أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41058
صحافة : ميدل إيست آي: لماذا توجه الدولة الألمانية عنصريتها نحو الفلسطينيين الآن؟!
26.11.2022

تحت عنوان لماذا توجه الدولة الألمانية عنصريتها نحو الفلسطينيين الآن؟ نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مقالًا للكاتب جوناثان كوك تحدث فيه عن عنصرية الدولة الألمانية التي أصبحت الآن موجهة بشكل متزايد نحو الفلسطينيين، وذلك من خلال تكميم الأفواه المناصرة للقضية الفلسطينية تحت حجة معاداة السامية.
وشدد الكاتب على أن قرار مجتمع الفنون الألماني إلغاء جائزة مرموقة مدى الحياة للكاتبة المسرحية البريطانية كاريل تشرشل بسبب دعمها القوي للفلسطينيين يسلط الضوء على العنصرية الأوروبية الحديثة. وأكد أن من المفارقات أن الهولوكوست أصبح بمثابة ذريعة للأوروبيين لافتراض أنهم متفوقون أخلاقياً على الآخرين.
وجُردت تشرشل من جائزة الدراما الأوروبية في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، وقد أيدت القرار بيترا أولشوفسكي، وزيرة الفنون في ولاية بادن فورتمبيرغ، قائلة إن الدولة تتخذ موقفًا واضحًا وغير قابل للتفاوض ضد أي شكل من أشكال معاداة السامية.
وقالت لجنة التحكيم، إن مشكلتين لفتتا انتباههم منذ منحهم الجائزة لها، أولاهما دعم تشرشل لحركة مقاطعة إسرائيل؛ إذ صنف أغلبية البرلمان الألماني دعم هذه الحركة على أنه “معاد للسامية”. والثاني هو مسرحية قصيرة بعنوان سبعة أطفال يهود كُتبت قبل 13 عامًا في أعقاب القصف الإسرائيلي الوحشي للفلسطينيين المحاصرين في غزة في شتاء 2008-2009؛ حيث قالت هيئة اللجنة الألمانية في بيان إن المسرحية “يمكن اعتبارها معادية للسامية”.
وشدد الكاتب على أنه عكس الثقافة الأوروبية التي تحول الفلسطينيين إلى ظلال غير مرئية، تضع المسرحية المعاناة في غزة في سياقها من خلال سلسلة من المونولوغات يكافح فيها كل جيل من الآباء اليهود لتحديد الحقائق التي عليهم إخبارها لأطفالهم وما يجب إخفاؤها، سواء بشأن ما عاشوه من أهوال في أوروبا أو الجرائم التي ينطوي عليها إنشاء إسرائيل وقصف غزة.
وتلمّح المسرحية إلى حقائق غير مريحة وكيف يمكن للمظلوم أن يتحول إلى ظالم، وأن الصدمات لا تشفى بالضرورة، وأن آثارها يمكن أن تكون معقدة ومتناقضة.
النخب الألمانية فشلت في استيعاب الدرس الرئيسي للهولوكوست
وأوضح الكاتب أن أحد الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من إلغاء جائزة كاريل تشرشل هو أن النخب الألمانية فشلت بشكل واضح في استيعاب الدرس الرئيسي للهولوكوست. ومن المسلمات أنه يجب ألا نتسامح أبدًا مع شيطنة الفئات المضطهدة والمهمشة والمتضامنين معها، خاصةً عندما تكون الدولة نفسها وراء هذه الشيطنة، لأن هذه هي الطريقة التي تؤدي إلى المذابح.
وتساءل: إذًا كيف تحوّل دعم حركة مقاطعة إسرائيل المناصرة للقضية الفلسطينية إلى عنصرية ضد اليهود؟
وأكد الكاتب على أن هذا الفشل لا تتفرد به ألمانيا بالطبع، فمعظم الدول الغربية وأولها الولايات المتحدة، خلطت طواعية بين انتقاد إسرائيل بسبب قمعها للفلسطينيين ومعاداة السامية، وسعت إلى إسكات وتجريم الدعوات لمعاقبة إسرائيل بالمقاطعة. لكن المفارقة المثيرة للدهشة بالنظر إلى الجهود الهائلة التي بذلتها ألمانيا على مدى عقود للتوعية بالهولوكوست، من أجل القضاء على قابلية الألمان للتأثر بالعنصرية التي ترعاها الدولة، هي كيف انتقلوا بسهولة شديدة من معاداة السامية إلى العنصرية ضد الفلسطينيين؟
لكن الأمر الأكثر تناقضًا، حسب الكاتب، هو أن ألمانيا لم تؤذِ الفلسطينيين ومؤيديهم فقط بقمعها لحركة المقاطعة، بل تؤذي اليهود أيضًا لأنها تعاملهم على أنهم مسؤولون بطبيعتهم عن أفعال إسرائيل – التي لا تمثل جميع اليهود كما لا تمثل السعودية جميع المسلمين.
وأشار الكاتب إلى أن تأييد السامية المتفاخَر بها في ألمانيا هي ببساطة معاداة معلقة للسامية، فإذا كان يُنظر إلى اليهود على أنهم مرتبطون مباشرة بإسرائيل، فإن مصيرهم يعتمد على موقف الألمان تجاه إسرائيل في أي لحظة معينة، أي أنه إذا انقلب الموقف الغربي تجاه إسرائيل، فلن يكون اليهود في مأمن.
في المقابل، ما يدعو إليه الغالبية العظمى من الفلسطينيين وأنصارهم هو أن إسرائيل و”اليهود” ليسوا نفس الشيء، وأن انتقاد إسرائيل ليس انتقادًا لليهود، والذين يزعمون ذلك يلعبون بالنار لأنهم يوفرون الظروف لتحويل أصدقاء اليوم إلى معذبين غدًا.
روائح الفاشية تفوح
وتساءل الكاتب كيف وصلت ألمانيا إلى النقطة التي تلغي فيها جائزة لكاتبة مسرحية مشهورة لأنها تدعم حق الفلسطينيين في الحرية والكرامة، وكيف أصبحت ألمانيا، وبدون تفكير، عنصرية تجاه الفلسطينيين ومؤيديهم، ومرة أخرى تجاه اليهود؟
وأكد على أن هناك سياقًا أوسع لإعادة ألمانيا استخدام عنصريتها عن طريق النخب نفسها التي انجذبت مرة إلى وجهة نظر عالمية ألقت باللوم على اليهود في تخريب “الحضارة الآرية”، وتنجذب الآن إلى نظرة عالمية تلوم المسلمين – بما في ذلك الفلسطينيون – لتخريب الحضارة الأوروبية.
ويعتقد الكاتب أن هذه النظرة الأحادية جذابة لأنها تنحي التعقيد وتقدم حلولاً بسيطة تقلب العالم، وتضع الظالم والنخب الغربية في صف الخير وأولئك الذين يضطهدونهم إلى جانب الشر، وهي نفس النظرة التي دفعت ألمانيا في القرن الماضي نحو أهوال معسكرات الموت.
ويؤكد على أن نفس العنصرية التي غذت الهولوكوست لا يجب أن تؤدي بالتحديد إلى إبادة جماعية أخرى، لكن هذه الجريمة الكبرى لها مشابهات تبدو أقل بشاعة مثل الإقصاء والشيطنة، وكلها بمثابة مقدمة لجرائم أسوأ.
ويشير إلى أنه في عصرنا الذي يفترض أنه أكثر استنارة، ما زال الدافع المعنوي يقسم العالم إلى معسكرات الخير والشر، وإلى المواطنين الأوروبيين “البيض” مقابل الغزاة المسلمين والعرب، وبنفس المنطق يضع مؤيدي إسرائيل ضد “معادي السامية”.
وأوضح الكاتب أن ما يحدث ليس من قبيل الصدفة، ذلك أن إسرائيل ساعدت في زرع هذا الانقسام بينما استغله أنصارها بشكل كبير، وقدمت إسرائيل القصة البديلة للنخب الغربية لتدبير مواجهة حضارية مفترضة بين الغرب والشرق، وبين العالم اليهودي المسيحي والعالم الإسلامي، بين الإنسانية والهمجية، وبين الخير والشر. وهذه الحكاية الأخلاقية، التي تتناقض مع المحرقة التي كانت بمثابة مقدمة لها، كُتبت لطمأنة الجماهير الغربية على إحسان قادتهم. ومن خلال ندمها، طهرت ألمانيا – مركز الإبادة الجماعية لليهود – نفسها وبقية أوروبا من خطاياها.
جريمة الهولوكوست هي بمثابة ذريعة
وعلى العكس من ذلك، فإن جريمة الهولوكوست هي بمثابة ذريعة لأوروبا المستنيرة. ومن المفترض أن دعم إسرائيل دون انتقادها هو دليل على أن أوروبا اليوم متفوقة أخلاقياً على جنوب عالمي يُدين فيه الكثيرون إسرائيل.
وذكر الكاتب أنه خلال تأسيس “إسرائيل”، وفقًا لهذه الحكاية الأخلاقية، لم ترسخ أوروبا عنصريتها من خلال نقل ضحاياها إلى منطقة أخرى وتحويلهم إلى معذبين للسكان الأصليين. بل بالعكس، فتحت صفحة جديدة وكفّرت عن ذنوبها. ومثلما خدم “اليهود” ذات مرة هذا الغرض من خلال مقارنة العرق الآري مع العرق اليهودي الذي يُفترض أنه منحط، يتم الآن تقديم العالم الإسلامي على أنه نقيض الحضارة الأوروبية البيضاء المتقدمة.
حسب الكاتب، هذه القصة، رغم كونها تبدو سخيفة، لها وزن كبير خارج ألمانيا أيضًا. ولا يحتاج المرء إلا أن يتذكر أنه منذ وقت قصير جدًا كان الزعيم السياسي البريطاني جيريمي كوربين على مرمى البصر من السلطة قبل أن يتم كبحه عن طريق تشويه سمعته بمعاداة السامية.
وأكد أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة أن وسائل الإعلام الليبرالية في بريطانيا، مثل صحيفة الغارديان، استثمرت بقوة مثل بقية وسائل الإعلام في تقويض كوربين واليسار المناهض للعنصرية والإمبريالية.
ونقلت الغارديان عن دومينيك كوك، المدير المساعد في المسرح الوطني، الذي يدافع عن مسرحية تشرشل “سبعة أطفال يهود”، وقوله إن “الغضب المصطنع حول مسرحية كاريل يهدف إلى صرف الانتباه عن هذه الحقيقة (عدد القتلى الفلسطينيين الكبير الذي تسبب فيه قصف إسرائيل لغزة في سنة 2009) وإخافة منتقدي إسرائيل المحتملين وإسكاتهم”.
ويرى الكاتب أن كوك على حق لكن “الغضب المصطنع” الموجه إلى تشرشل هو بالضبط نفس الغضب المصطنع الذي تم توجيهه إلى كوربين لتحويل الانتباه عن معارضة زعيم حزب العمال السابق لقمع إسرائيل للفلسطينيين وإخافة الفلسطينيين.
ويشير إلى أن الكفاح من أجل الدفاع عن الفلسطينيين ثقافيًا وفنيًا أصبح الآن إلى حد كبير قضية خاسرة. من يستطيع أن يتخيل مسرحية “سبعة أطفال يهود” يتم إنتاجها في مسرح ويست إند كما كان الحال قبل 13 عامًا؟
العالم الثقافي أكثر ترددًا وخوفًا في تناول حقائق المعاناة الفلسطينية
وأشار الكاتب إلى أن العالم الثقافي أكثر ترددًا وخوفًا في استكشاف وتمثيل حقائق المعاناة الفلسطينية، ومن المفارقات أنه حتى هذه الحقائق أصبحت مفهومة بشكل أفضل من أي وقت مضى بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف أن السبب الآخر لتلقي تشرشل هذا النوع من الدعم الذي لم يتلقه كوربين هو أن سحب جائزتها هو في الحقيقة مناوشة على هامش المعركة لإسماع صوت القمع الذي يتعرض له الفلسطينيون. والدفاع عن كاتبة مسرحية محترمة وكبيرة في السن من اتهامها بمعاداة السامية بسبب مسرحية تم محوها بسرعة من الذاكرة لا يتكبد أي تكلفة حقيقية.
وذكر الكاتب أنه لو كان كوربين قادرًا على تشكيل حكومة، وكان في وضع يسمح له بتحدي تواطؤ أوروبا في جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين، لكان قد واجه مقاومة وحشية أكثر مما تحمله كزعيم لحزب العمال. كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى المجازفة بفضح الحكاية الأخلاقية التي شجع الأوروبيون على سردها عن أنفسهم باعتبارها أسطورة. وكان من الممكن أن يخاطر بتسليط الضوء على سخافة حجة الهولوكوست فيما يتعلق بالتفوق الأخلاقي الأوروبي.
وختم الكاتب مقاله بقوله إنه تم تجريد كاريل تشرشل من جائزتها لأن العنصرية التي ترعاها الدولة لا تزال تكمن في قلب المشروع الأوروبي. ولم يتم تطهير العنصرية في أوروبا ولم تختفِ بذور الفاشية. إنها ببساطة تحتاج إلى وقت وهدف جديدين حتى تزدهر مرة أخرى.