أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
السبسي تونس من زاوية نظر أخرى..!!
بقلم : إبراهيم عمر المصري ... 25.12.2014

استبشر كثير من المقهورين في دول العالم العربي بثورات الربيع العربي، والتي حملت في مضمونها مدلولات التغيير الإيجابي لمجتمعاتها. ويكاد يكون استدعاء الحديث عن الواقع السابق في مجتمعاتنا العربية مكرورا وموجعا؛ فكلّنا -بلا استثناء- كان لنا نصيبنا الذي نتجرعه منه مرارة وألما. نعم كلّنا.. حتى تلكم الزعامات المتغلبة أو المتصدرة اليوم كان لها نصيبها من أسلافها !، وكم سيكون لذلك من تداعيات ... !.
وبرغم الأثر المنقوص لهذه الثورات التي لم تحسن استكمال مسيرتها.. إلا أن الأهم أن ثورات الربيع العربي أنجزت في مرحلتها الأولى كسر حواجز الخوف عند الجماهير المقهورة، والتي أدركت مفاعيل تحركها لاسترداد كامل حقوقها، لكنها لن تجتاز هذه المرحلة بالكلية إلا أن يصل بها الألم إلى مرحلة الرغبة الصادقة بالتغيير، والطمأنينة الكاملة إلى نتائجه الإيجابية، والصبر على ذلك.
وفيما أخذت قوى وتيارات الإصلاح المجتمعي فرصتها المحدودة في حكم أغلب دول ثورات الربيع العربي كتونس ومصر وليبيا واليمن دون سوريا بعد.. ينبغي عليها أن تتهيأ الآن جيدا إلى أدوارها الحقيقية وواجباتها الفاعلة من استدراك الأخطاء ومعالجتها، بالتوازي مع استكمالها المسير في ضمان تحقيق منظومة الحكم الرشيد في مجتمعاتها على قاعدة التعايش المشترك، بغض النظر عن استحقاقات التجربة الحالية فعليا.
لقد أثبتت حالات المد الثوري هشاشة الأنظمة المستبدة في مجابهة استرداد الحقوق المغتصبة، ولكنها كشفت -في المقابل- عن حجم النظرية المثالية في القوى والتيارات الإصلاحية وضعف الجهوزية الحقيقية لمتطلبات إدارة الواقع. فما إن بدأت عدوى هذه الثورات بالانتشار، حتى تنبه لها أعداؤها من خطر تمكّنها وأثر ذلك على مصالحهم.. فاجتمع الباطل عملا، فيما تفرق الحق عبثا !.
وللحق، لا يختلف اثنان على حجم المدافعة والاستنزاف التي عانى منها قادة قوى وتيارات الإصلاح المجتمعي أثناء إدارتهم للحكم، بذات القدر لحجم استحقاقات التَّرِكة الثقيلة التي وقفوا عليها وعندها أيضا. ولم يكن بمقدور -أيٍّ كان- أن يفي باحتياجات جموع الحراك الثوري في أول تجربة نزيهة للحكم، بل ولن يستطيع. إذًا، فهذا بحد ذاته جيد ومهم إذا استطعنا أن نقرأه بوعي وعمق لفهم متطلبات إدارة الدولة المدنية بكل تفصيلاتها وألوانها وواجباتها وارتباطاتها في عالم معقد لا يحترم سوى الأقوياء، وضرورة العمل على استدراك ذلك.
وبالمناسبة، فإن تحميل البعض لتيار الإسلام السياسي (كما يسمّونه) وزر النتائج التي وصلت إليها دول ثورات الربيع العربي هو فهم منقوص، أو عمل مجروح، وربما -على الأرجح- هوى في النفوس.
إذ بقدر ضحالة تجربة الحكم عند (كل) قوى وتيارات الإصلاح المجتمعي كواحدة من إفرازات أزمنة الاستبداد، مما تترتب عليه أخطاء في التطبيق والممارسة -دون أن يعفيها ذلك تماما من هذه الأخطاء أو أقلّه البدهية منها-، فإنه من غير اللائق في نفوس الكبار محاولات التشفي بعناوين هذه المرحلة فضلا عن القعود عن نصرتها.
إن أهم ما يمكن أن نلتقطه من تجربة ثورة الياسمين أن (السبسي تحديدا) هو جسر مرحلي قصير، ومحطة لالتقاط أنفاس العودة بقوة -إعدادا واستعدادا- من جديد؛ فقرب مرحلة (ما بعد السبسي) والتهيؤ لها أهم من التلاوم الذي يجد له مبررات الردود المنطقية بين: قوة المدافعات مع شخوص الدولة العميقة، وصعوبة تقدير الممكن، وضرورة الحفاظ على القيم الوطنية العليا.
إذًا.. اللوم يكون بقدر المساحة التي نتركها للظلم أن يعود دون أن نعمل (جميعا) على ردعه. فبذور ثورات الربيع العربي لم تقلع، ومكنونات الحرية التي تذوقت قوى وتيارات الإصلاح المجتمعي طرفا منها (وليس ما يختزلونه بقولهم: الإسلام السياسي) لم تذبل، وما دام ظالم وراءه ثائر.

قطاع غزة، فلسطين
1