حركة الشارع بعد الانتفاضات العربية والتي تحولت إلى حلم النضال المسلح وجدت متنفسا لها في تبني عدة قضايا مثل العروبة وفلسطين.
لكي نقترب من الجواب على هذا السؤال لا بد أن نتوقف عند طبيعة الحراك: هل كان ثورة أم مجرد انتفاضة؟ كل المعطيات والتحاليل تؤكد أن الأمر توقف عند حدود الانتفاضة ولم يتعدها إلى الثورة. الآن إذن لم يكن هذا الحراك ثورة بل انتفاضة، فضد من كانت هذه الانتفاضة؟ في نظري ولقد أكدت على هذا الأمر إبان الحراك; كانت حركة الشارع في سنة 2011 امتدادا لحركات شبابية عرفتها بلداننا بعيد الاستقلال بقليل، لكنها أجهضت بالعنف وتحولت إلى حلم النضال المسلح، كما أنها وجدت متنفسا لها في تبني قضايا من مثل العروبة وفلسطين. انتفاضات سنوات الستينات وانتفاضة العشرية الأولى من الألفية الثالثة لهما نفس المحركات وإن اختلفتا من حيث العرض السياسي والاجتماعي.
كان الأمر يتعلق بإزاحة نظام مجتمعي يؤسس للفكر والسياسة والاقتصاد والقيم الحياتية والفكرية ألا وهو النظام البطريركي العربي. كان شباب الستينات يواجهون الشيوخ -الذين استبدوا بالسلطة والجاه والمال بحجة كفاحهم من أجل الاستقلال- بالمعرفة والتمكن العلمي والتكنولوجي. وكان الشيوخ يتشبثون بالأصول وبالماضي ونجحوا في التوليف بين ما سموه الأصالة والمعاصرة.
الأصالة بمعنى الحفاظ على القيم القديمة السابقة على العهد الاستعماري الذي خلخل البنى المجتمعية وفكك إلى حد ما العلاقات الإقطاعية التي كانت تحكم الناس وتنتج القيم قبل التدخل الأجنبي. هناك من الأنظمة التي سطرت برنامجا لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وتركيز التقليدانية من جديد.
في هذا الإطار نشطت في المجتمعات العربية عدة «رؤوس مفكرة»، تنظر إلى مشاريع العودة والبحث عن المضيء في التراث. وذهب هذا لمنحى في التفكير إلى القول بالخصوصية في الديمقراطية في الفن وفي السياسة وفي الأدب بل حتى في العقل، إذ أصبح للعرب والمسلمين عقل جهوي خاص بهم كمنظماتهم (العربية والإسلامية). هذا الفكر هو الفكر البطريركي الذي تأقلم على حد قول هشام شرابي مع الحداثة وأخذ منها الوسائل دون الروح وحكم بالوسائل محافظا على نفسه مسنودا بما سمي بالفكر العربي المعاصر (الجابري، طيب تيزيني وتابعوهم). هذا الفكر هو الذي لم تمسسه الانتفاضة ونحن الآن إليه عائدون.
لن تتأسس ثقافة جديدة إذا لم تحدث قطيعة عنيفة ومؤلمة مع هذا الفكر. إن صعود الإسلاميين للحكم لم يكن مفاجئا لأن الانتفاضة لم تقتلع جذور التسلط الفكري والعقلي أولا. لقد حاول الشباب إبعاد الشيوخ عن ثورتهم لكنهم لم يفلحوا لأنهم لم يفكروا في ثورة القيم. هي الآن في الطريق لذا يمكن اعتبار الانتفاضة بداية لتحول سوف يطال المجتمع عندها سوف يمكن البحث عن تجلياته في الثقافة. هذا التحول هو ما يحدث في الشارع العربي وإن كان يتم بشكل محتشم. أي أن الشباب بدؤوا يبحثون عن منابر بديلة، وهجروا بذلك المؤسسات المتهالكة التي يحتكرها الشيوخ. هي مؤسسات ماتت لكنها كالكواكب التي انطفأت منذ آلاف السنين، ونحن نرى نورها فقط لأنه مازال في طريقه إلينا. المؤسسات والمنابر البديلة هي الساحات العامة، الواقعية منها والافتراضية.
بداية التحول !!
بقلم : موليم العروسي ... 16.12.2014