أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41058
صحافة : نيويورك تايمز: آثار الحرب الأمريكية تعصف بأفغانستان وتجبر العائلات على الهجرة القاسية!!
06.01.2023

يروي هذا المقال في صحيفة نيويورك تايمز حكايات عائلات أفغانية تدفعها الظروف الصعبة إلى اختيار الهجرة مجددا من قراها ومدنها وبلداتها. ويقول كاتب المقال جميل جان كوشاي وهو أمريكي من أصل أفغاني: توجهت أنا وعائلتي إلى كابول في سبتمبر الماضي، بعد 13 شهرا من استيلاء طالبان على السلطة، حيث كان العديد من أقاربنا على وشك الفرار من المدينة حيث كنا نأمل أن نراهم قبل أن يفترقوا.
ويتابع: اصطحبني عمي فؤاد وابن عمي حشمت من ساحة انتظار السيارات في المطار بعدما أصبحت الحالة المزرية للاقتصاد واضحة بمجرد دخولنا المدينة. فقد هرعت مجموعات من الأطفال نحو سيارتنا، وهم يتسولون المال أو الطعام لأن الفقر في كابول ما زال شديدا منذ عقود. ونادراً ما وصلت المليارات التي تدفقت على البلاد خلال الاحتلال الأمريكي إلى الفقراء الأفغان، حيث نما التفاوت في الدخل على مر السنين. ومع ذلك، لم أشهد مثل هذا اليأس الوحشي في الشوارع على الأقل في كابول. لقد كان الأطفال ينتظرون في المخابز للحصول على رغيف واحد من الخبز. وكانت هناك أسواق مؤقتة مليئة بالعائلات اليائسة والفقيرة، يبيعون الأثاث والملابس الخاصة بهم.
وينقل الكاتب عن عمه فؤاد وابن عمه حشمت شعورهما بالحسرة على انهيار الاقتصاد، متسائلين لماذا أبرمت الولايات المتحدة الأمريكية صفقة مع طالبان فقط لمعاقبة الأفغان كل يوم بعقوبات اقتصادية قاسية. قال حشمت ضاحكا: “اعتدنا أن نقول “احرمونا من الخبز ولكن أعطونا السلام”، ولكن الآن بعد أن حصلنا على السلام، أدركنا أننا بحاجة إلى الخبز أيضا”.
ويضيف الكاتب: لقد مرت أربع سنوات على زيارتي الأخيرة لأفغانستان، وقد تغير الكثير. كان لدي مئة سؤال حول العقوبات الأمريكية، والقتال في بنجشير، والقيود المفروضة على المرأة، ومستقبل البلاد. ويروي الكاتب كيف شعر أفراد عائلته في كابول باليأس بعدما استمرت التفجيرات الانتحارية في التشويه والقتل في المدن. وكان الأطفال يموتون من سوء التغذية في المستشفيات التي تعاني من نقص التمويل.
****أصبحت الحياة لا تطاق، فهناك القليل من العمل، وارتفعت أسعار الغذاء والغاز والسلع اليومية بشكل كبير، ويعاني الريف من الفيضانات أو الجفاف
ويضيف: لقد أغلقت حركة طالبان المدارس الثانوية للفتيات – على الرغم من انتقاد علماء المسلمين في جميع أنحاء أفغانستان للقرار – وشعرت العديد من قريباتي الشابات باليأس بشأن مستقبلهن. انتهى الاحتلال، لكن آثار الحرب الأمريكية الطويلة ما زالت تعصف بالبلاد. وبالنسبة للعديد من الأفغان، أصبحت الحياة لا تطاق، فهناك القليل من العمل، وارتفعت أسعار الغذاء والغاز والسلع اليومية بشكل كبير، ويعاني الريف من الفيضانات أو الجفاف جراء الآثار الجانبية للاحتباس الحراري الذي تتسبب به الدول الصناعية الكبيرة، وتواصل الجماعات التابعة لما يسمى بالدولة الإسلامية شن هجمات على المجتمعات الضعيفة. على الرغم من أن العديد من الأفغان يختارون الكفاح لمواجهة هذه المحن المذهلة، إلا أن آخرين أجبروا على الفرار. ويذكر الكاتب أنه بعد مرور أكثر من 40 عاما منذ غزو السوفيت أفغانستان في عام 1979، ومقتل ما يصل إلى مليوني أفغاني، فإنه وحتى يومنا هذا، يبدو أن الشعب الأفغاني محكوم عليه بالنزوح الدائم. حرب بعد حرب، وغزو بعد غزو، وما زال الأفغان يطلبون اللجوء.
ويعطي الكاتب بعض النماذج فيتحدث عن فؤاد الذي يحلم بالهروب من أفغانستان، لكونه عاطلاً عن العمل لسنوات، وكان يخطط للهجرة إلى البرازيل، حيث سيبدأ رحلة شاقة عبر أمريكا الجنوبية والوسطى للوصول في النهاية إلى الولايات المتحدة. حاله تشبه حال الكثيرين إذ أظهر تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنه تم طرد أكثر من ستة ملايين أفغاني من بلادهم بسبب الصراع والعنف والفقر.
وتم إقفال الطرق القانونية المؤدية إلى دول أكثر أمانا مثل الولايات المتحدة مع استمرار المجتمع الدولي في عزل وفك الارتباط بحكومة طالبان.
وبات يشعر العديد من الأفغان، بأنهم مضطرون لاتخاذ مسارات خطرة عبر غابات أمريكا الجنوبية أو غابات أوروبا الشرقية أو الممرات المائية القاتلة.
ويتحدث الكاتب عن واقع بنات عمته الأربع وخوفهن على فقدان فرصة التعلم في أفغانستان، فالبنت الكبرى، البالغة من العمر 14 عاما، لم تعد قادرة على حضور فصولها الدراسية لأن حركة طالبان منعت الفتيات من الالتحاق بالمدرسة الثانوية، وحظرت على النساء الأفغانيات دخول مؤسسات التعليم العالي أيضا.
ويسهب الكاتب في وصف حال أقاربه وما ألحقت بهم الحروب من دمار في قرية عائلته لوغار حيث جال به ابن عمه حشمت في الأنحاء وروى قصصا عن الحرب. ويضيف: شعرت بالسريالية أن أعود إلى قرية عائلتي بعد سنوات عديدة. في المرة الأخيرة التي زرت فيها لوغار عام 2017، كانت معارك إطلاق النار والتفجيرات مستمرة للغاية، ولم يكن لدي سوى بضع دقائق لزيارة قبور أقاربي. كان سوق القرية المحلي وجميع الطرق فارغة بشكل مخيف. لكن حشمت أكد لي أن السلام عاد إلى لوغار مرة أخرى. كانت الطرق والسوق مكتظة، وفي كل مكان كنت أسير فيه التقيت بأقارب وأصدقاء قدامى. وكان حشمت سعيدا بالسلام الهش في لوغار لأنه وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، عاش وطأة الاحتلال الأمريكي، وصعوبة تجنب الرصاص في الحقول، وتجنب الجثث على الطرق، وكل ذلك بينما كان يحاول استرضاء القوات الحكومية الأفغانية التي تطارد قريته.
وقد شوه الرصاص منزله وألحق أضرارا جسيمة به على يد قوات الكوماندوز الأفغانية. واجه مضايقات عند نقاط التفتيش وتعرض مرة واحدة للضرب المبرح من قبل رجال الميليشيات. اعتاد على مشاهدة السماء متسائلاً عما إذا كانت قنبلة أمريكية قد تسقط على رأسه. لكن الآن، يمكنه المشي في حقوله مرة أخرى. لقد توقفت المعارك المستمرة. لم يعد يخشى نقل المنتجات من لوغار إلى كابول، وهي رحلة كانت في يوم من الأيام رغبة في الموت.
وبينما بدا حشمت متفائلاً بحذر بشأن حالة بلاده، كان شقيقه الأكبر نديم مصمماً على عدم العودة. لقد فر من أفغانستان في عام 2020، فيما تذكره العائلة على أنه ذروة أعمال العنف في لوغار، وكان يعيش (بشقاء) في إسطنبول منذ ذلك الحين حيث كان يعمل طوال اليوم في مصنع ثم يقضي أمسياته محبوسا في شقة صغيرة مع العديد من اللاجئين الأفغان الآخرين. كانت الشرطة التركية تستهدف الأفغان لترحيلهم وكان نديم يخطط لتهريب نفسه إلى أوروبا مرة أخرى، وفي المرة الأخيرة التي قام فيها نديم بالمحاولة، تم القبض عليه على الحدود البلغارية من قبل ضباط الشرطة الأتراك فضربوه بوحشية وعذبوه وسرقوا ممتلكاته.
في غضون أيام قليلة، كان ينوي أن يسلك طريقا جديدا مع مهرب جديد، وأكد لعائلته أنه سينتقل إليه، ولم تكن والدته على يقين من ذلك فلقد عاشت حياتها كلها تقريبا في لوغار، ونجت من احتلالين، و3 حروب، وانهيار ست حكومات مختلفة. ومع ذلك، لم تستطع تخيل مغادرة لوغار. قالت: “أريد ابني فقط في المنزل، إنه المكان الذي ينتمي إليه”.
ويواصل الكاتب وصف حال أقاربه حيث سعت عمته وزوجها للهجرة إلى إنكلترا بعدما تلقيا مؤخرا أخبارا سارة من برنامج المساعدة وإعادة التوطين للأفغان في بريطانيا، بينما كان عمه فؤاد في طريقه إلى إيران، وكان قريبه الآخر نديم يعبر الحدود التركية، والثالث ينتظر مكالمة من باكستان. ويختم بالقول: تنتشر عائلة أمي في جميع أنحاء العالم، وتنتظر تأشيرات الدخول ومواعيد المحاكمة والمهربين. إنهم يسافرون عبر الغابات ويسرعون عبر الحدود في محاولة يائسة للهروب من العنف والفقر اللذين تولدهما نفس البلدان التي يأملون أن تقبلهم للهجرة إليها. وفي الوقت الحالي، تجلس أمي بجوار هاتفها وتصلي من أجل وصولهم.