بقلم : ... 01.11.2014
مازالت حرب الجزائر، التي أنهت 132 سنة من الاستعمار الفرنسي، تمثل مصدر شرعية السلطة بعد 60 سنة من اندلاعها، لكن تأثير هذا الكفاح المسلح يتجه نحو التراجع. وكل القادة الجزائريين الذين يديرون دفة الحكم يعدون من المشاركين في هذه الحرب التي اندلعت في الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954. والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، 77 سنة، واحد منهم فقد تقلد أول وزارة وعمره لا يتعدى 25 سنة.وفي تلك الليلة التي أصبحت تمثل عيدا وطنيا في الجزائر نفذ مقاتلو جبهة التحرير الوطني ثلاثين هجوما على مراكز الشرطة وثكنات الجيش الفرنسي ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص منهم أستاذ وأحد الأعيان الجزائريين الموالين للاستعمار.ومنذ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر في 1830، كان الهدف هو ضم البلاد التي كانت تحت الحكم العثماني التركي، وتحويلها إلى مقاطعة فرنسية تتمتع فيها أقلية من الأوروبيين بوضع سياسي واقتصادي واجتماعي يفوق وضع السكان الأصليين الذين تحولوا إلى «أهالي».وبالنسبة للمؤرخ المتخصص في الجزائر بنجامين ستورا فإنه حتى وإنْ لم يكن التمييز العنصري مرسخا في القانون كما في جنوب إفريقيا، إلا أن «التمييز كان مرسخا في الواقع»، موضحا ان صوت المواطن الأوروبي في الانتخابات يساوي سبعة أصوات جزائرية.«الثورة» كما يسميها الجزائريون تسببت في سقوط الجمهورية الرابعة في فرنسا وأنهت أي أمل في حل سياسي مبني على المساواة بين الأوروبيين و»الأهالي». كما ان جبهة التحرير التي قادت العمل المسلح وتلقت دعم دول عدم الانحياز في مؤتمر باندونغ في 1955 لم تكن لترضى بأقل من الاستقلال التام عن المستعمر الفرنسي.وفي 1962 حقق الجزائريون مطلبهم بعد سبع سنوات من الحرب المتواصلة ومليون ونصف مليون «شهيد» بحسب الجزائريين بينما يتحدث المؤرخون الفرنسيون عن 500 ألف قتيل.وبعد ستين سنة مازال المشاركون في هذه الحرب وأسرهم يشكلون أساس الحكم، وتمثلهم وزارة كبيرة بميزانية ضخمة تسمى وزارة المجاهدين.وهذه الشرعية مرسخة في الدستور الجزائري الذي ينص على انه لا يحق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية إلا لمن شارك في «ثورة أول نوفمبر» إذا كان مولودا قبل سنة 1942 أي ان سنه لم يكن يتعدى 20 سنة عند الاستقلال في 1962.أما إذا كان المترشح مولودا بعد هذا التاريخ فإن فعليه ان «يثبت عدم تورط أبويه في أعمال ضد ثورة أول نوفمبر/تشرين الثاني 1954»، وهذا الشرط جاء ليقطع الطريق أمام «الحركي» (الجزائريون الذين تعاونوا مع الاستعمار) وأبنائهم.وبحسب تحليل الأستاذ الجامعي كريم املال فإن «الكفاح من أجل الاستقال في الجزائر يمثل رحم الحكم سواء السياسي أو العسكري في مختلف أشكاله التي شهدناها منذ 1962».وأضاف «في تاريخ الجزائر المستقلة فإن المرجعية الأساسية هي حرب التحرير، أي ان الانتماء يحب ان يمتد إلى هذه المرحلة ومن هذا الماضي تستمد السلطة شرعية حكمها في الحاضر» حتى وإنْ اضطرت إلى تجميل التاريخ الرسمي. وبما أن جبهة التحرير الوطني تعتبر «معول التمكين الوطني.. فإنها مازالت اليوم المالك الحقيقي الوحيد للشرعية الثورية، في غياب مصدر ديموقراطي للشرعية بالنسبة للسلطة الجزائرية» كما يوضح املال.وإلى غاية سنة 1989 ظل حزب جبهة التحرير الوطني يحكم البلاد بمفرده، ويعمل وفق النظام السوفييتي. وحتى بعد التعددية الحزبية ظل الحزب يتمتع بالاغلبية في البرلمان.وردا على سؤال: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ يرد املال «كلما ابتعدنا عن فترة حرب التحرير ذبلت هذه الشرعية».من جهته أكد المحلل السياسي رشيد تلمساني ان «الطبيعة ستتكفل بعملها، وستنتهي مرجعية هذه المرحلة» من تاريخ الجزائر، واعتبر تلمساني ان «الشرعية الثورية أصبحت وسيلة لتسويق حكم العسكر الذين استولوا على السلطة في 1962»!!