أحدث الأخبار
الجمعة 27 كانون أول/ديسمبر 2024
حبيبي أسيل لا تتأخّر فالطعام جاهز!!

بقلم : جميلة عاصلة * ... 5.5.2006

في ذكرى ميلاد أسيل
الأزهار تذبل. الحكايات تُنسى. الأحباء يرحلون. ولا تبقى إلا الذكريات. ذات يوم. وذات تشرين كان هناك حبيب عزيز يمشي في أزقة الحياة. ينعم بحضن دافئ آملا بملامسة الفرح، فانقضّ عليه اعداء الحياة. نعم أعداء الحياة.
في تشرين ذاك وقعنا في قبضة الحياة وفي مهبّ القدر. وها قد مرّت خمس سنوات ونيّف ونحن نتأمل في احذية من رحلوا. هؤلاء الشهداء الأحبّاء الذين انتعلوا أحذيتهم دون أن يدري الواحد منهم أن يخونه حذاءه. ولن يستطيع أن يكمل مشوار الحياة. ولقد سألت نفسي أكثر من مرّة لم يا ترى قد اختار أسيل ذلك الحذاء دون غيره لرحلته الأخيرة تلك؟ وهل ترك حذاءه الآخر في زاوية غرفته لمناسبة أجمل؟ رحلة قصيرة بحذاء جميل هذه حكاية أسيل وحكاية كل شهيد. الحكاية التي لن تهترئ فوراء الوراء حنين وصمت صارخ ما بين تشرين وتشرين.
وما بين أيّار وأيّار الأشياء فقدت لونها وطعمها والأيّام أضاعت مدلولها والسنة أمست فصلا واحدًا فها هو الربيع قد قدم لكنه ليس ربيعي. إنه ربيع الصخور والغابات والأشجار والسناجب.
فالفصول الأربعة تأتي الأرض والأشجار، وتمر علي الحيوانات أما أنا فقد مرّ علي الخريف ودام طويلا ولم يفارقني وها أنا أجد نفسي أجترّ عمرًا عقيمًا، أحاول التمرد لأتحدى عقم الأمور.
أبحر في كل شيء كي أحطم جدار العجز والاستسلام.
أيّار يغادرني وأيار يأتيني وأيامي ما زالت شاحبة. فلا أنا قادرة على الاستسلام ولا هذا القدر قادرٌ على فهمي.
فيا أيها الأسيل العزيز على القلب والذاكرة. أعذرني حبيبي في هذا اليوم الذي يجسد ولادتك ومجيئك إلى هذا العالم الظالم.
نعم أعذرني حبيبي. إنني لا استطيع أن أرفع دعوى على الحياة.
ها هو السادس من أيار هذه السنة قد أطل علينا خجلا أكثر مما مضى. فلقد استيقظت هذا اليوم باكرًا فذابت فرحة استقبال الصباح في فنجان القهوة. فلم أشرب من القهوة إلا لونها. وبدا هذا النهار بدون نهار لأن خطوات كل فجر في حياتنا تاهت منذ خمس سنوات. وها انا تائهة أيضًا في درب المعاناة، أبحث عن العدالة الهاربة فكلما اقتربنا منها ازدادت بعدًا عنا. فلا رفيق لي في هذا الدرب سوى سيّدي الألم حيث آنسني أمس وجلس بجانبي يواسيني بقوله: سأكون رفيقك في كل لحظة. سأنتظره في كل مكان وزمان.
فمن الأفضل أن تألفيني.
وهكذا جاء العيد وكان موعدًا مع الأصحاب ولم تبتسم السماء. جاء العيد في عرس الربيع ولا يحمل وردة أو برعمًا أو شمعة. وبكى الربيع في حديقة البيت خلف شباكك حيث لا أمام ولا وراء للحياة.
أما قلت لك يا أسيل لا تتأخّر فالطعام جاهز. فصحنك الفارغ على الطاولة ما زال ينتظرك. وساعتك الجدارية يتيمة لأن الزمن قد توقف في ذلك اليوم. يوم أطلقوا عليك الرصاص قاصدين محو اسمك من سجل الحياة.
فيا عزيزي أسيل، لا تسألني عن شيء فأنا لا احتمل الأسئلة لأن القلب لا يسأل لماذا ينبض ولا الطائر لماذا ينشد والشلال لماذا يتدفق والمطر لماذا يهطل.
ففي ذكرى ميلادك اليوم تصير الابتسامة ذكرى وتنهيد والراحة تصير طموحًا وكل حركة تصير ذات مدلول.
هكذا أتاني أيّار وهكذا سيأتي آخر. أما أنا فسأظل هنا أنبشس جدران غرفتك أفتش عن ابتسامتك الرقيقة. وأحاول سماع صوتك من خلف الزمن المنطفئ.

عرابة * أم الشهيد أسيل عاصلة