أحدث الأخبار
الأحد 29 كانون أول/ديسمبر 2024
ظاهر ة العنوسة و البحث عن حلول...!

بقلم : سحر حويجة ... 15.4.07

ظاهرة العنوسة إحدى الظواهر البارزة، المثيرة للجدل، في المجتمعات العربية، حيث إنها أصبحت تشكل نسبة لافتة في مختلف البلدان العربية، لم تعد تقتصر على نسبة قليلة من الفتيات اللواتي فاتهم قطار العمر، صاحبات الحظ التعيس، أو ذوات الصفات غير المرغوبة اجتماعياً، بل أصبحت تشمل النساء من جميع الفئات الاجتماعية، وإن اختلفت أسباب عدم الزواج بين فئة وأخرى، بل إنها أصبحت تطال الرجال وليس النساء فحسب، تحت عنوان عدم توفر إمكانية الزواج الذي يؤدي لزواج متأخر، أو البقاء عازباً.
الكثير من المتابعين والمهتمين والمحللين، يعتبرون العنوسة من الظواهر الخطيرة من الواجب البحث عن أسبابها، والعمل على وضع الحلول لمعالجتها.
نجد من خلال قراءة المعطيات والآراء المختلفة، أن أسباب العنوسة متعددة من الصعب حصرها تبعاً لاختلاف الأسباب الموضوعية والذاتية المؤثرة، لكن هناك أسباباً يمكن أن نجملها تشترك بها مختلف المجتمعات العربية:
الأسباب الاقتصادية :
يلعب العامل الاقتصادي الدور الأهم من عدة جوانب أبرزها : غلاء المهور، سواء كان بناء على طلب الأهل، أو بناء على طلب الفتاة نفسها. إضافة إلى صعوبة تأمين ضرورات الحياة الزوجية من بيت وسواه نتيجة الدخل المحدود وارتفاع الأسعار. "من اللافت للانتباه إن غلاء المهور لم يعد نتيجة الأعراف وتوزيع الأدوار التقليدي بين الرجل والمرأة، بل أيضاً نتيجة لقيم العصر الاستهلاكية المادية حيث أصبحت قيمة الإنسان على قدر ما يملك، وبالتالي الفتاة وأهلها يعتبرون الرجل الميسور تعبيراً عن قيمتهم وعن مكانتهم". ساهم ذلك في تأخير سن الزواج عند الرجال، وانعكس ذلك طرداً على وضع المرأة بصورة العنوسة، لأنه متى سمحت الظروف للرجل أن يتزوج، فهو سوف يختار من النساء المرأة التي تصغره سناً بكثير، و سيتولد نتيجة ذلك نسبة من الفتيات لن تجد فرصاً للزواج.
يلعب العامل الاقتصادي دوراً إضافياً ذو تأثير سلبي وخطير: نتيجة لنسبة البطالة المرتفعة والمنتشرة بين صفوف الشباب، لا يؤثر ذلك فقط على عزوف الشباب عن الزواج، بل يؤثر على توجه وعي الشباب، اتجاه الأفكار الرجعية، والظلامية، التي تولد لديهم رغبة لانتقام، و تصب في جانب منها ضد المرأة، وصورة المرأة، إضافة لانتشار أفكاراً حول عدم ضرورة عمل المرأة، حتى لا تنافس الرجل في فرص العمل، وتنعكس أيضاً البطالة على قلة فرص النساء في العمل، كل ذلك يساهم في تغذية المناخ التقليدي المتخلف، ويؤدي إلى زيادة نسبة العزوف عن الزواج بين صفوف الرجال والنساء خاصة في البيئات الفقيرة جداً.
الأسباب الاجتماعية:
تلعب التقاليد دوراً كبيراً في ظاهرة العزوف عن الزواج، بل إنها تلعب دوراً مزدوجاً ومتناقضاً تؤدي إلى هذه النتيجة، خاصة بالنسبة للمرأة، بسبب تدخل الأهل في حياة أبنائها وتحديد الشروط المناسبة للزواج مسبقاً وفق رؤية الأهل وقناعتهم، مما يقيد حرية الاختيار حتى يصل لدرجة الإلغاء، عند بعض الطوائف لاختلاف الدين، أو لاختلاف الجاه والنسب. هذا يتناقض مع ظاهرة الاختلاط والتعارف في مراحل الجامعة والعمل وهي السن الأمثل للاختيار والزواج. كما يؤدي إلى فشل الكثير من العلاقات نتيجة ذلك.
من ناحية أخرى: إلغاء مفعول دور بعض التقاليد المتخلفة بسبب التقدم و تغير الظروف في كثير من البيئات، تقاليد كانت تسهل أمور الزواج، وأهمها الاختيار منذ وقت الولادة، مثال: بنت العم لابن عمها . كانت عادات دارجة وانتهت . لكن مع استمرار تقييد حرية الاختيار.
تأثيرات العصر: الانفتاح على العالم والاطلاع على طرق الحياة عند الشعوب الأخرى، عبر وسائل الاتصال والتواصل المختلفة ساهمت في تشكل رؤى جديدة مختلفة حول علاقة المرأة والرجل، تأثر بها الشباب، لكن المجتمع لا يقبلها ولا يعترف بها، لذلك بقيت أغلبها قي أطر علاقات سرية يشعر أصحابها بالذنب والخطيئة عند ممارستها. ويعيشون تناقضاتهم وحياتهم المزدوجة، تساهم في العزوف عن الزواج، خاصة بالنسبة للمرأة.
ظاهرة الطلاق: التي أصبحت هي الأخرى تشكل نسبة كبيرة، تعبر عن مدى الشرخ والتناقض القائم في حياة العائلة في مجتمعاتنا العربية، قد تشكل درساً لكثير من النساء في عدم خوض تجربة الزواج .
المرأة المتعلمة والعاملة، خاصة الفئة الأكثر تحرراً التي تدعو إلى مشاركة المرأة والمساواة مع الرجل في القانون و الحياة، تواجه الكثير من العقبات، لأنها تقف في مواجهة التقاليد والعادات، والقوانين التمييزية، وتواجه أيضاً حتى الرجل المثقف، الذي يحاول بشكل مستمر أن يشعرها بضعفها، على إنه هو صاحب الاختيار والقرار، نجد المثقف مازال يفضل المرأة التقليدية التي يسهل قيادتها، هذا يعكس تناقضات الرجل المثقف. ويساهم في فشل المرأة في كثير من الأحيان في الزواج والاختيار حتى تفضيل عدم الزواج.
هناك أيضاً أسباباً أخرى هامة ولكن تختلف من مجتمع عربي لآخر:
مثل السفر بهدف العلم والعمل وهي ظاهرة واسعة الانتشار، ذات تأثير كبير، حيث النساء السعوديات ونساء الخليج يشكون من الرجال الذين يفضلون الفتاة غير المواطنة، على الرغم من الحوافز المختلفة المشجعة على الزواج من مواطنة، من قبل الدولة.
الحروب وعدم الاستقرار تساهم كثيراً في صعوبة بناء أسر جديدة، وتزيد نسبة العنوسة في هذه الظروف في العراق النسبة تجاوزت 60بالمائة.
الصدفة التي يكون نتيجتها زيادة عدد النساء، عن نسبة الرجال، كما لو أخذنا نسبة المسجلين في سجلات الناخبين في الكويت مثلاً نسبة النساء 58 بالمائة. وهذا سيشكل سبباً موضوعياً في عدم الزواج.
الأسباب السياسية:
تلعب الدولة والظروف السياسية، ونشاط المجتمع المدني، السائدة في هذا المجتمع أو ذاك، في تخفيف أو زيادة نسبة العنوسة أو العزوف عن الزواج، من خلال ما تقدمه من تسهيلات مثل قروض أو اعانات، أو ترغيب في الزواج. كما يحصل في دول الخليج.
تبدو المجتمعات العربية في جميع هذه الحالات إنها تعيش أزمة اجتماعية كبيرة، يدفع ضريبتها النساء، حيث النسبة الأكبر من النساء في مجتمعاتنا، تشكل مؤسسة الزواج بالنسبة لهم الهدف الأول في حياتهن، تتربى النساء عليه منذ الصغر وفق نسق من مفاهيم تقليدية، على أن مستقبلها وسعادتها في بناء عش الزوجية، الزواج وسيلة لتجديد حياة المرأة الرتيبة، بل هو الوسيلة الوحيدة للتعرف والتقرب من الجنس الآخر، إضافة لضغوط المجتمع والعائلة ورقابتهما الشديدة، التي تقيد حرية المرأة في رسم حياتها وتحقيق ذاتها، وخضوع المرأة نتيجة ذلك لسلطات متعددة، تقضل عليها سلطة رجل بمفرده. ناهيك عن نظرة المجتمع المتخلفة، و الدونية للمرأة غير المتزوجة.
يرى البعض إن هذه الظاهرة قد تلعب دوراً سلبياً، وتخدم الأفكار والمعتقدات المتخلفة والجائرة بحق المرأة، التي تعمل المرأة على إلغائها، مثل تبرير تعدد الزوجات، و التشجيع على الزواج المبكر، والبعض الآخر يرى في هذه الظاهرة دوراً إيجابياً، تساهم مع مرور الزمن، بناء على التجربة المرة، وفي ظروف التحول في المجتمع، في تغيير عقلية وآلية التفكير القائمة، حيث إنها سوف تدفع في اتجاه عدم تدخل الأهل في حياة أبنائهم، ومنحهم حرية اختيار شريكهم الآخر، ورفض المهر العالي، وتشكل دافعاً قوياً للشباب، خاصة النساء منهم لرفض القيود والتقاليد والقيم الاجتماعية المتخلفة. لاشك أن الاتجاهين يعبران عن مستوى تطور البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع وهي صورة تعكس تناقضات هذه البنية، حيث إن الاتجاه الأول ينمو ويتسع طرداً مع الانحدار والتدهور والركود وزيادة نسبة المهمشين في المجتمع ويعبر عن حجم البنية التقليدية في المجتمع، أما الثاني فهو ينمو ويتسع مع بزوغ حركة اجتماعية وسياسية واقتصادية في عملية التقدم والتطور .
كما تساهم أيضاً في زيادة الضغط على الدولة من أجل التغيير في سياستها الاقتصادية والاجتماعية، لتتحمل مسئوليتها اتجاه مواطنيها، وتغيير القوانين المجحفة بحق المرأة.

*المصدر:المركز التقدمي لدراسات وابحاث مساواة المرأه