أحدث الأخبار
الجمعة 26 نيسان/أبريل 2024
النقاب ليس قضية مصيرية للمجتمعات والمرأة العربية !!
بقلم :  سماح بن عبادة ... 20.03.2016

طرح مسألة النقاب في المجتمعات العربية لم يكن بهذا التواتر ولا بنفس الأسلوب الذي أصبح يطرح به في السنوات القليلة الماضية وتحديدا منذ قيام الثورات العربية. وسواء تعلق هذا الطرح به كظاهرة اجتماعية أو دينية أو ثقافية فإنه يربط دوما بتأثيره على واقع المجتمعات المسلمة وخاصة على مكانة النساء في هذه المجتمعات والنظرة التي يرمقن بها على أنهن عورة يجب حجبها عن الأنظار. وبين المدافعين عن النقاب من جهة وبين الرافضين له من جهة أخرى تثار من حين إلى آخر قوانين حظر النقاب مشفوعة بجدل واسع بين الطرفين دون الوصول إلى حلّ يضع حدا لهذه المسألة كأحد أبرز قضايا المرأة والمجتمعات المسلمة.
لا يمكن أن يكون ارتداء النقاب بما يحمله من خلفيات ومعان واحدا من القضايا المحورية التي يهتم بها الرأي العام في المجتمعات المعاصرة خاصة وأن العصر الراهن شهد إنجازات علمية وتقنية متعددة جعلت المجتمعات الغربية تتفوق على نظيراتها العربية والمسلمة. كما شهد تطورات من ناحية واقع المرأة التي أصبحت أكثر تعلّما واكتسابا للمهارات وحقّقت هي الأخرى إنجازات تدحض المقولات التي تتبنى دونيتها، لكن هذا التناقض الحاصل يقودنا إلى التسليم بأن هناك قوى مؤثرة في العالم العربي هي التي تريد أن تجعل من النقاب قضية هامة بالنسبة إلى المسلمين.
النقاب أثر سلفي
هذه القوى الدينية المتشددة والمتطرفة تعمد إلى البرهنة على دونية المرأة وعلى أنها عورة وجب سترها وتغطية كل جزء من جسدها لحمايتها من الآخر ولحماية الآخرين من مفاتنها، وهي الفلسفة التي تتبناها السلفية المتشددة بالذات والتي سعت لنشرها على أوسع نطاق في المجتمعات العربية المسلمة منذ سنوات وفق مخططات واستراتيجيات مدروسة مكّنتها من إيصال فكرها وأيديولوجيتها للعديد من المجتمعات العربية. وأثبت الواقع في هذه المجتمعات اليوم من أنها تمكنت أيضا من إحداث الأثر ومن النجاح ولو نسبيا في الإقناع بمبادئها وأفكارها ليس فقط في الأوساط المتدينة والسلفية بل حتى في الفئات الاجتماعية غير المتدينة والمتعلمة من النساء والرجال.
السجال الذي تثيره مسألة شرعية النقاب والنقاشات التي تواكب أيّ محاولات لوضع قوانين تحظره في الأماكن العامة والدفاع الأعمى والمتطرف عن شرعيته ووجوب ارتداء النساء له من بعض رجال الدين مظاهر تثبت بما يدع مجالا للشك ما حققه الفكر السلفي من انتشار وتأثير في المجتمعات المسلمة وفي الدول العربية التي لم تكن فيها مسائل التدين والتطرف الديني مطروحة بهذا الشكل.
المجتمع التونسي مثلا كان قبل ثورة ديسمبر 2010 مجتمعا لا يحظى فيه النقاب بالأهمية التي تجعله موضوعا يرتقي ليطرح للنقاش في الفضاء العام وأمام الرأي العام. وكذلك أغلب المجتمعات العربية ماعدا بعض المجتمعات التي اعتمدت النقاب كلباس يومي مثل بعض المجتمعات الخليجية.
تأثيرات الفكر السلفي التي تسربت شيئا فشيئا إلى البيوت العربية، عبر وسائل الإعلام والقنوات الفضائية الدينية ثم عبر وسائل الاتصال الحديثة والإنترنت وأيضا عبر احتكاك السلفيين والإسلاميين بصفة عامة من باقي الدول العربية بحاملي التفكير السلفي، غيّرت ملامح السلفية ومبادئ التدين عند الكثيرين وهو ما جعل فكرهم الذي يستهدف المرأة بالذات يجد صداه في الدول العربية التي شهدت بدورها صعودا للتشدد الديني خاصة بعد ما سُمّي بثورات الربيع العربي. ثورات أرادت منها شعوب هذه الدول رجالا ونساء تغيير واقعهم نحو الأفضل في اتجاه كسب مزيد من الحقوق والحريات فإذا بالنساء يجدن أنفسهن عائدات بقوة نحو التخلف والرجعية والظلامية عندما يطرح موضوع ارتدائهن للنقاب وللباس الشرعي على رأس كبريات قضاياهن بدل طرح المشاكل الأساسية مثل فرض حقوقهن في التعليم وفي العمل وفي المشاركة على قدم المساواة في بناء الاقتصاد وفي التنمية وفي المشاركة في أخذ القرار وتسيير الشأن السياسي.
حظر النقاب
اليوم في مصر ثاني دولة تشهد ثورة من ثورات الربيع العربي تقدم مسألة حظر النقاب في الجامعات وفي الفضاءات العامة من مستشفيات ووسائل نقل عمومية وغيرها ليتم حسمها داخل قبة البرلمان بعد أن أعلن أكبر تحالف برلماني عن إعداد مسودة قانون تهدف لمنع النقاب في المرافق العامة فتقابل آراء أعضاء هذا التحالف بمخاوف من ردود فعل عنيفة من تنظيمات الإسلام السياسي في مصر لأنها ستشهر سلاح اتهام البرلمان والحكومة بمعاداة الدين والشريعة الإسلامية وبمعاداة حماية المرأة وكذلك بمخاوف من فئة من الحقوقيين الذين سيرفعون في الجهة المقابلة راية حرية اللباس والمظهر. ومن ممثلي الداعين لحظر النقاب نجد آمنة النصير عضو التكتل ورئيسة لجنة التعليم والبحث العلمي البرلمانية التي تقول بأن “النقاب ليس فريضة إسلامية” موضحة بأن القرآن يدعو للباس المحتشم وغطاء الرأس، إلا أن ارتداء غطاء كامل للوجه “تقليد شعبي” تبنته القبائل العربية.
منطلقات إعداد هذا المشروع لحظر النقاب في مصر تأتي بعد الانتشار الملحوظ لهذا اللباس في الشارع المصري وما رافقه من مشاكل أدارها بشكل مباشر أو غير مباشر الإخوان المسلمون ودعاة التشدد الديني ضد الحكومة المصرية ومؤسساتها وشملت المؤسسات التعليمية والجامعات وخاصة بعد أن فرض عدد من الجامعات المصرية حظرا للنقاب داخلها.
ومثّل هذا القرار نقطة تحول هامة في الصراع بين دعاة التشدد الديني وبين الرافضين لفرض النقاب كنمط لباس شرعي على النساء، وقد مثّل الفضاء الجامعي أبرز ساحات الصراع الدائر بين الطرفين على مرّ الأجيال في استحضار لنجاحات سابقة حققها الفكر السلفي انطلاقا من الحرم الجامعي في سنوات السبعينات بمصر غير أن تصوراته ورؤيته حول النقاب اليوم عاشت أولى انتكاساتها بحظر قانوني بدءا بالجامعات.
ولأن لمصر وزنها في المنطقة العربية، وتأثيرها كان دوما ملحوظا على محيطها وعلى المجتمعات العربية فهي مثلما تصدّر الثقافة والفن والسينما تصدّر أيضا طرق التفكير وطرق اللباس وتساهم في تشكيل نمط العيش في المجتمعات العربية، لذلك فإنه عندما بدأ النقاب ينتشر فيها في السبعينات من القرن الماضي سرعان ما انتقل إلى مجتمعات شمال أفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط لذلك لا يمكن فصل ظهور النقاب في المجتمع المصري، عن انتشاره في أقطار عربية أخرى. وترتبط أسباب هذا الانتشار في مصر بالظرفية السياسية والتاريخية التي شهدتها سنوات أواخر السبعينات من القرن العشرين.
وتزامن ظهور النقاب في الشوارع المصرية، مع ظرفية سياسية عامة بدأت أولا بوفاة جمال عبدالناصر عام1970، ليتقلّد بعده محمد أنور السادات مقاليد الرئاسة المصرية. السادات “الرئيس المؤمن” دشّن حكمه بمحاولة استمالة الإسلاميين وأطلق سراح المئات منهم والذين زج بهم عبدالناصر في السجون.
السادات صاحب شعار “دولة العلم والإيمان” في محاولته القضاء على التجربة الناصرية، وفي سعيه لمغازلة الأوساط الشعبية وفي بحثه عن التحالف مع الإسلاميين، لم يكن يدر في خلده أنه كان يفتح الباب لمرحلة جديدة من عمر التيارات الإسلامية، ترافقت مع ظواهر اجتماعية وسلوكية كثيرة ومتداخلة منها إقبال النساء على الظهور في الحجاب والنقاب.
الجماعة الإسلامية في مصر التي نشأت أوائل سبعينات القرن العشرين في الجامعة المصرية، وداخل هذا المناخ السياسي الجديد، والتي كان من أبرز رموزها ناجح إبراهيم وعمر عبدالرحمن وغيرهما، هي جماعة خرجت من رحم جماعة الإخوان لكنها اعتمدت أيديولوجية أكثر تشددا وآمنت بفكرة التغيير بالقوة على أسس جهادية، وقد نجحت في أن تسرّب إلى المجتمع المصري أفكارا وعادات جديدة، تبدأ من الأنشطة الثقافية في الجامعات، وصولا إلى التغيّر الذي طال المجتمع المصري وانتشار النقاب الذي اعتبره قادة الجماعة مؤشرا على “الصحوة الإسلامية”، رغم أن غطاء المرأة أو "احتجابها" عادة اجتماعية أكثر منها دينية موجودة في المجتمع المصري، وخصوصا في الارياف، منذ القدم، ومن قبل ظهور هذه "الصحوة".
كما أن سياسة السادات للانفتاح الاقتصادي فتحت الحدود أمام المصريين للسفر من أجل العمل في الخليج وبدأ المصريون يتوافدون إلى هناك ويعودون بأفكار سلفية.. ثم ظهرت على هؤلاء ملامحها الظاهرية وظهر لباس الجلباب الأبيض القصير واللحية الطويلة وتأثّرت النساء المحيطات بهم أيضا بذلك.
كما أنه بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979 بدأ الفكر السلفي يغزو العالم الاسلامي في محاولة لمقاومة المدّ الثوري الشيعي الذي أعلنه الخميني. فلم تعد المصريات في حاجة إلى الذهاب إلى الخليج كي يعدن بالعباءة والخمار أو النقاب، ثم بدأت هذه الأفكار تهب على المجتمع المصري كما بقية المجتمعات العربية عن طريق الدعاة ووسائل الإعلام والصحف.
ثورات الربيع العربي
الأحداث السياسية والغليان الاجتماعي عقب ثورات الربيع العربي أعادت تشكيل المشهد لتطفو مظاهر التشدد الديني من جديد ولتعود معها مطالب فرض النقاب (بمفهومه الديني المسيس) على المرأة العربية المسلمة. ولم تقف المطالبة بفرض النقاب على النساء عند المجتمعات التي شهدت بلدانها ثورات الربيع العربي بل إن امتدادها وانتشارها ألغى الحدود الجغرافية في مواكبة لانتشار التطرف الديني في جميع دول العالم العربي وبالتوازي مع انتشار الإرهاب الذي لم يعترف بالحدود الجغرافية مستعينا في ذلك بما يتيحه تطور وسائل التواصل والاتصال القادرة على دخول جميع الفضاءات الخاصة والعامة.
لم تثر قضية النقاب أزمة في أيّ مجتمع عربي، في السابق، مثلما تثيره اليوم، حيث يجرى تسييس هذا الموضوع بشكل لافت، فإذا دخلت قوى مدنية في أزمة مع نظيرتها الدينية فجرت قضايا، من نوعية النقاب، وهي الحجة أو الذريعة نفسها التي تجعل القوى الدينية تشحذ أدواتها لكسب نقاط جديدة في معركة قديمة، تتجدد عندما يحتاج إليها أحد الطرفين.
ويتناسى الطرفان أن هناك مجتمعات ودولا، بعضها معروف عنه انفتاحها، يرتدي نساؤها النقاب، وفيها يعدّ زيّا ثقافيا وحضاريا يرتبط أساسا بجذور ذلك البلد وتاريخه وعاداته وتقاليده، ما يجعل الحديث عن النقاب أو اللباس الذي يغطي كامل جسد المرأة، ويكون في الغالب أسود اللون، أقرب إلى القضية الاجتماعية الثقافية والحضارية التي تختلف وتتعدد فيها الآراء.
وما يعتبره البعض انغلاقا قد ينظر إليه البعض الآخر على أنه حرية شخصية أو تقليد اجتماعي وهوية لا علاقة لها بالتوظيف بين أنصار تيار الإسلام السياسي والمعارضين لهلكن، بعد الثورات العربية لم تجد المرأة في مصر وتونس وليبيا نفسها فقط تقاوم التشدد الديني والرجعية التي ينشرها السلفيون والمجاهدون وكل حاملي ومتبني الفكر المتشدد بل أصبحت هذه المواجهة تعني كل المجتمعات المسلمة والعربية وهو ما جعل مسألة النقاب والمطالبة بحظره ومنعه في المؤسسات التعليمية والجامعية وفي الفضاءات العامة تأخذ حجما أكبر من حجمها الحقيقي وتستغرق وقتا طويلا في السجال والنقاش وكأنما ارتداء النقاب أو خلعه إحدى كبريات قضايا المرأة في العالم العربي وفي الدول المسلمة بينما مشاكلها الواقعية تتجاوزه بكثير من حيث العمق والتأثير.
النقاب ليس قضيتنا
ارتداء النقاب أو حظره لا يمكن أن يكون قضية النساء في سوريا وليبيا وفلسطين واليمن اليوم فهن يبحثن عن الحق في الحياة وفي السلام وفي الكرامة والاستقرار أولا، بسبب ظروف الحروب والنزاعات المسلحة التي تشهدها بلدانهن.
وهو ليس قضية المرأة المصرية التي مازالت تكافح لدحر الأمية ولكسب نصيبها في سوق العمل ولبلوغ التمثيلية التي تليق بها في مواقع الإدارة والتسيير في المجالين الاقتصادي والسياسي.
وهو لا يمكن أن يكون قضية المرأة التونسية التي تناضل من أجل فرض المساواة في إدارة الشأن العام، وعلى هذا المنوال لا يمكن أن يكون النقاب قضية المرأة العربية ولا قضية مصيرية بالنسبة إلى المجتمعات العربية ليسخّر لها كل هذه المساحات للنقاش.
المصادقة على قانون يحظر النقاب في الأماكن العامة في مصر من شأنه أن يمثل نقلة تاريخية قد تزعزع مفاهيم التدين الظاهري في المنطقة العربية برمتها، وهي كذلك قد تمثل نقطة مفصلية حول نظرة الرجل للمرأة وقد تثير مراجعات عميقة حول مبادئ الدين الاسلامي والشريعة الاسلامية فيما يخص مكانة المرأة ولباسها بعيدا عما تريد تيارات الإسلام السياسي فرضه.
كما أن سن قوانين ونصوص تشريعية يمكن أن يضع حدودا لمفهوم اللباس الشرعي للمرأة وبذلك يوقف هذا الإسهاب في الجدل حوله ويتم تعديل المسار فيما يخص طرح قضايا المرأة العربية الفعلية واليومية دون إلهاء المجتمع والنخب السياسية بمسائل ثانوية مثل النقاب لإلهاء الجميع عن حاجيات المرأة الحقيقية والقضايا التي تؤرقها.

المصدر : العرب
1