أحدث الأخبار
السبت 04 أيار/مايو 2024
«حريم» حمدي الجزار… رحلة البحث عن امرأة الخيال!!
بقلم : محمد عبد الرحيم ... 11.11.2014

القاهرة: أقامت ورشة الزيتون بالقاهرة ندوة لمناقشة رواية «الحريم» للروائي حمدي الجزار، وهي الرواية الثالثة للمؤلف بعد روايتيه «سحر أسود» و»لذات سِريَّة». وأدارت الندوة الناقدة منى طه، بمشاركة كل من الروائي محمد إبراهيم طه والقاص أسامة ريّان، إضافة إلى العديد من الحضور. يُذكر أن عملي الجزار السابقين تمت ترجمتهما إلى العديد من اللغات كالإنكليزية والفرنسية وغيرها.
الأحداث
تدور الأحداث حول الراوي (سيد فرج) أحد ساكني حي طولون الشعبي، الذي يحكي عن نساء صادفنه منذ كان طفلاً حتى سن الثلاثين، وقد تركن بصماتهن على حياته. تنقسم الرواية إلى عشرين فصلا، يحمل كل منه اسم المرأة التي يحكي عنها الراوي، ماعدا الفصل الأخير، الذي جاء من دون عنوان. ومن المُلاحَظ أن الراوي يحكي عن بعض النساء ممن لم يتعامل معهن فعلياً، بل تعامل معهن في خياله فحسب، إلا أن هذا لم يمنعه من الحكي عنهن، مُتخيلاً هذا التواصل، من دون أن يقع بالفعل، مثل شخصية (زهرة)، التي على الرغم من أنها لم تترك أثراً في حياته، إلا أنه يراها أجمل مَن وقعت عليها عيناه، وهي تقف من بعيد، في أحد المخابز، ورداؤها ما هو إلا أحد أجولة الدقيق، «آه لو تراني في فستان مُلَوَّن من الحرير»، هكذا يتخيّل الراوي علاقته بها. ورغم انفصال الفصول إلا أن اتصالها يأتي من خلال شخصية الراوي وتطور وعيه بكل ما هو أنثوي، بداية من طفولته وحتى وصوله إلى الثلاثين.
تحوّل الوعي بالرغبة
ومن الملاحظ أن الكاتب أفرد (8) فصول كاملة يتحدث فيها عن مرحلة الطفولة، ورؤيته المحدودة للغاية للجنس الآخر، التي تختلف تماماً مع فصول الرواية الأخيرة. فيتحدث في مرحلة الطفولة عن أحد بيوت الهوى، الذي تديره القوادة (أُنْسْ)، التي تم عَنوَنَة الفصل باسمها، يقول الراوي .. «لم يجُل بخاطري حقيقة ما يحدُث خلف هذه الأبواب المُغلقة»، أما حين يزور البيت نفسه وهو شاب يرى كل شيء كما هو، عدا وجود (أُنْسْ)، في المنزل، في حالة أقرب إلى الوعظ والإرشاد. ومن الأمثلة التي تُعبر عن مدى اختلاف نظرته الطفولية عن نظرته وهو شاب، حين يتحدث في الفصل المُعَنوَن بإسم (زبيدة)، فيقول.. «كُنتُ فَرِحاً بالربع جنيه، ومفتوناً بجمال زوزو، وأرقُص معها، مُمسِكاً خِصرها بقوة»، ثم حين يكبر ويرى ابنة «زبيدة»، يقول عنها.. «الصبية فتاة ناضجة الأنوثة، تشبه أمها منذ عشرين عاماً». أما ذروة الاختلاف في الرؤية فيقع حين يُعَنوِن أحد الفصول باسم أمه «بطه»، ثم يتحدث عنها مرة أخرى في أحد الفصول بعنوان «زوجة أبي»، ليرى أمه هذه المرة بعيون الشاب، لتختلف نظرته إليها تماماً، فطوال فصول الرواية يتحدث الراوي بضمير المُتكلم، في ما عدا هذا الفصل، حَيثُ يتحول فيه إلى ضَمير الغائِب، عندما يقرر أن يرى أمه كأُنثى، مثل مَن يَحكي عَنهُن، يَنفَصِل عَنها ويَصير غَريباً، كَما هي تُصبِح غَريبة عليه بدورها.
رحلة بحث عن المرأة
يرى الروائي إبراهيم طه، أن الكاتب قد قسَّم الرواية إلى أربع مراحل، الأولى هي مرحلة الطفولة، حيث يرى المرأة من منظور طفولي، يغيب عنه الجانب الحِسّي تماماً، والمرحلة الثانية هي مرحلة الصبا وأعتاب المراهقة، التي يبلغ فيها التنافر من الجنس الآخر أقصى مداه، ثم مرحلة المراهقة، حيث الهواجِس المُتخَيَّلة، والحب العُذري من طرف واحد، ويتجلى هذا في علاقته بـ (زهرة) فتاة المخبز، و(ريم) زميلته في المرحلة الثانوية، و(ابتسام) مُعيدة اللغة الإنكليزية لعامِهِ الجامعي الأول، حيث يبلغ التوهم ذروته، فيبادلهن الأحاديث والمشاعر، لكن في خياله فقط، ليبدو في هذه المرحلة أقرب ما يكون إلى التائه، حيث لم يجد أي خبرات سابقة، ليتكئ عليها في مرحلته هذه. أما المرحلة الرابعة والأخيرة، فهي مرحلة الشباب، حيث السعي لإقامة علاقة كاملة مع الجنس الآخر، فيتعرف إلى (رانيا)، الفتاة التي تمثل نموذج المرأة المُتحررة، ذات الخبرات الحياتية المتعددة، لعملها في المجال الفندقي، وتتجلى في شخصيتها البراغماتية الشديدة، حيث تعمل على استغلال الراوي، فتأخذ منه المحاضرات، مقابل هدايا بسيطة، أو دعوة لأحد الأماكن راقية المستوى، أو قبلة صغيرة ليس أكثر، لذلك حين يرفع لها الراوي قميص النوم الذي ترتديه وهي جالسة معه ــ كمُقابِل أيضاً ــ تُنهي علاقتها معه بمنتهى الصرامة والحدة، فلقد تجاوز الحدود التي رسمتها له.
علاقات غير مُكتملة
ويستكمل إبراهيم طه ملاحظاته حول علاقات الراوي غير المُكتَمِلة طوال الرواية، مما يورثه شعوراً بعدم الراحة، ينعكس على تفكيره وتصرفاته طوال الوقت، فنجده يفشل في علاقة جنسية مع (أرزاق)، فتاة الدعارة التي تسكن البيت نفسه الذي دخله طِفلاً، كمُساعِد لأبيه (الإستورجي)، كما يصطدم الراوي باختلاف مفهوم الصداقة وفق موروثه الثقافي والثقافات الأخرى، وذلك حين يتعامل مع كل من (ساها) الفتاة اليابانيَّة، و(ماري) الأمريكية، فالأولى تعتبر رغبته في زيارتها بمنزلها تجاوزاً لا يُغتفر، فقطعت علاقتها به تماماً. أما الفتاة الأمريكية، فتحكم في تصرفاته معها موروثه الثقافي، خاصة السينمائي، فـ»ماري» مثلها مثل الكثيرين من الأجانب تتعلم الرقص الشرقي، وحين رقصت له خُيِّل إليه أن كل الأمور مُتاحة، ليصطدم برد فعلها شديد الحِدَّة. وأخيراً يترك الكاتب الفصل الأخير من دون عنوان، وكأنه في انتظار المرأة التي سيُعنون الفصل باسمها حين يعثر عليها ويلتقيها.
بيئة الفقر والجهل
أشار القاص أسامة ريَّان إلى أن بطل الرواية يحيا في بيئة يمتزج فيها الفقر بالجهل، مما يُسبب الكثير من التشوه الإنساني، وأن الكاتب اختار أن يتحدث عن النساء ليمرر تجاربه في هذه البيئة، كما أنه في الوقت نفسه تعرض للعديد من الثقافات المُختلفة والمتباينة، من الشعبية إلى الغربية حتى الشرقية، وكذلك تعرض للفارق الشاسع بين فئات المجتمع. ومن منطلق البيئة يأتي اختيار العنوان «الحريم»، بكل ما تحمله الكلمة من دلالات في العقل الجمعي للرجل، فالكلمة لها قدر وافر من الغموض التاريخي، والتحريم في بعض الأحيان، كما أنها توحي بالتلصص، مما يلفت نظر القارئ الى أنه مقدم على قراءة نص سيتعرض لكل ما سبق من دلالات، ولو بنسب مختلفة. لكن من المُلاحَظ أن الراوي يحكي تجاربه الطفولية بوعيه الناضج، اللهم إلاّ في مرّات قليلة جداً، وكان من الأصح والأفضل أن يكون الوعي الطفولي هو المُسَيطِر على كل تجارب الطفولة، طوال الفصول الثمانية الأولى، وغياب هذا قد أدى الى عدم تغير أصوات الراوي طوال النص، ليقارب السرد من الصوت الواحد عبر فصول الرواية العشرين.
متوالية قصصية
ويرى إبراهيم طه أن البناء الروائي يقوم على بناء القصة القصيرة، فتصبح الرواية بمثابة متوالية قصصية، يربطها خيط واحد وهو الراوي نفسه، والحالة التي يعيشها وتتطور معه، ففصول الرواية حكايات منفصلة مُتصلة، حتى أن الشخصية لا تظهر مطلقاً في فصل يخالف الفصل الخاص بها، فتنتهي كل شخصية مع انتهاء الفصل الخاص بها، ولقد سبق بالفعل نشر بعض فصول الرواية كقصص قصيرة، قبل صدور الرواية بفترة ليست قصيرة.
مشكلة الإيقاع
ويرى إبراهيم طه في النهاية مأخذين على الرواية، أولهما استغراق الكاتب الشديد في كتابة تفاصيل مرحلة الطفولة، لتحتل (8) فصول كاملة من فصول الرواية العشرين، فلم يكن الراوي مُهَيَّأ بيولوجياً للتعرف على الأنثى، حيث يلعب الجانب البيولوجي دوراً كبيراً في هذه الحالة. كما أن الكاتب وقع في فخ المط والتطويل الشديدين، لتُصبح الرتابة هي المُسيطرة على فصول الطفولة، التي تقترن ببطء الإيقاع والتكرار، مما أحدث حالة من الترهل الواضحة في هذا الجزء، بخلاف ما بعدها، وكان أجدَر بالكاتِب أن يبدأ الرواية بالفصول ذات الشخصيات الثرية درامياً، الشخصيات التي لديها من الخِبرات ما يَجعَلَها مُتَحَرِّكة، شخصيات مثل ساها وماري ورانيا، والتعرض لمرحلة الطفولة خلال فصول الرواية كومضات سريعة، تساعد على تقوية الرابط بين الفصول المنفصلة، والعودة بسرعة إلى ما يحكيه في هذا الفصل من الرواية، خاصةً أن مُعظَم علاقاته في فترة الطفولة غير مؤثرة.

1