أحدث الأخبار
السبت 21 كانون أول/ديسمبر 2024
أطفال المخازن في ليبيا... تعذيب وتجويع القصَّر في مراكز الاتجار بالبشر!!
بقلم : الديار ... 29.01.2023

يكشف تحقيق "العربي الجديد" عن تعذيب وتجويع أطفال في مخازن المهربين بليبيا، من أجل ابتزاز عائلاتهم التي أرسلتهم مع مهاجرين يصطحبونهم في رحلة البحث عن حلم الانتقال إلى أوروبا، التي تتحول إلى كابوس ضحاياه من القصَّر.
- اكتشف فريق جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية - فرع الكفرة، لدى اقتحامه أحد مخازن المهربين التي يجمعون فيها المهاجرين غير الشرعيين بمنطقة تازربو (400 كيلومتر شمال غربيّ مدينة الكفرة جنوب شرقي ليبيا)، 231 مهاجراً، بينهم 80 طفلاً (تراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 سنة)، ينتمون إلى دول الصومال وأريتريا وإثيوبيا، كما يقول الرائد محمد الفضيل، رئيس الجهاز في مدينة الكفرة، الذي تلقى معلومات من أهالي تازربو في 20 أغسطس/ آب 2022، عن وجود مخزن لتجميع المهاجرين، وبعد التحقق من المعلومات شكلوا فريقاً لاقتحام المخزن، مضيفاً بأسف: "في أثناء الاقتحام رصدنا على أجسام الأطفال المحتجزين آثار تعذيب وحروق جراء الضرب بخراطيم المياه وآلات حادة".
ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد، كما يكمل علي العكنشي، رئيس فريق الأطباء في مركز إيواء الكفرة، مؤكداً وفاة 35 مهاجراً، بينهم 10 أطفال، جراء التعذيب والأمراض، وعلى رأسها الدرن (السل) الذي أصاب 70 طفلاً في المخزن، فضلاً عن معاناة الأطفال من مضاعفات سوء التغذية وهزال الجسم، ويتابع قائلاً إن 8 أطفال مصابون بالدرن، بينهم طفلان يعانيان من مرحلة متقدمة من المرض، ومنهم طفلة إثيوبية (14 عاماً)، تخضع للعلاج في مستشفى الكفرة، لكنه يتوقع موتها في أي لحظة بعدما عجزوا عن توفير الرعاية اللازمة لها.
ماذا يحدث للأطفال في مخازن المهربين؟
يُجمَّع المهاجرون في مخازن المهربين المنتشرة في مناطق تجرهي الواقعة أقصى الجنوب الليبي وتراغن (جنوب غرب) والشويرف ونسمة وبني وليد والعجيلات (شمال غرب)، قبل نقلهم إلى الشمال الغربي، حيث نقاط التهريب على شاطئ البحر، بحسب إفادة محمد السعيدي إبراهيم، المحقق في فرق الدوريات الصحراوية بجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، الذي شارك في 3 عمليات اقتحام لمخازن تضم مهاجرين غير شرعيين بمناطق نسمة جنوب غربي طرابلس، والشويرف، وبني وليد، خلال الفترة من فبراير/ شباط 2019 وحتى يونيو/ حزيران 2022، مؤكداً أن الأطفال الذين عثروا عليهم من النيجر والصومال وأريتريا وتشاد والسودان. ويقول إن مهاجري الدول الأفريقية أكثر عرضة للتعذيب والانتهاكات بسبب عدم متابعة دولهم لهم، وعدم رغبتها في التعاون في قضية المهاجرين.
توفي جراء التعذيب والأمراض 35 مهاجراً بينهم 10 أطفال
وعثرت فرق الدوريات الصحراوية التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، التي تنشط في رصد وتتبع عمليات التهريب عبر الطريق الصحراوي من منطقة الشويرف جنوب غربي ليبيا، مروراً بمنطقة نسمة، ووصولاً إلى منطقة بني وليد، على 650 مهاجراً، بينهم 50 طفلاً، في 17 عملية مداهمة لمخازن تجميع مهاجرين، منذ تأسيس الدوريات في ديسمبر/ كانون الأول 2018، بحسب المحقق إبراهيم، الذي لفت إلى أن مهمته مقابلة عينات من المهاجرين إثر عملية التحرير وقبل نقلهم إلى مراكز الإيواء.
وتتفق الشهادات الموثَّقة في أن المهاجرين يتصلون بمهربي البشر في بلدانهم الأصلية مباشرةً، ويتلقون تشجيعاً كبيراً للهجرة ووعداً بتسهيل المرور إلى شمال ليبيا للوصول إلى أوروبا، لكن لدى وصولهم إلى ما بعد الحدود الليبية يجدون أنفسهم في مخازن للتجميع بعد أن يبيعهم المهرب الأصلي لمهربين داخل ليبيا.
لكن كيف يصل هؤلاء الأطفال المهاجرون إلى هذه المخازن؟ يجيب الرائد الفضيل، قائلاً: "بعد وصول المهاجرين وبرفقتهم الأطفال، سواء بينهم صلة دم أو من ذات المنطقة إلى الحدود الليبية، يسلمهم المهربون لآخرين يحتجزونهم في مخازن تجميع المهاجرين، ومن يستطع مواصلة الدفع، تتسلمه مجموعة أخرى من المهربين، ليواصل طريقه إلى مواقع التهريب المنتشرة على الساحل الشمالي الليبي، ومن لا يستطع يُودَع في مخزن عند آخر نقطة يعجز فيها عن مواصلة الدفع، وتبدأ رحلة تعذيبهم وإرسال صور التعذيب إلى ذويهم في بلدانهم الأصلية من أجل ابتزازهم".
ويضيف أن شهادات من التقاهم في مركز الإيواء في منطقة تازربو، تؤكد إقدام المهربين على تعذيب الأطفال أمام الكاميرات لابتزاز أهاليهم في بلدانهم الأصلية، لكونها الوسيلة الأكثر تأثيراً، لسرعة دفع الفدية.
داخل مخازن التهريب
فقدت النيجيرية نفيسة ليكا (23 عاماً)، طفلتها الرضيعة في أحد مخازن تجميع المهاجرين في منطقة بني وليد، بعد رحلة الهجرة مع زوجها من مدينة دركو شماليّ النيجر، حسب روايتها لمسؤول في مركز الإيواء بمنطقة عين زاره (رفض الكشف عن اسمه، لأنه غير مخول بالحديث للإعلام) لدى وصولها في 11 فبراير 2021، ويقول المسؤول لـ"العربي الجديد" إن نفيسة رافقت مع زوجها 8 أسر، وطفلين مصحوبين على متن سيارة المهرب، إلى منطقة تجرهي، ثم منطقة تراغن، قبل مواصلة الرحلة إلى منطقة بني وليد، وهناك سلمهم المهرب لآخر، وضعهم في مخزن لمدة ثمانية أشهر، حيث توفيت طفلتها الرضيعة، وعمرها ثلاثة أشهر، بسبب سوء وضع المخزن الذي كانت تحصل فيه على رغيف خبز واحد يومياً وقطعة من الجبن فقط، في ظل حياة قاسية، ووسط حجرة من الطوب الإسمنتي وباب حديدي ضيق، يقف أمامه مسلحون يهددون من يفكر في الخروج أو التمرد.
ولا تزيد مساحة المخزن الواحد على ثمانية أمتار بـ8 أمتار، ويحشر المهربون فيه عدداً كبيراً من المهاجرين، كما يؤكد المحقق إبراهيم، مشيراً إلى أحد المخازن في منطقة الشويرف، الذي عثروا فيه على ستين مهاجراً، رغم أن مساحته 6 بـ8 أمتار، وتابع من واقع خبرته وإفادات من التقاهم: "المهربون يحشرون المهاجرين في بعض الأماكن الضيقة حتى مع وجود أماكن أكبر للتضييق عليهم كنوع من أساليب التعذيب".
وينقل إبراهيم عن شهود العيان أنه يُضَمّ مهاجرون من مخزنين إلى مخزن واحد ليومين أحياناً قبل أن يعاد تفريقهم بين الأماكن، بعد أن يضطروا إلى التناوب على النوم أو الوقوف لضيق المساحة الشديد، مشيراً إلى أن معاملة المهربين للمهاجرين تكاد تكون واحدة، إذ يحصلون على وجبتين باليوم، الواحدة منهما مكونة من الخبز والجبن، وأحياناً القليل من التونة والمكرونة المغلية في الماء.
وبرزت ظاهرة الهجرة الأسرية مع الأطفال أو اصطحاب أطفال لعائلات أخرى كثيراً منذ عام 2017، بحسب محمود السنيني، المسعف في مركز إيواء عين زاره في طرابلس، الذي قال لـ"العربي الجديد": "عند سؤال المهاجرين عن سبب اصطحابهم لأسرهم وأطفالهم وأطفال عائلات أخرى تزجّ بهم، يقولون إن سماسرة ومهربي البشر في بلدانهم الأصلية يعرضون عليهم صور أسر تمكنت بالفعل من الوصول إلى أوروبا".
ويصل بعض الأطفال إلى مركز الإيواء برفقة أمهاتهم والبعض غير مصحوبين، وفق السنيني، مشيراً إلى أن الأطفال غير المصحوبين بذويهم نوعان: الأول هم الأقل سناً من العاشرة، وعادة ما يكون ذووهم قد توفوا في أثناء الرحلة، أو بسبب التعذيب من قبل المهربين، والنوع الثاني فوق العاشرة من العمر، يسلمهم ذووهم في بلدانهم الأصلية لمهاجرين معهم أسرهم، على اعتبار أنهم في سنّ تؤهلهم للعمل في ليبيا، وصولاً إلى أوروبا، حتى يتمكنوا من إرسال المال إلى عائلاتهم.
مراكز إيواء خارج سيطرة الدولة
يُنقَل المهاجرون غير الشرعيين الذين يُحرَّرون من المخازن إلى مراكز الإيواء، وفق الفضيل، الذي قال إن الأطفال الذين حرروهم من قبضة المهربين في مخزن التجميع بمنطقة تازربو، نُقلوا إلى مركز إيواء في مدينة الكفرة، موضحاً أن بعضهم احتجز لفترات تراوح بين عام ونصف وحتى 3 سنوات. ويضيف أن الأطفال ينقلون من مركز الإيواء في مدينة الكفرة إلى مراكز الإيواء في طرابلس، حيث تنسق السلطات هناك مع الأمم المتحدة لترحيلهم إلى بلدانهم.
وحذرت منظمة اليونيسف، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، من أن سلامة ورفاه ما لا يقل عن 1000 امرأة وطفل (بمن فيهم خمسة أطفال غير مصحوبين بذويهم و30 رضيعاً على الأقل) من المحتجزين في مراكز الاحتجاز في طرابلس في خطر فوري، موضحة في خبر منشور على صفحتها على "فيسبوك" أن "ما يقرب من 751 امرأة و255 طفلاً من بين آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء أُوقِفوا".
لكن علاء أبو سميط، نائب رئيس مكتب متابعة مراكز الإيواء بوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، يقول إن التقارير الدولية التي تتحدث عن سوء المعاملة للمهاجرين لا تأخذ بالاعتبار أن ذلك يحدث في مراكز إيواء خارجة عن سيطرة الدولة، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "نحن غير مسؤولين عما يحدث في تلك المراكز، كذلك إن حديث التقارير الدولية دون تحديدها يدخل جهودنا ضمن القصور الذي تتحدث عنه تلك التقارير".
وتوجد 3 مراكز إيواء خارج سيطرة الدولة، فيما يبلغ عدد مراكز الإيواء الرسمية 22 مركزاً موزعة على مختلف مدن البلاد، كما يقول أحمد حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن هذه المراكز الثلاثة في مناطق تاجوراء ضاحية طرابلس الشرقية، والماية غرب طرابلس، ومدينة سبها جنوبيّ ليبيا، ومشيراً إلى أنها لا تزال تدار من قبل مجموعات مسلحة غير خاضعة لسلطة الدولة، إذ إن مركز الإيواء في تاجوراء تحت سيطرة مليشيا رحبة الدروع، ومركز إيواء الماية تحت سيطرة مليشيا جهاز دعم الاستقرار، ومركز إيواء سبها تحت سيطرة مليشيا 115 (أحد فصائل اللواء طارق بن زياد التابعة لخليفة حفتر).
مطالب حكومية بتقديم دعم دولي
يطالب الفضيل، سلطات بلاده بضرورة الإسراع في تقديم الدعم اللازم لمركز الإيواء بالكفرة من أجل حصول المهاجرين غير الشرعيين على رعاية صحية ونفسية وغذاء كاف. بينما يطالب حمزة وأبو سميط، بتقديم دعم دولي لمراكز الإيواء من خلال تقديم فرق طبية كبيرة تشرف عليها الأمم المتحدة، وتوسيع عمليات ترحيل المهاجرين لبلادهم.
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 تمت أول عملية ترحيل برية عبر حدود السودان وتشاد ومصر بواقع 210 مهاجر، لأن الحكومة في طرابلس توقفت مطلع عام 2022 عن عمليات الترحيل الجوي التي بدأت منذ عام 2017، بسبب الكلفة المالية العالية للرحلات الجوية، وفق أبو سميط، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة تسهل عمليات قبول دول المهاجرين لعودتهم أو المساعدة في نقلهم إلى المطارات الليبية دون تقديم أي عون في تكاليف الرحلات الجوية.
و"قبل عمليات الترحيل يجب أن يبدأ المجتمع الدولي في تنفيذ الحل الجذري لظاهرة الهجرة، من خلال تنمية مكانية في دول المصدر للمهاجرين، حتى لا يضطر المهاجر لترك بلده والمغامرة بحياته هروبا من البؤس والفقر والعوز الذي يعانيه في بلاده، وبدون هذه التنمية سيعود المهاجر للمغامرة مجددا"، يضيف أبو سميط.

*المصدر :العربي الجديد
1