بقلم : د.مصلح كناعنه ... 20.7.06
"زُوجي سالم، الله يرحمه، كان راعي من صفورية بْحَدّ الناصرة. وكان عندُه شَلعة معزى كبيرة. لما اليهود احتلوا صفورية وخرّبوا البلد سنة الثمانية وأربعين، أخذ سالم شلعة المعزى وصار يدُور فيها بالجليل، لَحدّ ما وصل على الرينه تحت الناصرة. وهناك تعرَّف على أبوي، وبعد سنة تقريباّ تجوَّزنا. وظلّينا عايشين في الرينه لسنة الأربعة وستـّين. في هاي ال 16 سنة كان سالم كل سنة في الربيع يسوق شلعة المعزى قُـدّامُه ويمِـد على أرضه بصفورية، ولما يوصَل لهناك ييجوا اليهود يِحـوُوه. وكانت الأرض حوالين الرينه تقل، ويقل معها المرعى، وفي سنة الأربعة وستين كنا يا دوب نلاقي محل نْرَعّي السخول فيه. سالم وصْلَـتْ حَدّها معه. أخذ الشَّـلعة على صفورية، ولما أجوا اليهود يحْووه حط اجْريـه في البَـلاط ورفض يِطلَع. بَتس لمّا شاف الجيش بِلـم المعزى وبِـدُّه يصادرها، سَحَب حاله ورجع. بعدين تركنا الرينه وانتقلنا لمنطقة النعامين جَنْـب عكا. لحَـد هذاك الوقت كانت مصانع حيفا بعدها مش واصلِة النعامين. كانت بعدها منطقة وسيعَة كثير ومفتوحة، وأراضيها بور والعشب مغطيها. وكان فيها مَي كثير لأن النعامين بجري فيها باتجاه بحر عكا. كان هناك رعيان من المنطقة، بَس المرعى كان يكفي الجميع. بقينا ساكنين أربع سنين في برّاكيـة من تَـنَـكْ. كنا سَبع تِنْـفار، وكان عنا من 250 لـ 300 عنزة. في شـتويّـة الثمانية وستّـين فاض النعامين وغرَّق المنطقة كلها وحوّلها لمستنقع كبير. ومات لنا معزى وسخول كثير، بَس ما كان في محل ثاني ننتقل عليه، فظلّيـنا هناك على أمل إنُّ تتحسَّـن الأمور في الموسم الجاي. بَس الدولة قررت إنُّ تستغل الفرصة وتِطلعـنا من المنطقة. أجوا واعطونا إنذار إنُّ نترك المنطقة خلال أسبوعين، بَس إحنا رفضنا. إحنا الصحيح ما أخذنا الإنذار بجديّـة. فكَّـرنا إنهم يتركونا بحالنا لأنهم كانوا يعرفوا إنّ ما عنا محل ثاني ننتقل عليه. بَس كنا غلطانين. أجا الجيش وهَـد البرّاكيـة وقتل المعزى، وصار يطُـخ فوق روسنا. تركنا المنطقة ومشينا للشرق باتجاه صفورية. كان زوجي ناوي يجرّب مرّة ثانية يرجع على أرضه. وفي الطريق وَقفـنا مع المعزى بجنب الجْدَيدة، وصار سالم يروح كل يوم يفحص الوضع في صفورية، لحَـدّ ما اقتنع إنُّ الوضع ميئوس منه. فقررنا نظَـل في الجدَيْـدة ونستَنّى رحمة ألله. بَس ما راحت كم يوم وإلا البوليس جاي يؤمرنا ننقـل البرّاكية لأنه قالْ كنا قاعدين على أرض الدولة. وطول السنة ظلينا نُـنقُل هالبراكية من قسيمة للثانية حوالي البلد، والبوليس ييجي ويؤمرنا ننقلها لأنها في أملاك الدولة. كانت هاي سـنة، ألله لا يفرجيك ايّاها. طبعاً إحنا ما كان إلنا أرض في الجديدة، ولا كان عنا إمكانية نشتري أرض من أهل البلد. فحاولنا نستأجر قسيمة من الدولة، بَس قالولنا مستحيل، إلا إذا بدّلنا أرضنا بصفورية بأرض من أملاك الغائبين اللي استولت عليها الدولة في الجديدة. سالم طبعا رفض العرض، لأنه ما تخلّى عن أمله في إنه يرجع على صفورية، حتى لآخر يوم في حياته. في النهاية راح سالم يشوف القاضي حْبيشي في عكا ويطلب منه يستعمل نفوذه في دوائر الحكومة حتى توافق دائرة أراضي الدولة تأجّرنا قسيمة في الجديدة. هذا كان قبل كم يوم من انتخابات البلدية في عكا، إللي كان مرشَّح فيها القاضي حبيشي. بعد كم يوم بعث حبيشي وَرا سالم، وفي دار حبيشي في عكا كان ينتظره حبيشي وخواجا يهودي من دائرة أراضي الدولة. الخواجا اليهودي وعد سالم إنُّ يأجره قسيمة في الجديدة لمدة خمسين سنة بشرط إنّ سالم يتعهد إنُّ كل الأصوات اللي في العيلة تروح لحبيشي في الانتخابات <كانت العائلة حتى ذلك الوقت مسجلة في عكا ولها حق الاقتراع لبلدية عكا>. وافق سالم على الصفقة، ولما سألتُه كيف بوافق على عمل من هالنوع، قال: "إنتِ استَني وشوفي. أنا بعرف كيف أتعامل مع هاي الناس." في يوم الانتخابات أخذنا سالم على عكا، وهناك رُحنا عند حبيشي وفرْجيناه قَدّيـش كنا مبسوطين نصَوِّتله، وما تركناه إلا لما اتأكد سالم إنُّ الزّلمة صدقنا واقتنع إنّ إحنا وَفينا اللي علينا في الصفقة. بعدها تركنا حبيشي في داره ورحنا على سور عكا. وحنا متخَبيين في قـرنة فوق السور، لَمّ سالم منا اوراق التصويت لحبيشي وحرقها، ووَزّع علينا اوراق التصويت للحزب الشيوعي وطلب منا نخَبّيها مليح في صدورنا وما نطلعها إلا لما نحطها في صندوق الانتخابات، ونَبّه علينا ما نقبل اوراق تصويت ثانية من أي حد، وما نقول لحد عن هالموضوع أبداً. وهيك صوتنا للحزب الشيوعي. بَس حبيشي بَلعها، ولحد اليوم بيآمن إنا صوتناله، وفعلاً ساعدنا نحصل على هاي القسيمة من دائرة أراضي الدولة. اليوم أرضنا في صفورية مصادرة، والأرض هاي اللي ساكنين عليها في الجديدة ما هي ملكنا. بَتأمل وبستدعي لله إنّ يصير إشي قبل ما يمروا الخمسين سنة، وإلا راح نحتاج نلعب نفس اللعبة مرّة ثانية."