أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
الولايات المتحدة... دموع في العينين ودماء على اليدين!!
بقلم : أسامة أبو ارشيد ... 06.04.2024

لم تكد ساعات قليلة تمضي، في 29 من الشهر الماضي (مارس / آذار)، على إعلان الرئيس الأميركي، جو بايدن، بمناسبة "شهر التراث العربي الأميركي" مشاركته "الألم الذي يشعر به كثيرون من أفراد المجتمع العربي الأميركي بسبب الحرب في (قطاع) غزّة"، حتى كانت صحيفة واشنطن بوست تكشف النقاب عن أن إدارته وافقت بهدوء، قبل ذلك بأيام، على تزويد إسرائيل بقنابل وطائرات مقاتلة بمليارات الدولارات. ورغم الخلاف العلني بين إدارة بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو بشأن الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لمدينة رفح جنوبيَّ قطاع غزّة دون خطط واضحة للتعامل مع قرابة مليون ونصف مليون نازح فلسطيني مقيمين في المدينة، كما تطالب واشنطن، فإنّ هذا لم يمنع الإدارة من استمرار تواطؤها في جريمة الإبادة الإسرائيلية. وبحسب التقرير، فإنّ إدارة بايدن وافقت حينها على حزمة جديدة من الأسلحة لإسرائيل بقيمة 2,5 مليار دولار تشمل 25 مقاتلةً من طراز إف-35 إي، إضافة إلى أكثر من 1800 قنبلة إم كيه 84 وزن ألفي رطل، و500 قنبلة إم كيه 82 وزن 500 رطل، وهي ذات القنابل التي تستخدمها إسرائيل في ارتكاب المجازر المروّعة بحق المدنيين الفلسطينيين، خصوصاً الأطفال والنساء، وتزعم إدارة بايدن أنّها تريد تقليل الخسائر في صفوفهم. لكن التواطؤ، بل قل الشراكة الأميركية الكاملة، في الإجرام الإسرائيلي لا تقف عند ذلك الحد، بل تتعداه إلى تعزيز قدرته على ترويع المنطقة كلّها وجعلها عرضةً لمصير قطاع غزّة إن تجرأت أيٌّ من دولها أو فاعليها على تحدي إسرائيل.
أعلنت إدارة بايدن، مطلع شهر إبريل/ نيسان الحالي، موافقتها المبدئية على صفقة بقيمة 18 مليار دولار لبيع إسرائيل 50 طائرة مقاتلة من طراز إف - 15، إضافة إلى محرّكات وأنظمة مدافع ورادارات وأنظمة ملاحية، فضلاً عن صواريخ جو جو، وذخائر هجومية متقدمة، وبناء وتطوير بنى تحتية لوجستية، وتقديم تدريب وأعمال صيانة للأسطول الجوي الإسرائيلي. ليس هذا فحسب، بل إنّ هذه الصفقة منفصلة عن طلب آخر تقدّمت به إسرائيل، خلال زيارة وزير أمنها، يوآف غالانت، الأسبوع الماضي إلى واشنطن، تتضمّن مزيداً من طائرات إف-35. اللافت في هذه الصفقة الضخمة التي تراجعها حاليّاً لجنتا العلاقات الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ، أنّ إنجازها، حتى ولو جرت الموافقة عليها اليوم، سيتطلب بضع سنوات (خمس على الأقل في حالة مقاتلات إف-15)، بمعنى أنّها ليست مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة. وهو الأمر الذي يثير سؤالاً عن سبب استعجال إدارة بايدن في محاولة تمريرها في الوقت الذي تتعرّض فيه لضغوط كبيرة من قواعد الحزب الديمقراطي وبعض مُشّرِّعيهِ في الكونغرس لاستخدام ورقة التسليح أداةَ ضغطٍ على إسرائيل، وتحديداً ضد "المتمرّد" نتنياهو، الذي يعطي بايدن "الإصبع الوسطى" دائماً، بحسب تعبير السناتور الديمقراطي، كريس فان هولين، في سياق رفضه المطالب أو النصائح الأميركية في قطاع غزّة؟
**مسألة دعم إسرائيل أميركياً عابرة للإدارات، ديمقراطية أم جمهورية، ولا تخضع للخلافات السياسية بين حكومتي البلدين أو رأسيها
نجد الإجابة على هذا التساؤل عند وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي دافع، الثلاثاء الماضي من باريس، عن هذه الصفقة بالقول إنّ استمرار إدارة بايدن في نقل الأسلحة إلى إسرائيل بشكل عام ليس مرتبطاً بـ"الصراع الحالي في غزّة". وأضاف أنها جزء من اتفاقيات "تعود إلى عقدٍ أو أكثر" وتتضمّن أنظمة أسلحة قد يستغرق تصنيعها سنوات. وقال إنّ هذه الصفقة "خضعت لمراجعة الكونغرس منذ سنوات قبل بدء الصراع في غزّة بوقت طويل". أما النقطة الأهم هنا، فكانت تأكيده على أنّ الولايات المتحدة عازمة على معالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية الأوسع، بما يتجاوز الصراع في غزّة. وبحسب مسؤولين أميركيين آخرين، قد يشجّع إبطاء مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل أو خفضها أو تكييفها إيران وحلفاءها الإقليميين على مهاجمتها، ويُضعف قوة الردع الإسرائيلية ضدهم.
معلوم أنّ مسألة دعم إسرائيل أميركياً عابرة للإدارات، ديمقراطية أم جمهورية، ولا تخضع للخلافات السياسية بين حكومتي البلدين أو رأسيها. وتتلقى إسرائيل ما قيمته 3,8 مليارات دولار مساعدات عسكرية أميركية سنوياً، على الأقل، وهي لديها أكبر وأحدث ترسانة عسكرية في المنطقة. وعلى مدى عقود، حصلت إسرائيل على أكثر من 154 مليار دولار مساعدات عسكرية، وإذا وضعنا في الاعتبار نسب التضخّم مع مرور الوقت، فإنّ مجموع ما تلقته من الولايات المتحدة ما بين أعوام 1946 – 2022، يتجاوز 243,9 مليار دولار. وحسب القانون الأميركي لعام 2008، فإنّ استراتيجية المساعدات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقوم على الحفاظ على "التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل على الدول المجاورة. ويتضمن هذا النهج منح إسرائيل إمكانية الوصول، أولاً، إلى تكنولوجيا الدفاع الأميركية أو الإصدارات الأكثر تقدماً منها. كما أنّ الولايات المتحدة تعوّض إسرائيل بزيادة حِزَمَ الأسلحة والمساعدات العسكرية لها في حال ما باعت أسلحة لجيرانها. وقد جرى تقنين هذه الاستراتيجية أميركياً في "قانون نقل السفن البحرية" لعام 2008، الذي يحظر الصادرات الدفاعية إلى دول في الشرق الأوسط، من شأنها الإضرار بميزة إسرائيل العسكرية وتفوّقها النوعي. دع عنك، طبعاً، التعاون الاستخباراتي الوثيق بين الدولتين، والسماح لتل أبيب بالتعاقد المباشر مع أكثر شركات الأسلحة الأميركية تطوّراً.
**الكارثة أنّ أياً من الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل، علناً أو سراً، لا تبدي حساسية أمنية واستراتيجية نحو مساعي إسرائيل في الهيمنة على المنطقة
لكن، لماذا مقاتلات إف-15 تحديداً؟ بحسب خبراء، فإن سرعة هذه النسخة من الطائرات تبلغ ألفي ميلٍ في الساعة، وهي قادرة على خوض قتال جو جو، وقصف أهداف على الأرض. ورغم أنّ إسرائيل تمتلك منها أسطولاً وتستخدمها في عدوانها على قطاع غزّة، إلا أنّ طلبها المزيد منها يشير إلى أنّها تريدها أداة ردع أو قل أداة تهديد، وربما عدوان قادم ضد خصومها الإقليميين، وعلى رأسهم إيران ووكلاؤها في المنطقة، مثل حزب الله. وتعتمد إسرائيل على أسطولها من هذه الطائرات في اعتداءاتها المتكررة على لبنان وسورية، وبحسب مسؤول كبير في سلاح الجو الإسرائيلي فإنّ هذه المقاتلة ذات قيمة عالية "عندما نريد الوصول إلى مسافات بعيدة بعدد قليل من الطائرات". وعملياً، فإنّ إسرائيل قد تلجأ إليها في حال قرّرت أن تهاجم البرنامج النووي الإيراني.
الأكثر أهمية من كل ما سبق، أنّ واشنطن لا تنكر التزامها بالحفاظ على "التفوق العسكري النوعي" الإسرائيلي في المنطقة، ولا تل أبيب تخفي أنّها ترى في ذلك التفوق النوعي عنصراً حاسماً لردع كل منافسيها الإقليميين، بما يشمل حتى دولاً عربية مطبّعة معها، علناً أم سراً. الكارثة، أنّ أياً من تلك الدول لا تبدي حساسية أمنية واستراتيجية نحو مساعي إسرائيل للهيمنة على المنطقة على حسابهم. أمَّا ثالثة الأثافي، فهي تواطؤهم في محاولة إجهاض مشروع مقاومة هذه الهيمنة في المنطقة، بدءاً من قطاع غزّة، والتي أوضحت جليّاً لكل صاحب حسّ وعقل استراتيجي، أنّ إسرائيل ورغم عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمار الأميركي والغربي العسكري فيها، إلا أنها تبقى ضعيفة مكشوفة دون دعم مستمرّ لا يتوقف. لو كان بعض المتواطئين العرب يعقلون لأدركوا أنّه لا الولايات المتحدة تستطيع ولا الغرب كذلك قادر على الاستمرار في دعم المشروع الصهيوني بشكل أعمى ومن دون انقطاع، وضخّ عشرات المليارات من الدولارات سنوياً فيه إذا ارتفعت كلفته الاستراتيجية في ظل تحولات جيوسياسية دولية كبرى. لكن للأسف، فإن تغييب العقل الاستراتيجي العربي يُخَفِّضُ من الفاتورة الغربية في المشروع الصهيوني، رغم أنّها تبقى باهظة، ذلك أنّهم (العرب) ليسوا مستسلمين له فحسب، بل إنّهم يرون أنفسهم حلفاء لإسرائيل يحافظون على تفوقها عليهم.

*المصدر : العربي الجديد
1