بقلم : ... 21.11.2014
يمثل غياب الإصلاحات الاقتصادية الملائمة عامل دفع لمعضلة التشغيل في تونس والتي كانت سببا رئيسيا لاندلاع قلاقل سياسية، ولم تنجح الدولة بعد مرور سنوات أربع على قيام الثورة في وضع نموذج يستوعب آلاف الوافدين سنويا إلى سوق الشغل.تضم تونس اليوم وفقا لإحصائيات رسمية أكثر من 600 ألف عاطل عن العمل، بينهم نحو 240 ألفا من خريجي مؤسسات التعليم العالي. ويتطعم هذا الرقم المفزع سنويا بنحو 60 ألف خريج جديد من الجامعات التونسية، يعثر عدد ضئيل منهم على فرص عمل تتناسب مع تخصصاتهم الدراسية.ويضطر آلاف الشباب إلى اللجوء إلى صنوف مختلفة من المهن وخاصة منها اليدوية. ولا تزال البطالة في تونس عند مستويات مرتفعة، رغم أنها كانت من بين الأسباب الرئيسية للثورة التي أطاحت في 14 يناير 2011 بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.ويبلغ المعدل العام للبطالة في تونس اليوم 15 بالمئة مقابل أكثر من 13 بالمئة في 2010 وفق الإحصائيات الرسمية.وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، تراجعت معدلات النمو الاقتصادي في تونس جراء ما شهدته البلاد من اضطرابات أمنية واجتماعية وأيضا بسبب تواصل حالة الركود الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس، ما فاقم من معدلات البطالة وخصوصا بين خريجي الجامعات.ويعتقد أن “الدولة” هي “المسؤولة” عن بطالة الخريجين لأنها “لم تتحسب (للأمر) منذ عشرات السنين” للارتفاع المتواصل في أعدادهم.وتخصص تونس سنويا نحو 20 بالمئة من موازنتها وحوالي 7 بالمائة من ناتجها الإجمالي المحلي للتعليم بمختلف مراحله، لتكون بذلك من بين دول المنطقة الأكثر إنفاقا على التعليم.ويوصف خريجو الجامعات في تخصصات مثل الجغرافيا والعلوم الإنسانية واللغة العربية بأنهم “الأصعب إدماجا في سوق الشغل”. وأمام “عجز” القطاع الخاص عن توفير فرص عمل لحاملي شهادات التعليم العالي، أصبح القطاع العام “المصدر الوحيد لتوظيف الخريجين” في تونس بحسب تقرير أصدره البنك الدولي في مايو الماضي.وأرجع جون لوك برناسكوني الخبير الاقتصادي الرئيسي بمكتب البنك الدولي في تونس أسباب هذا “العجز″ بالأساس إلى “عدم تلاؤم” تأهيل خريجي الجامعات مع فرص العمل المتوفرة بسوق الشغل و”ضعف القيمة المضافة” للأنشطة الاقتصادية في تونس و”انغلاق” الاقتصاد التونسي وضعف تنافسيته بسبب “الحمائية” التي تمارسها الدولة.وقال الخبير “هناك مشكلة في عدم التلاؤم بين مؤهلات خريجي الجامعات وعروض الشغل المتوفرة”.وأشار من ناحية أخرى إلى محدودية عروض العمل في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية التي تحتاج عمالة مؤهلة علميا وتقنيا، ومن ناحية أخرى إلى “تشكّي شركات من نقص المهارات” اللازمة في القطاعات المذكورة.وشدد على أنه يتعين على تونس “إصلاح أنظمة التعليم والتدريب المهني” لتوفير المهارات اللازمة للقطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية القادرة على توظيف الخريجين.وفي هذا السياق، قال محمد شوشان الذي يدير شركة لإنتاج وتطوير التطبيقات الرقمية “بالنسبة إلى شركتنا، لم يكن خلق القيمة المضافة أمرا سهلا إذ تعيّن علينا تكوين المهندسين بأنفسنا حتى أصبحوا قادرين على تطوير تطبيقات ذات قيمة مضافة”.وتأسست الشركة التي يعمل فيها محمد شوشان سنة 2006 وقد انطلقت بخمسة موظفين وهي تشغل اليوم حوالي سبعين موظفا أغلبهم من المهندسين.ولاحظ جون لوك برناسكوني إن القيمة المضافة للأنشطة الاقتصادية في تونس (الصناعة والزراعة والخدمات..) “ضعيفة” لذلك يقتصر الطلب فيها على عمالة بسيطة وزهيدة الأجر.وأضاف أن توفير فرص عمل في القطاع الخاص لخريجي الجامعات يستوجب الاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية.لكنه لاحظ أن القطاع الخاص في تونس ليس بإمكانه خلق فرص عمل للخريجين ما لم ترفع الدولة “القيود” و”المكبلات” الإدارية والبيروقراطية أمام المستثمرين سواء التونسيين أو الأجانب.لفت إلى أن السياسات “الحمائية” التي تتبعها الدولة جعلت “نحو نصف الاقتصاد” التونسي “مغلقا” أمام المستثمرين وبالخصوص في قطاعات الاتصالات والنقل والخدمات التي تحتكرها شركات عمومية أو “عدد قليل” من الشركات الخاصة.وسنويا، يكلف “انغلاق” الاقتصاد التونسي وغياب الإصلاحات الاقتصادية والمالية البلاد أكثر من ملياري دولار ويحرمها من 100 ألف فرصة عمل جديدة وفق تقرير البنك الدولي الصادر في مايو الماضي.وأضاف جون لوك برناسكوني أن “الأعباء البيروقراطية تمثل مشكلة كبيرة للمستثمرين في تونس إذ يقضي مسيرو الشركات 25 بالمئة من وقت عملهم وينفقون حوالي 15 بالمئة من رقم معاملات شركاتهم للاستجابة للإجراءات الإدارية والتنظيمية”!!