أحدث الأخبار
الأحد 29 كانون أول/ديسمبر 2024
اسرائيل وسياسة التهجير القسري والتنكيل بعرب النقب!!

بقلم : د. شكري الهزَّيل ... 19.5.07

يبدو أن عرب النقب يقفون على مفترق طرق تاريخي يتجلى في استمرارية الدولة الإسرائيلية في مُخططاتها الهادفة إلى الاستيلاء على كل شيء يمت بصلة للوجود العربي في النقب سواءً على مستوى سلب المكان والأرض أو سلخ العرب عن هويتهم التاريخية والحضارية أو قمع العرب اقتصادياً وسياسياً أو توطين العرب في مشاريع توطينية ذات سمة فاشلة في شكلها التخطيطي من جهة وكارثية في واقعها الاجتماعي والاقتصادي السيء الذي يعيشه سكان مدن التجمعات العربية في النقب من جهة ثانية، وبالتالي يبدو أن كارِثية الواقع العربي في النقب جزء لا يتجزأ من استراتيجية الكارثة المبرمجة والمقصودة بسبق إصرار إسرائيلي على حصر العرب بين مطرقة التهجير والتوطين القسري وبين سندان التخلف الاجتماعي والاقتصادي كنتيجة حتمية لسياسة الدولة، ناهيك عن إن لم يكن هذا الواقع الحاصل هدف بحد ذاته سعت وتسعى إسرائيل إلى تحقيقه وفرضه على عرب النقب.
لم تكلف الدولة الإسرائيلية نفسها جهداً بالشكل والمضمون في اتجاه تطوير حياة البدو والحفاظ على حقوقهم كأصحاب حق تاريخي بالعيش في ديارهم وباختيار طريقة حياتهم الاجتماعية والاقتصادية لا بل على عكس هذا كان وما زال الجهد الإسرائيلي منصب على اقتلاع عرب النقب من جذورهم وإلقائهم في متاهات سياسة المخططات الإسرائيلية والأساليب التي تتأرجح بين عصا التهجير والتوطين والتنكيل المباشر وغير المباشر, وجزرة الترغيب وشراء ذمة بعض الجاهلين وأصحاب النفوس الضعيفة من بين العرب في النقب الذين ساوموا على وجودهم التاريخي من خلال مقايضة الأرض والديار مقابل التناغم والانضمام مجانياً إلى مشاريع التوطين بمثابة طُعم في صنارة سياسة التوطين وكعينة تجلب العرب الآخرين إلى حيث تشاء السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى الزج بأكثر عدد ممكن من عرب النقب إلى داخل مدن التوطين والهلاك التاريخي والحضاري والاقتصادي الحاصل كواقع في جميع مدن وقرى التوطين القسري.
ما جرى ويجري من مخططات توطين إسرائيلية وآخرها ما يسمى ب خطة وزير الاسكان الاسرائيلي شطريت اللذي يطرح فيها خطه اجتثاثيه تدميريه عنصريه بهدف "تجميع "القرى غير المعترف بها" في النقب وتوطينهم قسريا خلال خمسة سنوات [ من تاريخ 2007] وقد سبق هذه الخطه طبعا مشروع التوطين القسري منذ السبعينات من القرن الماضي والذي اجبرت من خلاله اسرائيل اكثر من نصف عدد عرب النقب[يبلغ كامل عدد عرب النقب اليوم مايقارب ال180000 نسمه] على السكن في تجمعات توطين اقامتها اسرائيل خصيصا لبدو النقب,, وخطة وزير الاسكان الاسرائيلي الجديده تعني في واقع الأمر ليس الاستيلاء على ما تبقى من أرض عربية في النقب فحسب لا بل ربط مصير سكان هذه القرى بمخالب خطط التوطين الهادفة إلى الفتك والتنكيل بما تبقى من معالم الديار والوجود العربي في النقب, وإغراق العرب اجتماعياً وحضارياً وتاريخياً في طيات أخطبوط مُخططات إسرائيل الإحلالية والتي تعني طرد العرب من جهة وفرض واقع جديد من خلال إنشاء المستوطنات اليهودية وإحلالها مكان تواجد القرى العربية كأمر واقع من جهة ثانية وبالتالي تحويل العرب إلى مُجرد حالة إنسانية عامة تقبع في ملف خاص وتُعالج في أُطر مدن التوطين ومُشتقاتها من مُصطلحات "التطوير" اللتي يحلو لإسرائيل إطلاقها على مدن التوطين القسري والتنكيل الاجتماعي والاقتصادي التي يقطنها العرب في النقب.
لم تأخذ في يوم من الأيام المُخططات الإسرائيلية نحو عرب النقب برأي هؤلاء أو تُعر حالة العرب أي اهتمام، تماماً كما هو الحال في ما ُسمى قبل عدة اعوام بالخطة السداسية وخطة شيطريت 2007 التي تستهدف محو وجود القرى غير المعترف بها, ورغم أن المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها يحاول انتزاع اعتراف الدوله الاسرائيليه بهذه القرى التاريخيه و طرح المجلس سابقا خرائط هيكليه مفصلة لتطوير 45 قرية عربية في النقب, ِإلا أن الدولة الإسرائيلية لم تُعر خطة المجلس الاقليمي أيّ اهتمام وتُحاول دوماً الالتفاف على دور المجلس الإقليمي من خلال محاولة الالتفاف على هذا المجلس وغيره من مؤسسات تدافع عن حقوق عرب النقب وحق القرى غير المُعترف بها بالوجود والحياة الكريمة خارج أُطر مدن التركيز والتوطين التي خططتها إسرائيل والتي كانت وما زالت (مدن التوطين) عبارة عن مشاريع فاشلة وجائرة كادت أن تكون موضوعياً وعملياً عبارة عن غابة من الحجارة مليئة بالمآسي والمرارة الانسانية والاجتماعية والاقتصادية التي هي السمة المرادفة والحاصلة في مدن التوطين التي تصر إسرائيل على تسميتها بمدن "التطوير" وتزمع على إقامة المزيد منها ومن غابات الحجارة.!!
تكمن مفارقة "التطوير" من خلال التوطين في دُنيا الواقع العربي في النقب وعجائب المقلوب في سياسة إسرائيل نحو عرب النقب, وبالتالي يبدو جلياً أن التطوير من وجهة نظر إسرائيل يعني أولا تقوية دورالدوريات "الخضراء" (وكأنّ قوتها القمعية الراهنة لا تكفي!!) حتى تتمكن هذه الدوريات من مطاردة البدو وحصرهم في المحميات "الطبيعية" البشرية التي أقامتها الدولة لهذا الغرض وعندما لم لم تكفي الدوريات "الخضراء" لمشاريع "التطوير" !؟اقامت اسرائيل وحدة شرطة خاصة تهتم بأمر المخالفين البدو "للتطوير" والرافضين الدخول إلى المحميات البشرية ويفضلون العيش في براريهم ووديارهم ومسقط رأس أجدادهم!!. والان جاءت خطة شيطريت و"متروبولوين" بئر السبع وتهديد شيطريت المباشر باستعمال القوه لطرد البدو من ديارهُم اذا رفضوا اوامر الترحيل الاسرائيليه!!
يبدو لي أننا أمام موجات من "التطوير" بالمقلوب على طريقة هدم العامر وبناء صرح جديد للتهويد الصهيوني والتهجير وأشكال جديدة من التنكيل الاجتماعي والانساني بكل ما هو قائم أو شبه قائم من حياة عرب النقب التي تمثل فيه الأرض المنهوبة والمُرشحة للنهب جوهر البقاء والانتساب بالنسبة لعرب النقب وفي المقابل تشكل هذه الأرض المصلوبة على مذبح "التطوير" الإسرائيلي تَطويراً آخر لأشكال السيطرة على الأرض والإنسان والمكان في زمن ضاعت أزمانه ومعانيه في سجلات الظلم والاضطهاد الصهيوني!!.