أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
محاكم شرعية ب ـ تي ـ شيرت على الرأس وجلدة تنطح جلدة!!

بقلم : سليم البيك ... 16.07.2013

عرضت ‘بي بي سي عربي’ فيلما وثائقياً قصيراً يتناول ظاهرة الجماعات المتطرّفة والتي باتت ‘أنظمة حكم’ على مناطق عدّة من الأرض السورية، تناول الفيلم تحديداً بلدة سراقب في ريف إدلب.
والمحاكم الشرعية التي أقامتها جبهة النصرة فيها. في الفيلم نرى كماً هائلاً من القتامة التي أحضرها معهم هؤلاء إلى سراقب، نتعرّف فيه بداية على أبو قدامة (ألم يجد اسماً أكثر جاهلية وقدامة؟) الموفَد من تنظيم القاعدة إلى سوريا والموفد من جبهة النصرة إلى سراقب لتطبيق الشريعة الإسلامية فيها، وبحد السيف (أو لسعة السوط). لم أتردّد في الكتابة عن الموضوع لأني أعرف تماماً أن السبب الأساس في استقدام أبو بطّيخ هذا إلى سراقب والمستفيد الأساس من قدومه هو في كليهما النظام السوري والخاسر الأساس والدائم هو الشعب، أقول ذلك تفادياً لأي حالات تنحنح قد تصدر عن مؤيدي النظام بقراءة الأسطر القليلة السابقة.
نرجع للمحاكم الشرعية التي تشكّل المرجعية الوحيدة في كل الشؤون القضائية في البلدة، فلا قوانين مدنية فيها، ولا القاضي يحمل أي معرفة نظرية أو خبرة عملية في القضاء المدني، لكنه – وهو ما سيكفيه ليحكم- يعلم في الشريعة وحسب وبزيادة خيّا).
في حادثة أوردها الفيلم سيق رجلٌ إلى المحكمة الشرعية بتهمة (لم نعرف شيئاً عن الأدلّة طبعاً) الشروع في سرقة سيارة والقتل، وكان القاضي شخصا لم يمارس القضاء يوماً (أكل هوا الزلمة). المهم.. شحطوه (كنّا نستخدم هذه الكلمة لمن تشحطه أجهزة الأمن السوري) إلى الساحة العامة لتنفيذ الحكم، نعم ساحة عامة إلا أن الحكم لم يكن بخدمة اجتماعية كتلقيط أعقاب السجائر عن أرض الساحة مثلاً. كان ينتظره في الساحة ملثّم بـ تي- شيرت لفّها على رأسه كيفما يكن (أي: كيف ما إجت تيجي)، وتم جلده خمسين جلدة وشريكه في النية بالتفكير بالشروع والتصميم والتدبير نال أربعين جلدة، جلدة تنطح جلدة. وذلك في بلدته أمام أعين أصدقائه وأهله وربّما أبنائه وأمه، بينما بعض الناس تصرخ باهتياج: قائدنا للأبد سيدنا محمد.
هذا والحكم مخفّف، يضيف القاضي، فقد تمّ تخفيف الحكم بسبب حالة الحرب التي تعيشها البلاد، وأن الرجلين في الظروف العادية كان يمكن أن يُعدما لمحاولة السرقة والشروع بالقتل (أحّيييييه)، ويضيف: في حال الحرب تؤجل الحدود إلى حال السلم. آهااااا، أفهم أن الرجلين بعد كل هالبهدلة والجلد على أبو جنب وعلى رؤوس الأشهاد وفي عقر دارهم ومن قِبل غرباء أنهم إن تحرّرت سوريا من نظام الأسد الفاشي سيأتي هذا ‘القاضي’ ليعيد محاكمتهما وقد يعدمهما؟ علماً أنهما من المسلّحين المقاتلين ضد جيش النظام.
هل يملك أحدنا ما يقوله للرجلين إن تركا سوريا ليهلكها ويهلك شعبها النظام من جهة والمتطرفون من جهة أخرى؟ وماذا لو نقل الرجلان سلاحيهما إلى الكتف الأخرى ليقاتلا في صفوف النظام ويتحوّلا إلى وحوش حقيقيين خوفاً من الحكم بالإعدام الذي يتربّص بهما؟
أصبحت المدينة غريبة عن أبنائها. في حادثة أخرى نقلها الفيلم وتناقلتها وسائل الإعلام في حينها وكانت بوادر هذه القتامة التي حملها المتطرفون إلى بلد الحضارات، يُظهر مشهدٌ أسلاميين ينزلون علم الثورة السورية ويدوسون عليه في عراك تسبّبوا به في إحدى المظاهرات المناوئة للنظام، وأبقوا على راياتهم السوداء كقلوبهم، علماً أن سراقب باتت متآلفة مع علم الثورة الذي حملته منذ بدايات مشوار الحرية من كلا الاستبدادين.
مؤخراً بدأت المظاهرات الشعبية والتحركات المدنيّة تجمع ما بين المناهضة للنظام وشبيحته من جهة وللجماعات المتطرفة ومحاكمها الشرعية من جهة أخرى، سأقول دائماً بأن الشعب يعرف طريقه، وبأن الوطن أولاً وأخيراً له، ولو كره هؤلاء وأولئك.
**دولة الإسلام في الشام؟ أهلين!
كثرت مؤخراً التقارير الإخبارية عن عمليات الاغتيالات التي تقوم بها الجماعات المتطرّفة في سوريا تجاه (رموز النظام؟ لا خيّا!) قيادات من الجيش الحر، وعن اشتباكات بين هذا الجيش الذي انشقّ تلبية لنداءات الشعب السوري وبين الجماعات المتطرّفة المستقدَمة إلى سوريا لتقيم إماراتها القاتمة هناك. قبل أيام بثّت معظم القنوات الإخبارية تقارير عن هذه الاغتيالات وعن النفوذ المتزايد للمتطرّفين على الأرض السورية. أخذتُ الموضوع بجديّة بعد أن بثّته ‘بي بي سي’ (أمّا أن تبثّ ‘الميادين’ تقريراً عن الموضوع فلن يكون ذلك سوى نكتة سمجة كالتي عوّدتنا عليه هذه القناة) في تناولها لكل ما يخص الثورة السورية.
الخطر الذي تشكّله هذه الجماعات على الثورة الشعبية والجيش الحر يتعدى بأشواط الخطر الذي تشكّله على النظام، وها هي بالنهاية تقاتل الجيش الحر وتحاكم السوريين في محاكم ما أنزل الله بها من سلطان. بتنا نتحدّث لا عن جبهة النصرة فحسب، بل عن تنظيم ‘دولة الإسلام في الشام والعراق’ والتابع لتنظيم القاعدة في العراق والبغدادي هو قائدها الأول، أما جبهة النصرة فتتبع للجولاني الذي كان يعمل لدى البغدادي في العراق، ما كل هذا الأسى الذي يجول في سوريا؟ يحرق أخت هالعلقة.
الخاسر الوحيد من كل هذه القتامة والرايات السود والإرهاب بكل مضامينه وتجلياته هو الشعب السوري ومجتمعه المتنوع والمنفتح، وثورته المدنية الشبابية وجيشه الحر الوطني، أما المستفيد، فاللائحة تطول لكن على رأسها تثبّت ذلك النظام.
**إسرائيلية ووين ما تبي
لا أعرف ما طبيعة هذه القناة، اسمها ‘العدالة’ ولم أشاهدها لأكوّن رأياً حيالها. لكن وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، انتشر فيديو يحوي لقطات من القناة في برنامج واحد مع ضيفين مختلفين وفي تاريخين متقاربين من الشهر الماضي، يقول الضيف الأول وهو نائب كويتي اسمه نبيل الفضل بأنه ومن أجل أمن الكويت يتعامل مع أي جهة تكون، سأل المقدّم متنحنحاً ومتخذاً دور المحاور المستنكر لكن بفشل بيّن: إسرائيلية؟ فرد النائب إسرائيلية ووين ما تبي. أمسك المقدّم على سكوب إعلامي فلم يردْ له أن يفلت منه، فردّد ظاناً أنه سيستفزّ النائب: الصهاينة؟ فرد النائب بتلقائية مستنكراً بدوره استنكارَ الأول: وإذا الصهاينة!! أنا أبي أمن بلدي، شو يفيدني المسلم والجار العربي اللي غزاني، شو يفيدني فيه؟ أنا باخذ من إسرائيل منشان أحمي نفسي من هذا المسلم العربي. انتهت تفوّهات النائب، لن أعلّق.
أما الضيف الآخر وهو نائب كويتي آخر اسمه حماد الدوسري، قال بأن أصلَ قضية التعامل مع إسرائيل أمر جائز، حنّا قدوتنا منو؟ محمد صلى الله عليه وسلّم. أقولّك النبي تعامل معهم، تقولّي أنتقدك؟ انتقد النبي إن لم تكن مسلماً، المسلم لا يتكلّم إذا جاء أمر من أوامر النبي وفعله، قل سمعت وأطعت. انتهى الفيديو عن اليوتيوب دون أي معرفة منّي بما استكمل به النائبان تفوّهاتهما، وهنا أيضاً لن أعلّق.
خلص، انتهت الفقرة.
**برامج مكبوس دون مخلّلات
في فقرة وجهات نظر التي نشاهدها على قناة العربية، تظهر لنا بأوضح تجلّياتها الوظيفة التسطيحية التي يقوم بها التلفزيون بحكم طبيعته تجاه الأفكار والآراء على تنوّعها. معروف أن التلفزيون يأخد من فكرة أو رأي ما المحصّلة، النتيجة (أي: هات من الآخر)، بخلاف الإعلام المطبوع من صحف ومجلاّت وكتب، وذلك طبيعي كون للدقيقة في التلفزيون تكلفتها، وكون كل ما يُعرض على الشاشة، أي شاشة، يعطي اعتباراً (معتبراً) لمساحة الإعلانات.
في الفقرة المذكورة نرى شخصين يحكي كل منهما في ثلاثين ثانية نراها تفرّ فرّاً. المشارك، وهو من المعنيين بالموضوع المطروح، ينقّل عينيه بين ثانية وأخرى لخارج كادر الكامرا، فإما أن يكون ذلك لورقة كُتب عليها ما سبق أن حضّر له وإما أن تكون موقّت الثواني الثلاثين التي تفرّ فراً على الشاشة، وكل منهما يطرح وجهة نظر تختلف عن الآخر (أي: Mini اتجاه معاكس، يعني أبو ستّين ثانية). أما المواضيع المنتقاة فلا تتناسب أبداً مع هذا الاستخفاف، بها أولاً وبالمشاهد ثانياً وبطارح الفكرة ثالثاً، وهي من قضايانا الراهنة الاجتماعية والسياسية.
برنامج كهذا قد يكون جسّد عصارة التسطيح الذي وصل إليه التلفزيون في تناوله للقضايا العامة. كتب الفيلسوف الفرنسي بيار بورديو مطوّلاً عن ذلك في كتابه ‘التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول’ لكنه كان أولاً يحكي عن الإعلام الفرنسي، وثانياً عن برامج حوارية تزيد مدّتها عن الساعة، فماذا نقول عن إعلامنا العربي، وعن برامج تكبس الأفكار دون أن تخلّلها، أفكار ستضطر لطرحها وإقناع الناس بها في ثلاثين ثانية؟
كان حال المشاركين – وهم من الخبراء وأهل الاختصاص- يُرثى له وهم يراقبون الثواني تنهمر، ولما يبدون عليه من تحضير مسبق بل وحفظ لما سيقولونه، فتنطلق الكلمات تسابق الثواني ويكرّون لنا ما حفظوه وبنفس واحد ووتيرة سريعة كأنهم يسمّعون درساً في مدرسة تكون حتماً عربية، هكذا صارت تُطرح وجهات النظر، هذا ابتزاز خيّا (وبضيّق الخلق).

كاتب فلسطيني