*قصيدةٌ في رثاء الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري
في قلبهِ تولدُ الرؤيا وتندَثرُ
ومن نجومِ شظايا حلمهِ كِسَرُ
وفوقَ عينيهِ تغفو الآنَ في دعةٍ
مجرَّةٌ راحَ يهفو حولَها قمَرُ
مجرَّةٌ من حليبِ الشعرِ تفلتُ من
ريحِ الذئابِ وفي الأجواءِ تنشطرُ
تبدو وتخفى كبرقِ الماءِ في لغتي
كجذوةٍ من هوىً يخبو ويزدهرُ
سَلْ الرمادَ سل الليلَ الذي انعتقتْ
فيهِ النجومُ.. سَلْ العنقاءَ تستعرُ
أفضَّةٌ في حروبِ الماءِ صامتةٌ
حشوُ العيونِ.. وحشوُ الخافقِ المدَرُ؟
وفوقَ كلِّ خوابي الشهدِ علقمةٌ
حمراءُ في القلبِ لا تُبقي ولا تذَرُ؟
وسَلْ أحارسُ كنزِ الحالمينَ غفا
وكانَ في مقلتيهِ ينبضُ السَحَرُ؟
ومالَ نجمٌ على عينيهِ مثلُ قناً
في راحتينِ من النعناعِ تنكسرُ؟
كبَتْ خطاهُ وصارتْ روحُهُ كِسَفاً
من الشذى في المدى الدُريِّ تنحدرُ
والقلبُ ما زالَ في لهوٍ وفي لعبٍ
نهبَ العيونِ التي في طرفها حَوَرُ
********
في كُلِّ أرضٍ خطى يحيى وسوسنةٌ
بيضاءُ يهوي عليها الصارمُ الذكَرُ
كأنما من مسيحِ الماءِ أنتَ وذا
بكاءُ قلبكَ في الأزهارِ منتشرُ
أرقى سماءً وأرضُ الشعرِ عاليةٌ
أنقى وفاءً إذا ما الأصفيا غدَروا
والشعرُ في يقظاتِ الحُلمِ نصرُكَ.. هل
كيشوتُ في غيرِ زيفِ الحلمِ ينتصرُ؟
لا كانَ سيفٌ ولا كيشوتُ حاملُهُ
قتلاهُ من شؤمهِ الأشجارُ والحجَرُ
**********
يا شاعراً فيكَ من غورِ الخلودِ صدى
ما ليسَ يسبرُ أدنى نجمةٍ بشَرُ
أعلاكَ في الأرضِ مجدٌ لا انتهاءَ لهُ
من المزاميرِ.. لا يرقى لهُ خطَرُ
لطالما كنتَ والأيامُ عاصفةٌ
سحابةً من جمالِ الصحوِ تنحدرُ
تشدُّني من شغافِ الروحِ تحملني
والأرضُ مدُّ سرابٍ والمدى جُزُرُ
إلى وراءِ حدودِ النجمتينِ ضحىً
وفي الأصائلِ حيثُ الشوقُ ينهمرُ
*********
تمشي قصائدُ مهديٍّ بغيرِ هدىً
كأنها امرأةٌ في خصرها خدَرُ
ضلِّيلُها ملِكٌ حينَ ازدهى وبدا
شالتهُ كالشمسِ في عليائها سُرَرُ
يا صاحبَ النغَمِ الوسنانِ في خلَدي
نامَ الدجى عنكَ لو أحسَسْتَ والوترُ
اليومَ أُزجي إليكَ الشعرَ زنبقةً
تكادُ من دمها الأشواقُ تنفجرُ
ما أمَّةُ الشعرِ.. مهما قيلَ.. ناعمةٌ
هيهات.. بل أشقياءٌ بالذي شعروا
شقَّوا غبارَ الرؤى السفلى وبرزخها
إلى جحيمٍ من الأحلامِ وانحدروا
جرُّ الخطى ثمَّ تيهٌ.. لا أُشبِّههُ
بخطوِ قارونَ.. إنَّ الرقَّةَ الوفَرُ
أزهو بصخرٍ من الآلامِ أحملهُ
قصاصةً.. وبتاجِ الشوكِ أفتخرُ
كادتْ زليخةُ لي منذُ انتبَهتُ إلى
فلٍّ من الماءِ فيها حفَّهُ شرَرُ
كذاكَ ما قتلَ الأيامَ من كمَدٍ
إلا النوابغُ من آلامهم سخروا
لولا تفاوتهم في العبقريَّةِ.. ما
مدَّ الظلالَ على التاريخِ محتَكرُ
عَلِقتَ قلبي جمالَ الخالدينَ فلا
يبُلُّ شوقَ صداكَ الوِردُ والصدَرُ
أكلَّما سرحت عيناكَ أعجبها
طيفُ الجمالِ ثناها السُهدُ والحسَرُ؟
خفَّ الربيعُ الطفوليُّ الذي اندثرَتْ
في طيِّهِ عبرُ الأشواقِ والذكَرُ
هل كنتُ في الحلَكِ اللجيِّ غيرَ سنا
فراشةٍ في لهيبِ الليلِ تستعرُ؟
*********
جواهريَّ المعانيَ والقوافيَ هل
تفرُّ للحبِّ من نارِ الردى دُرَرُ؟
لم تألُ جهدَكَ في الدوِّ العظيمِ ولم
تتركْ فلا الحبِّ حتَّى ردَّكَ السفَرُ
بقيا غضنفرَ ملءُ الغابِ هيبتُها
ويأخذُ الناسَ منها الخوفُ والحذَرُ
كنَّا الشجيراتَ في الغابِ الذي سكرتْ
فيهِ الأحاسيسُ حتَّى غمغمَ السحَرُ
كنَّا الشجيراتَ.. كنتَ الشمسَ ترضعنا
لبانَ نورٍ وأحلامٍ بهِ خدَرُ
كانَ الحنينُ الذي نحوي ونجمعهُ
والشوقُ كلَّ الذي نجني وندِّخرُ
عمري بلحظةِ حبٍّ لو تبادلني
عيناكِ.. في جنباتٍ مسَّها نهرُ
*********
هل شهرزادُكَ ما دارتْ على شفقٍ
إلا أصابكَ من أحزانها ضجرُ؟
فلمْ نكَرتَ من الدنيا ترفَّعها
ولم ذممتَ هواها.. والهوى قدَرُ؟
أنثى تعالت على قلبي ومنَّعها
عني الهوى والنوى والصدُّ والصَعَرُ
مثَّلتُ ما فاتَ كالأوهامِ صادقةً
منها فما خانني قلبٌ ولا بصرُ
ومن تكذِّبهُ عيناهُ إذْ نظرتْ
إليَّ... فالتربُ تبرٌ والحصى دُرَرُ
بل سأبقى صديَّاً جامحاً أبداً
وبينَ عينيَّ ماءُ السؤلِ ينهمرُ
هيهاتَ تُنقعُ غلَّاتُ النفوسِ إذا
كانت أواماً من الحرمانِ يستعرُ
هيهاتَ تفنى حبالُ القلبِ فهي ندى
نارنجةٍ في دمي.. يمتصُّهُ قمرُ.
***********
مجرَّةٌ راحَ يهفو حولَها قمرُ!!
بقلم : نمر سعدي ... 27.07.2013