أحدث الأخبار
الأحد 29 كانون أول/ديسمبر 2024
أنا فلسطيني..لا أنا بوليس.!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 29.11.07

هاتان الكلمتان دلالة هويّة، وانتماء، وحمل مسؤوليّة، وليستا للمباهاة، والادعّاء، والانكفاء على إقليميّة ممروضة، فأنا فلسطيني تعني في الجوهر: أنا إنسان لي وطن أنتسب إليه: فلسطين.
أنا فلسطيني: عهد على التشبّث بفلسطين، وتوريث هذا الانتماء للآتين جيلاً بعد جيل.
أنا فلسطيني: وطني فلسطين التي لا وطن لي غيرها، منذ كنعان الأوّل وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
هي فلسطين منذ كانت، وفلسطين سوف تبقى، وكّل عرض مرضي: احتلال، تمزيق، تبديل في ملامح قشرة الأرض، اقتلاع أشجار وتسحير حقول، تجفيف ينابيع، بعثرة شعب ورميه مزقا، سيفشل لسبب لأن شعب فلسطين يردد في كّل آن، ليل نهار،سرّا وعلنا، همسا وصراخا، وجعا معلنا، ومعاناة لا ترى، انتفاضات، ثورات، مقاومة: أنا فلسطيني.
أنا فلسطيني، يعني أنا لا أقبل بأي وطن بديلاً لوطني، أو الانتماء لشعب غير شعبي، أو أمّة غير أمتي أمتي، أو لغة غير لغتي.
إن رحّلتموني إلى البرازيل، أو كندا، أو الدول الاسكندنافيّة، أو واق الواق.. أو تركتموني على الحدود في مخيمات لا تليق بالحيوانات بحسب تقارير الهيئات الدوليّة يا أخوة العروبة المزيّفة، سأبقى الفلسطيني!
أنتم تنتمون إلى أنا بوليس وزمنها الراهن، وأنا تضرب جذوري في أعماق أرض هي الأقدس، والأطهر، المكتنزة حضاريّا، وثقافيّا، وإنسانيّا، فهنا ومن فم الكنعاني انبثقت اللغة وأبجديتها، وهنا تجلّت الرسالات واكتسبت أمميتها، وكونيتها، وعولميتها.
هنا أرض فلسطين العربيّة، التي لا ينوب عن شعبها،ولا يمثّله إلاّ من يتقدّم صفوفه في الميدان، ويضحّي بكّل ما يملك لتحريرها.
ولذا فكّل واحد منكم يرضى أن يكون ( أنا بوليس)، لا هو عربي، ولا هو مسلم، ولا صلة له بفلسطين حتى لو ولد لأبوين فلسطينيين، ففلسطين انتماء وافتداء.
من صرّح أمام الصحفيين بأن المملكة كانت مترددة حتى يوم اتخاذ القرار بالمشاركة، لأن المملكة لم تكن يوما إلاّ مع العمل الجماعي العربي! نسأله: لماذا كنتم مع تمزيق القرار العربي عندما اجتمعتم وغطّيتم الحرب العدوانيّة الأمريكيّة على العراق، ولم تنتظروا بعض الوقت لتشكّلوا رأيا جماعيّا يفرض حلاّ عربيّا بخروج القوّات العراقيّة من الكويت، واتخذتم قراركم في مبنى الجامعة العربيّة بصوتي الصومال و..جيبوتي؟!
كل ذاهب لأنا بوليس، صدع لأمر بوش، وهاجسه الحكم، فطاعة بوش وأمريكا، واسترضاء الكيان الصهيوني، هما ضمانة الحكم والكرسي. كان هذا في زمن بوش الأب، وها هو يتواصل في زمن الإبن، و وهو خياركم الذي لا خيار لكم إلاّه.
لا، لستم ذاهبين صونا لحقوق الفلسطيني، فالفلسطيني وطنه فلسطين، وهو يعرف أنكم اتخذتم قرارا جماعيّا بكسر الحصار على ( السلطة) في مقّر ( الجامعة) و..لم يجرؤ أحد منكم على مد يّد العون للفلسطينيين المحاصرين، فانكسرتم أنتم وقراركم الذي لحستموه جماعة وفرادى.
ولآن وضعكم مخز، ومضحك، فإن تصريحاتكم عن أنكم لن (تصافحوا )، هي تدليس لا يمّر، فلا يحتاج واحكم لأربعة شهود على ما يحدث! فالعالم كلّه شاهد على الضعف، والتخاذل، والخذلان، والانضواء تحت جناح أمريكا بوش الابن.
أنتم ذاهبون جماعة ليس لأن الموت مع الجماعة رحمة، ولا لأن الجماعة قوّة، ولكن لأنكم ضعفاء أفرادا وجماعة، ولأن التطبيع مع الكيان الصهيوني، والخنوع لبوش الضعيف،المثقل بالهزائم، الذي ما زال مع إدارته يعدّون لحروب جديدة لعلّها تنقذ مشروعهم العدواني الجهنمي، هو خياركم الوحيد الذي ارتضيتموه بديلاً لشعوب عربيّة قهرتموها، وأضعفتموها، وأذللتموها،وأفقرتموها، فبّتم تخافونها، وتحذرونها، ولا تطمئنون لما تضمره لكم!.
أنا بوليس!
لن يأتي بالعدل للفلسطينيين، فهو مؤتمر اقترحه أكثر رؤساء أمريكا وإدارته تصهينا و..عداءً للعرب والمسلمين.
المهرولون الرسميون العرب لم ينصروا فلسطين، وتركوا شعبها للحصار، والموت، والعدوان الصهيوني المتواصل، فمن يصدّق كلام المتباكين وقد فضحتهم الوقائع والتجارب؟!
يموت الفلسطيني محروما من حبّة الدواء، وهم يتفرّجون، في حين تتكدّس مليارات عائدات النفط أرقاما في بنوك أمريكا، لأنهم فقراء في الانتماء لا في الثروات!.
ينقسم مشروع السلطة إلى سلطتين، وهم يتفرّجون، بل يفركون أيديهم بسعادة، لأن المسؤولية تقع على الفلسطينيين، وتبرئهم من دمهم، وضياع قضيتهم، ثمّ يتنادون إلى اجتماع يأخذ قرارا بالمشاركة في أنا بوليس، ولكّل منهم أنا بوليسه في ذلك السوق الذي تمدد فيه فلسطين على مائدة البيع!
ولأن دود الخّل منه وفيه، فإن دود الخراب هو من داخلنا، وهذا الدود المفسد لن يتغيّر فقد تشكّل وتكوّن وتغيّر تماما، فجيناته لم تعد تنتسب لفلسطين وشعبها.
يتلطّى جماعة أوسلو بالإجماع العربي الرسمي، ويندفع الإجماع الرسمي مهتبلاً الفرصة، ليظفر بالحظوة والرضا، ومن أنا بوليس سيعود من أدمنوا التفاوض إلينا بوعد مواصلة التفاوض...
من ينظّرون لجمع السلاح، ويأمرون بمطاردة المسلحين، وتجريم المقاومة، ومن ظهروا فجأةً في حياتنا فإذا بهم ينصّبون في غفلة قادةً متحكمين، أصحاب قرار، يتحالفون مع ( دود) زمن أوسلو، ويعملون بضراوة للتخلّص من المقاومين سلاحا، وثقافةً، وحضورا، فيسرّحونهم، ويلاحقون من يعاند منهم تصفية المقاومة، تمهيدا لما بعد أنابوليس...
أين في تاريخ الثورات تلاحق قيادات( شعب) المقاومين، وتجرّدهم من سلاحهم، والأرض محتلّة، والشعب محاصر؟!
ولأن الأسئلة تستدعي مزيدا من الأسئلة: ألم تكن أحداث غزّة، والانقسامات، والاقتتال، غطاءً ومبررا لجماعة أوسلو،والقرار الجماعي العربي للحّج جماعة إلى أنابوليس؟
لقد تجاسر أعداء شعبنا علينا منذ أوسلو، ومع استشراء الانقسام، فأخذوا يطالبون المفاوضين الضعفاء بالاعتراف بيهوديّة الكيان الصهيوني، ليس فقط لإلغاء حّق العودة، ولكن لتبرير تهجير أهلنا الصامدين في أرضنا الفلسطينيّة المحتلّة عام 48!..انظروا أين وصل حال مسيرة السلام الفلسطيني و( العربي) بالرعاية الأمريكيّة!
أليس من أطلقوا الرصاص على مسيرة إحياء ذكرى رحيل ياسر عرفات في غزّة، كالذين يطاردون المقاومين، ويمنعون التظاهرات المحتجّة على ( أنا بوليس) في الضفّة؟!.
وهل هذان الطرفان سيحققان الوحدة الوطنيّة التي تعيدنا أقوياء مهابين؟!
ليس للفلسطيني سوى أن يتخلّص من كل أسباب الضعف الداخلي، لافظا من يمزّقون وحدته، ويتوّهونه عن طريق فلسطين، لتصير أنا فلسطيني أنا شعب بكامله، فتتجدد روح المقاومة، وتندلع شرارتها من جديد، لتشعل نارا لا تخمد، ينبعث منها شرق جديد درّته فلسطن...
أنا فلسطيني، بهذا الانتماء أقاوم، وأنتمي، وأصمد، وأتجاوز، وأنشد كما أيام كنت فدائيّا أمتطي الريح وأمتشق الكلاشن: اسمي، همّي، عنواني: عربي فلسطيني..