أحدث الأخبار
الجمعة 27 كانون أول/ديسمبر 2024
المرأة العربية البدوية بين غبن الدولة وضبط المجتمع !

بقلم : حنان الصانع  ... 22.11.05

تعيش النساء العربيات البدويات في إسرائيل أصعب ظروف الفقر والبطالة والأمية، ويواجهن تحديات كبيرة بسبب انتمائهن لأقلية مضطهده في إسرائيل ولكونهن نساء مضطهدات من قبل المجتمع العربي التقليدي والذكوري في النقب.
إن التغيرات الذي حلت على المجتمع العربي البدوي في النقب بعد قيام دولة إسرائيل المتمثلة بسياسة مصادرة الأراضي وحصر المرعى ونقل البدو إلى قرى قائمة (7 بلدان معترف بها و45 قرية أخرى لم تعترف بها)، قطعت استمرار الحياة على النهج البدوي، وألحقت به أضررا اجتماعية ونفسية واقتصادية. كان لكل فرد دوره في إعالة البيت سواء في الزراعة أو في المرعى وكانت المرأة ذات خبرة في مجالات عمل عديدة، فنسجت خيمة عائلتها من صوف الغنم وصنعت الجبن واللبن من حليب الماشية, وفجأة وجدت نفسها مسلوبة القدرات عديمة الفائدة في ظل غبن الدولة وتحدث المجتمع وواجهت صعوبة في التأقلم مع المتطلبات العصرية في الوقت الذي تجهل فيه القراءة والكتابة. تعاني المرأة البدوية من اتهامات مستمرة بالجهل والضعف من قبل مجتمع لا يقدر إمكانياتها وقدراتها التي تتميز بها مثل الفن الراقي حيث تجاهل المجتمع والحكومات الإسرائيلية المتتالية احتياجاتها ومتطلباتها في توفير الخدمات من اجل التأقلم مع الحياة العصرية وتجاهلوا قدراتها ومواهبها الفنية التي تميزت بها كالنسيج، التطريز،الزينة، الزراعة وإنتاج أنواع عديدة من مأكولات الألبان الطبيعية والعلاج الطبيعي بالأعشاب.
يقطن في النقب حوالي 160.000 نسمة من البدو ويعيشون في بيئة تفتقر إلى معظم الخدمات المدنية الأساسية، ويعانون من أعلى نسبة بطالة وأقل معدل للأجور في الدولة. كما أن القدرات المحدودة لجهاز التربية ,والتعليم أدت إلى تخلفٍ آخذ في التفاقم وذلك بالمقارنة مع التطور العلمي والتكنولوجي في الدولة. إن سياسة التجهيل التي يتعرض لها المجتمع البدوي من قبل الحكومة وتدهور الوضع الاجتماعي، الاقتصادي والتربوي يدل بلا شك على عدم كفاءة في التخطيط للوصول والمطالبة بأهداف محددة. كيف سيتم ذلك ونصف المجتمع, المرأة, لا تشارك في هذا الكفاح وليست فعالة ومنتجة ولا تملك الآليات الملائمة للتعامل مع متطلبات الحياة العصرية. فمن ناحية تحد العادات والتقاليد من حرية المرأة وتمنع خروجها للعمل أو التعليم خارج القرية "خوفا عليها" ومن اختلاطها بالمجتمع الغربي وكسبها قيم اجتماعيه غير مقبولة على المجتمع البدوي، ومن ناحية أخرى يتجنب البدو كسب عادات جديدة خوفا من أن يفقدوا عادات موروثة بحسب القول البدوي " ابطل عادة ولا تنشيء عادة ". لكنني اعتقد أن من الممكن التجرد من العادات والتقاليد السلبية دون إنشاء عادات جديدة تفقد المجتمع المواصفات الكريمة. ففي الكثير من الأحيان يعتبر خروج المرأة البدوية للعمل تحد لمفاهيم متجذرة في المجتمع، منها الإيمان بأن عمل المرأة لا بد أن يقتصر على العمل مع أفراد العائلة وداخل البيت. وبما أن العمل "العائلي" في البيئة القريبة كالزراعة وتربية الماشية بات معدوماً، ينحصر دور المرأة في العمل على تربية الأطفال وإدارة المنزل بينما على الرجل ان يخرج إلى العمل ويكسب المال.
ان التغييرات الايجابية على المرأة العربية البدوية في مجال العمل والتعليم تجري بشكل بطيء جدا وذلك بسبب العراقيل التي تواجهها المرأة من قبل المجتمع وسياسات الدولة تجاه البدو. الأمر الذي يكرس الحديث عن حقوق المرأة كانسان وكمواطنة بشكل خفي وسط النساء فقط، فالمطالبة بحقوقها كمواطنة يعتمد بالغالب على الرجل الذي يطالب باسمها بحقوقها وفي كثير الأحيان يفشل في ذلك.
بدأ نمو الحركة النسوية في النقب في أوائل التسعينات من خلال الجمعيات المحلية التي تناشد بحقوق المراة وتجنيدها باليات تمكنها من التعامل مع متطلبات الحياة العصرية لكي تواجه سياسة التمييز ضدها وأيضا في العمل الجماهيري الشامل من أجل رفع الوعي لدى كافة الفئات المجتمعية لأهمية عمل وتعلم النساء في المجتمع البدوي. فمن جهة يُبدي المجتمع استعدادًا للاعتراف بحقوق المرأة العينيّة مثل الحقّ في التعلّم والعمل، إلاّ أنّه ما زال غير مُستعدّ للقبول بهذه الحقوق من دون ربطها بمجموعة من المطالب التي تشترط عمل المرأة وتعلمها بالقرب من البيت كما أن عمل المرأة خارج البيت لا يعني قبول إعادة تقسيم الأدوار داخل العائلة حيث إنّ أعمالاً مثل تحضير الطعام وتنظيف البيت لا تزال تعتبر من مهام النساء حتّى لو عملت المرأة، ما يعني، عمليًّا، أنّ المرأة التي تخرج للعمل يتضاعف عبئها؛ فتصبح عاملةً، إلى جانب كونها ربّة بيت.
ان العمل الدءوب الذي تقوم به الجمعيات النسائية المحلية في العقد الأخير بدأ يجني بعض الثمار، إذ هناك ازدياد ملحوظ في مدى انخراط النساء في الفعاليات المختلفة التي تبادر إليها الجمعيات وازداد في اهتمام كافة الأطر والمؤسسات الفاعلة في المنطقة في قضايا المرأة عامة. إلا أن هذا التقدم وبالرغم من أهميته، ما زال في المراحل الأولى من تحقيق نقلة نوعية في مكانة المرأة في النقب. وبهدف التداول في تطوير استراتيجيات وأساليب عمل من اجل رفع مكانة المرأة في النقب سيعقد منتدى الجمعيات النسائية في النقب "معا" مؤتمرا في 22-23 تشرين ثاني 2005 للتداول في أوضاع المرأة في النقب وتحديات النهوض في مكانتها.

مركزة مشاريع جماهيرية