أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الصحراء الجزائرية سلة غذاء مهملة!!
بقلم : الديار ... 11.02.2022

**تواجه الجزائر معضلة نضوب الثروات الباطنية من بترول وغاز في الصحراء، وكبديل للذهب الأسود يمكن أن تكون الصحراء الشاسعة رافدا اقتصاديا يعتمد على السياحة وخاصة الفلاحة والزراعة التي يمكن أن تكون سلة غذاء لشمال أفريقيا وحتى دول الساحل نظرا لغناها بثروة مائية غير مستغلة، لكن ذلك يحتاج إلى إرادة حقيقية من السلطات.
الجزائر ـ تمثل الصحراء الجزائرية ثروة لم تصل بعد البلاد إلى حصرها والاستفادة منها بشكل كبير، ليس فقط في ما يتعلق بالثروات الباطنية مثل الغاز والبترول بل حتى بعض المعادن الثمينة التي لم تستغل وتستكشف بعد، فالصحراء الجزائرية مساحة شاسعة بمقدرات هائلة جدا.
ومن المقومات الأخرى التي تتوافر في الصحراء الجزائرية، كل ما له صلة بالسياحة والترفيه.
ويقول كمال زايت أحد الإعلاميين الذين زاروا مناطق عدة في الصحراء الجزائرية “اليوم الصحراء الجزائرية غير مستغلة بالشكل اللازم، ويمكن استغلالها في تطوير السياحة الأجنبية والداخلية، خاصة في ظل استتباب الأمن، لكن للأسف غياب سياسة سياحية حقيقية ونقص هياكل الاستقبال والنقل يجعلان من السياحة الصحراوية محتشمة، مع أنها يمكن أن تستقبل الملايين من السياح لأكثر من ستة أشهر”.
ويتحدث زايت عن الجانب الآخر المضيء في “مخزون” الصحراء الجزائرية، ويشير إلى الزراعة التي بدأ في استغلالها ولو على نطاق ضيق.
ويستطرد بالقول “اليوم أصبحت الكثير من الخضر والفواكه متوفرة على مدار السنة لأنها تأتي من الصحراء، فاستصلاح الأراضي والبيوت البلاستيكية هناك حقق نتائج إيجابية، لكن تبقى بحاجة إلى المزيد من الدعم حتى تتحول إلى داعم حقيقي للاقتصاد يغني الجزائر عن الاعتماد على الثروات الباطنية التي ستنتهي قريبا، أو يقل الطلب العالمي عليها في ظل اللجوء إلى الطاقات المتجددة والنظيفة”.
ويرى حكيم عماري، أحد المهتمين بالجنوب الجزائري، أن اسم الصحراء في الجزائر يقترن بالنفط والغاز وهما مصدرا الاقتصاد الجزائري، بيد أنه يشدد على أن الزائر لهذه المنطقة يكتشف ثروات أخرى قد تكون بديلا للذهب الأسود وتتمثل أساسا في الذهب الأخضر أو ما يعرف بقطاع الفلاحة أو الزراعة التي ما فتئت تزداد توسعا بفضل مشاريع الاستصلاح وتحوير الأرض البور إلى خصبة منتجة خصوصا وأن المنطقة تنام على بحيرة لا ينضب ماؤها.
ويلفت عماري إلى أن محافظة بسكرة المعروفة باسم بوابة الصحراء تعتبر أهم محافظة جزائرية من حيث غزارة الإنتاج الزراعي خصوصا في مجال الزراعة المحمية في شرق المحافظة وغربها دون تجاهل واحات طولقة المنتجة لأحسن أنواع التمور المسماة “دقلة نور” التي عرفت في السنوات القليلة الماضية تجديدا مسّ كثيرا من الواحات القديمة وقد أتت العملية ثمارها برفع طاقة الإنتاج، غير أن ما يعيق تصدير المنتوج هو ما يصفه المنتجون والمصدرون بالإجراءات البيروقراطية التي ترافق العملية، وارتفاع تكاليف النقل وغيرها من المعوقات التي عملت السلطات على إزالتها دون الوصول إلى المراد.
كما يربط عماري معوقات تطوير الزراعة في جنوب الجزائر بالصعوبات المتعلقة برخص التنقيب عن الماء وبطء انتشار شبكات الكهرباء لتعم كل المحيطات، ورغم ذلك صير الفلاحون الأرض البور خضراء منتجة وهو ما تحقق في محافظة وادي سوف جنوب شرق العاصمة الجزائرية بعد القضاء على مشكلة المياه الصاعدة وإنجاز مصدات الرياح لكبح انتقال الرمال، ومن أبرز نتائجها نجاح تجربة غرس البطاطس وتحقيق الاكتفاء. ويزيد عماري على ذلك بقية التجارب في مجال الفلاحة الصناعية كالشمندر والسكري وغيره. أما في زراعة الحبوب فيذكر تجربة منطقة قاسي طويل في عمق الصحراء وما تلاها من تجارب خصوصا في محافظتي المنيعة وورقلة.
ويؤكد حسان حويشة الإعلامي المتخصص في الشؤون الاقتصادية أن الصحراء الجزائرية لها من المقدرات ما يمكنها من أن تتحول إلى سلة غذاء لمنطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، مبرزا أنه لتوفر المياه الجوفية بكثرة، لاحت منذ سنوات بوادر تحول محافظات جزائرية إلى أقطاب زراعية ضخمة على غرار محافظات الوادي وبسكرة والمنيعة وأدرار.
وينبه حويشة إلى أنه رغم نقص الدعم ومرافقة السلطات والبيروقراطية الرهيبة، رفعت محافظات صحراوية التحدي وصارت الممون الأول للبلاد بالمنتجات الزراعية من أكتوبر وحتى مايو.
وذكر أنه لو يتم استغلال إمكانات الصحراء بالشكل اللازم، فستتمكن الجزائر من ضمان إنتاج زراعي طيلة فصول السنة ما بين أكتوبر ومايو في الجنوب، وما بين أبريل وأكتوبر في الشمال، بما في ذلك الحبوب التي تعتبر نقطة ضعف القطاع الزراعي الجزائري، إذ ستتمكن البلاد من إنتاج القمح والشعير والذرة وغيرها مرتين في السنة.
لكنه يرهن النهوض بهذا القطاع الاستراتيجي في الصحراء بدعم من الدولة في ما يخص الكهرباء وشق الطرقات وتخفيف الإجراءات البيروقراطية للاستثمار سواء ما تعلق باستصلاح الأراضي الزراعية أو إقامة مصانع تحويل الإنتاج الزراعي لمرافقة القطاع.
ويتحدث رضا لعويسي وهو خبير قضائي زراعي عن إحصاءات رسمية تشير إلى 500 ألف هكتار صالحة للزراعة وزع منها 130 ألف هكتار، وهو ما يعني توجها لدى السلطات الحكومية لجعل الزراعة الصحراوية الوسيلة الأولى لتأمين المنتوجات الاستراتيجية كالحبوب والبقوليات والأعلاف، وبالتالي خلق صناعات تحويلية قريبة من الزراعة الصحراوية كاتجاه سياسي.
لكن لعويسي يشدد على أن تحقيق هذا الهدف يتطلب إحصاء دقيقا للأراضي الزراعية والموارد المائية الجوفية ونوعيتها، مما تستوجب دراسات ميدانية تشرف عليها مكاتب دراسات واستشارات متخصصة.
ويعتقد لعويسي أنه من الصعب إقناع الجزائري بالاستثمار في الصحراء لعوامل منطقية متعلقة بالأموال الكبيرة التي تتطلبها هكذا مشاريع مقابل قلة فرص النجاح، موضحا أن المنتوجات الزراعية الاستراتيجية يجب أن تكون من أولويات الدولة لضمان الأمن الغذائي.
وأشار لعويسي إلى أنه لو تتوفر الإرادة الحقيقية فإن الجزائر بإمكانها ضمان الاكتفاء الغذائي في غضون 4 أو 5 سنوات، وهي إرادة تعتمد على السلسلة الزراعية المتكاملة التي تقوم على إنتاج زراعي بمقاييس عالمية في الصحراء يأخذ في الحسبان المكننة والتوجه نحو الصناعات التحويلية وحل المشاكل المرتبطة بالتخزين والنقل والدمج بين تربية الحيوانات والمنتوجات الاستراتيجية.

1