشين يتنافى مع تربيتها، لكن ذلك لم ينف بعض اللوم الذي وجه إلى العائلة، بأن غابت عنها تربية الفتاة على مصارحة أسرتها بأي مشكلة لتبحث معها عن حل، حتى لو كانت مرتبطة بتهمة غير واقعية تمس أخلاقها.
وتحدث أصدقاء للفتاة عن إصابتها بحالة اكتئاب شديدة قبيل وفاتها، وهي نقطة يراها متخصصون في العلاقات الأسرية معبرة عن أن انتحار الأبناء أحيانا يكون موجها إلى الأسرة نفسها؛ وذلك بأن تبعث الضحية إلى ذويها رسالة تفيد بأن موتها أهون من تأنيبهم المتكرر.
ولم تتحدث ضحية الجامعة مع أسرتها بشأن المشكلة، ما أثار إشكالية ترتبط بنمط التربية الذي لا يقوم على التشارك بين الأبوين والأبناء في كل شيء دون خوف أو محاذير أو خطوط حمراء، إذ يفترض أن تكون العائلة أول ملاذ آمن للفتاة، وإذا لم تنشأ على ذلك، ستبحث عن الأمان بطرق أخرى، ولو بالانتحار.
وذهبت هالة منصور المتخصصة في علم الاجتماع العائلي إلى أن تكوين صداقات بين الآباء والأبناء حائط صد منيع ضد أي محاولة للترهيب من المحيط الخارجي للعائلة، وما يحدث من وقائع ضد بعض الفتيات يتطلب تغيير نمط التربية ليكون قائما على المصارحة بين الأبوين وأبنائهم.
وأشارت في تصريحات لـ”العرب” إلى أن “شجاعة الفتاة وثقتها بنفسها تُكتسبان من الأسرة لا من الخارج، وهذا يتطلب تعظيم دور العائلة في توفير بيئة آمنة لها، لذلك من المهم نشر ثقافة الحوار بين جميع أفراد المنظومة، وإذا وقع أي فرد في مشكلة تصبح الأسرة هي منبع الحل بشكل آمن”.
وإذا تربت ونشأت ضحية الابتزاز بطريقة صحيحة ولا ترتكب سلوكيات تتناقض مع العادات والتقاليد تكون أكثر عرضة للأذى الذي يقود إلى الانتحار مع أول تهديد تتعرض له لمجرد الخوف من مواجهة الأسرة والمحيطين أمام غياب التربية القائمة على الصداقة والمصارحة بين الآباء والأبناء.

*المصدر : العرب
1