يوم كان العمر متأنقا في الطفولة.. قال عنها الجميع ان (عقلها اكبر من عمرها). في البيت كانت الأم فخورة بابنتها الجميلة العاقلة التي لاتميل الى اللعب مع الأطفال قدر ميلها الى الهدوء واعمال المنزل والقراءة في اوقات الفراغ..وفي المدرسة ..كانت المعلمات يمتدحن ذكاءها ، هدوءها، و كمال عقلها..تفوقت في كل شيء ، الا في شيء واحد،هو التآلف مع اقرانها .. كانت تشعر انها اكبر من احاديث صديقاتها الطفولية حول (افلام الكارتون) واللعب ، ولذا لم تكن تعرف كيف تعقد صداقاتها ، وتكتفي بإحتضان لعبتها التي ترافقها الى فراشها .
وعندما مضى العمر الى واحة الشباب ،اجتذبت انظار كل من حولها ..الأهل، الأقارب، المدرسات، وشباب المنطقة. كانت متميزة في كل شيء الا في شيء واحد ،هو التواصل مع صديقة او صديقات تعيش معهن مرحلة المراهقة التي تكون الفتاة فيها بأشد الحاجة الى الصديقات، والمشكلة إن احاديث الفتيات لم تكن تعنيها، لم تشغلها الموضة او اغنيات الشباب. وعندما طرق الحب وحشة بابها للمرة الأولى، احبت بوعي ونضوج..وكان كل من حولها يرى ان(عقلها اكبر من عمرها)، ولذا تهافت الخطاب عليها .. ووجدت نفسها تدخل عالم النساء من دون ادراك لطفولتها التي سقطت سهوا.. لم يبد عالم النساء غريبا عليها ،فقد كبرت منذ زمن بعيد ، تعلمت كيف تعتني بالآخرين ..كيف تحمل الهم وتفتح صدرها لهموم الآخرين..كيف تضحي وتكون اما حتى قبل ان تنجب ..وكان كل من حولها يقول ان عقلها اكبر من تجاربها في الحياة.. ومع ذلك كانت تشعر بالبلادة امام النسوة اللائي يخضن في كل التفاصيل الصغيرة ، وبما ان عقلها كان (كبيرا)، لم تكن تفهم الا الأمور الكبيرة ..وكان العيش وسط معشر النساء التي اصبحت واحدة منهن يمثل لها معضلة كبيرة ، لم تشغلها مشكلات فلانة مع حماتها ، أو آخر فستان اشترته ( س) او كمية المصوغات الذهبية التي تملكها ص ..لم تستطع يوما مجاراتهن في الحديث حول آخر الأفلام والمسلسلات العربية ..أو طبق اليوم الذي اعده (الشيف رمزي) ..لأن عالمها كان محصورا بين كتبها واطفالها الذين حرصت على ان يعيشوا طفولتهم بكل تفاصيلها.
ومع ان زوجها كان قد اختارها لتميزها وكمال عقلها (كما يصفونها) ،فقد كان فخورا بكونها زوجة مثالية في كل شيء ..الا في شيء واحد ،انها لاتشبه بقية النساء ..فطالما أرهقه عقلها الكبير . وغالبا مايرى ان افكارها غريبة على عالم النساء ..فهو ككل رجل يحتاج الى امرأة ..امرأة فقط وليس الى( مفكر) ..وفي كل مرة كانت تصطدم بهذه الحقيقة ..كانت تدرك ان عقلها الكبير كان عبئا عليها وانها لم تجن منه الا .. الغربة.
غربة!!
بقلم : بشرى الهلالي ... 18.03.2014