بقلم : د. عامر الهزيّل ... 3.8.06
تعتبر المقاومة الهادفة من انجع الأساليب لاستنهاض الأمة على كل شرائحها واهمها شريحة الوسط التي تشكل العمود الفقري وماتور الحراك الاجتماعي والسياسي لعامة الناس رصيد الزلزال اذا ما تفجر. حقيقة تخوف منها موشي دايان بقوله ان قوة المقاومة الفلسطينية لا تكمن في فوهة بندقيتها وانما على قدرتها استنهاض وحدة الأمة العربية والاسلامية كفعل مقاوم سند لها. كلام شاركه فيه الرئيس الأمريكي نيكسون في حينه حينما قال: تضع المقاومة الفلسطينية الأنظمة العربية, معنوياً وسياسياً, تحت ضغط هائل لدعم نضالها الوطني, الأمر الذي يدفع بالأنظمة الحليفه لاتخاذ مواقف متشددة من اسرائيل. كيف لا وهي المهدده من خطر انتشار التنظيمات السرية, على حد تعبير نيكسون. تم هذا في مرحلة اشتكى فيها كسنجر من وضع لا تستطيع فيه امريكا تنفيذ برامجها بسبب تأثير جمال عبد الناصر والمقاومة الفلسطينية مؤكداً انه قبل حل هذه المشكلة لا يمكن أن يكون سلام على الطريقة الأمريكية في المنطقة.
عند تصفية المقاومة في الأردن وموت عبد الناصر بعد ذلك باسابيع, شخص كسنجر المرحلة على انها مفصل تحول اقنع العرب ان الحل والربط في يد امريكا, وعلية اتبعت امريكا واسرائيل استراتيجية الخطوة خطوة لنزع فتيل الصراع. تم ذلك دون المساس في فهم اسرائيل لوجودية الصراع الذي كان اساس كل اتفاق مع العرب. مع هذا حرصت الدبلوماسية الأمريكية على الحيادية النسبية لعدم احراج حلفائها في المنطقة ليتسنى لها ولهم عبور جسر تلك المرحلة. وهنا يجب ان نعترف ان ما زرعته امريكا في اوائل السبعينات حصدته على دفاعات بتنسيق عالي بين فوهة المدفع ولسان وقلم الدبلوماسية السياسية من جهة, والخراب الأجتماعي الذي استهدف بالأساس تحييد وتهميش وأفساد الدور القيادي للطبقة الوسطى,من جهة اخرى.
الحرب السادسه على لبنان اليوم,والهجوم على غزة, هي محطة مفصلية كتلك المحطة من القرن الماضي مع فرق واحد كبير ان هناك كانت امريكا ومعها اسرائيل والأنظمة العربية الحليفة عاجزه عن تنفيذ مخططها وتتقنع بالعدل والتوازن, واليوم يعتقد هذا التحالف انه في المراحل النهائية للنصر وما تبقى في المنطقة هي جيوب من المقاومة يجب القضاء عليها دون ان تشعر كوندليسا رايس بأي حرج في ان تقول في مؤتمر روما الأخير: "نحن لا نستطيع الرجوع الى الوضع الذي ساد قبل نشوب هذه الحرب." ونحن هنا تقال على الملأ ولا يتحرج النظام السعودي, المصري, الاردني وغيرهم من انظمة التبعية في ان يكون تابعاً لنحن مع اسرائيل وامريكا والغرب لذبح المقاومة حتى ولو كان بثمن "قانا" الدم والأشلاء وفتنة الأمة بفتاوي امريكية على لسان بعض شيوخ البلاط.
مع هذا لكل ازمة جوانبها الإجابية وقد تشكل رافعة للنهوض من وسط الركام والاشلاء, بشرط توفر قيادة استخلصت الدروس والعبر لتدير الصراع بمستوى تحدي الأعداء واحلام الأمة. المقاومة اللبنانية ومعها الشعب اللبناني البطل تعتبر نقلة نوعية كبيره على مسار تراكم تجربة المقاومة العربية نقلتها من موقع حصر المكان الى نموذج الرد الفاعل والصحيح على الهزيمة. ولأنها قارعة الطبل لاستنهاض الأمة وسنداً للمقاومة الفلسطينية الملتزمة مطلوب رأسها ليجز معه رأس القضية برمتها ومعها نهوض الأمة.
ان اتباع عقلية فصل المسارات بين المقاومة اللبنانية , الفلسطينية والعراقية, من حيث يعلمون او لا يعلمون, ما زالوا هناك على باخرة سلام الاستسلام التي يقودها القبطان الأمريكي-الاسرائيلي ليصلوا الى شاطئ نصرهم وميناء هزيمة العرب. يتم هذا دون الالتفات الى ما قاله عمر موسى "ضحكوا علينا" وتجربة الحرب السادسة ونموذج المقاومة اللبنانية وقيادتها التي تمثل, بأعتراف الأعداء قبل الاصدقاء, شخصية اخرى بعيدة عن النمطية المنفعله على مستوى الخطاب والفعل. حقيقة اذهلة اسرائيل وجيشها الذي لا يقهر مما دفع قيادته الى القول:"في معركة بنت جبيل وضعنا اصبعنا في طبيخ يغلي دون أن نعرف." وكان ذهولهم اعظم حينما فهموا كم كانت المقاومة اللبنانية جاهزة للحرب الإعلامية بتحصين قناة المنار التي كانت احد اهداف القصف الأسرائيلي المكثف. الأمر الذي دفع عكيبا الدر من جريدة هأرتس الاسرائيلية الى القول: "تنتهي الحرب كيفما تنتنهي فلقد سجلت نفسها كأنتصار في التوثيق والذاكرة العربية. ففي الوقت التي تغطي شوارع اسرائيل لافتات سننتصر, يسجل العدو حزب الله انتصاره. لأول مره منذ حرب الاستقلال, يختبئ ملايين الاسرائليين في الملاجئ والكثير منهم يتذوق مرارة اللجوء. ستة ايام كانت كافية لاسرائيل لهزيمة جيوش مصر, سوريا والأردن. منذ ثلاثة اسابيع لا يستطيع الجيش الاسرائيلي, المسلح جيدا والأكبر باضعاف, هزيمة المليشيا اللبنانية."(هأرتس 31.7.2006). وبنبرة تهكمية يقول تسبي برال في نفس العدد من الصحيفه:
رايس على حق لا نستطيع العودة الى وضع ما قبل الحرب, لأن هذه الحرب تلد اجيالها القادمة وتسجل نفسها في نفس المدرسة التي تعلمت فيها حرب العراق وافغانستان حيث كانت بدايتها محاولة الخبطة على الرأس. وينظم اليهم دانيال بن سيمون ليؤكد خطورة الهوة بين توقع المجتمع الاسرائيلي من جيشه لسحق حزب الله كما وعدت قيادتهم المغروره في بداية الحرب, وبين موقف الحكومة اليوم الذي يحاول اقناع الرأي العام اليهودي بأن هدف الحرب ابعاد حزب الله الى 6 كيلومتر عن الحدود. نهاية كهذه للحرب, على حد تعبير بن سيمون, قد تكون سبب لخيبة أمل وغضب الكثير لأنهم توقعوا من جيشهم تغيير ظروف حياتهم الى الأفضل. وهذا بالضبط ما يقوله حسن نصر الله, وبحق, ان اكبر خسارة لأسرائيل هي بداية انهيار معنويات وهيبة جيشها, الأمر الذي يفسر وصف شمعون بيرتس لهذه الحرب بانها مسألة حياة او موت لأسرائيل. والعبرة الكبرى فيما قاله احد ضباط الاحتياط من وحدات النخبه لوزير الدفاع الاسرائيلي: " نرجوا من قيادة الجيش استعمالنا بشكل عاقل. شاهدنا الصور من معركة بنت جبيل ونعرف تماماً قدرتنا القتالية, رجاء منكم لا تقحمونا في مغامرة لسنا بمستوى تحدياتها." (هارتس 3.8.06)
ولأن الوضع الأسرائيلي هكذ لا عجب اذا ما استمرت اسرائيل بدعم امريكي وغربي سافر في سلوك الوحش الجريح الذي يدرك اكثر من غيره خطورة ما اصابة على المدى الاستراتيجي اذا ما استنهضت المقاومة الأمة واخذ العرب بنهج المقاومة اللبنانية كنموذج. خاصة ان هنالك اجماع اسرائيلي مفاده اذا لم تنجح الحرب البرية في تحقيق الأهداف ستنتهي الحرب بوضع تعادل, وهذه هزيمة مدوية لأسرائيل بحسب اقوالهم.
واذا ما تم هذا او لم يتم فان اشلاء ودموع الشعب اللبناني سطرة الملحمة عاراً على جبين الأنظمة ومعهم نحن ملايين احبة المقاومة نتكدس كجيف أمام قنوات الفضاء, نبكيك بيروت ثم ندين لطغاتنا بالولاء, نبكي قتلاك ونلعن الخونة وبوش سواء, ثم نرقد كالبهائم في انتظار مذبحة ظمأ الصحراء ... معذرة انكسر مع قلمي امامك يا بيروت حياء.