أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
حاله عربيه: ثقافة المؤامره والفتنه ومشتقاتها!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 18.07.2013

بداية لا بد من القول ان عملية تقييم الاوضاع والاحداث الجاريه في العالم العربي عمليه ليست بسيطه في الوقت الراهن جراء تسارع الاحداث وتقلبها بسرعه فائقه وتحول العالم العربي الى غابه من الاخبار الصحيحه في جزء منها والتضليليه والغير صحيحه في الجزء الاكبر منها وما انقلاب الامور في مصر خلال فترة وجيزه الا دليل قاطع على "فوضوية" تسارع الاحداث وانقلابها على عقب ضمن الكثير من الاسباب والمعطيات والمسميات اللتي لا نهايه ولا حدود لها مثل ثوره وثوره مضاده وثورة رباط وثورة تصحيح ومؤامره وفتنه وخيانه وانقلاب او من عدمه الخ من مصطلحات ومسميات تتناقلها وسائل الاعلام تباعا من هذا الطرف او ذاك..شخصيا ليس نادما على وصف ماجرى في مصر بثورة تصحيح تبعا لاخطاء مرسي وجماعته في مصر, لكني نادما على اختلاط الحابل بالنابل وظهور رموز من فلول حسني مبارك مجددا على المسرح المصري كثوار " تصحيحيون" من امثال عمرو موسى ومحمد البرادعي وغيرهم من من انيط بهم بمهام خاصه وتم تعيينهم في مواقع مهمه في مصر ما بعد مرسي وهذا الامر ان دل على شئ فهو يدل على ان الامور في مصر لن تسير على الطريق الصحيح ولن تُصحح الا في حالة إجتثاث رموز الفساد ورموز العدميه الفكريه وهذا لن يحدث الا في حالة بروز قياده مصريه جديده ونظيفه من شوائب نظام حسني مبارك ونظام مرسي الذي لايمكن مقارنته بنظام مبارك نظرا لقصر المده الذي امضاها مرسي في الحكم.. فترة حكم مرسي قصيره جدا مقارنة بفترة حكم المخلوع حسني مبارك؟!
في مصر اليوم [ما بعد 30 تموز 2013 ] يوجد ضبابيه وعدم وضوح الرؤيه حول شكل ونهج النظام المصري الحالي والقادم والامر الواضح وضوح الشمس هو ان الصراع على الشرعيه لن يُحسم قريبا بين تنظيم الاخوان والنظام الشعبي والانقلابي الذي بدا بفرض الوقائع وابعاد " الاخوان " عمليا ونظريا عن دفة الحكم في مصر..جدلية كون الذي حدث في مصر انقلاب او ثوره لن تنتهي لا اليوم ولا في المستقبل البعيد...بَّين وبَّين مع الاعتراف بصعوبة تعريف هذه الحاله لان الجيش المصري ساهم في خلق واقع جديد دون ان يكون هو الحاكم والمسَّير لامور البلاد السياسيه والاداريه...حالة ماجرى في مصر من احداث متروكه ومفتوحه على مصراعيها للجدل السياسي والاعلامي الذي سيستمر حتى اشعار اخر مع التأكيد على ان حالة قتل المتظاهرين مدانه ومرفوضه وطنيا واخلاقيا!!
دائما ودوما تتكرر في العالم العربي والاعلام العربي حالة تبرير الحاله العربيه ب " التلقيم" بحشوة وعبوة المؤامره والفتنه حيث ان المؤامره تشير الى اصابع وعناصر خارجيه متأمره على الدول العربيه بينما الفتنه في اكثر الاحيان من صناعة ايادي محليه تتحالف مع قوى خارجيه واقليميه وهذه الاسطوره المسماه بالمؤامره توالدت وتكاثرت على مدى عقود وعشعشعت عميقا في العقل والوجدان العربي العام..الغرب..امريكا.. اسرائيل.. الخيانه.. التبعيه.. الخ..كلها مسميات متداوله قد يكون جزء منها صحيح, لكن الجزء الاكبر هو تبرير وتضليل وكذب يراد به القول ان الذي حدث ويحدث في مصر وسوريا وليبيا مجرد مؤامره خارجيه او خيانه وطنيه وهذه هي حالة تبرير وتمرير لنتساءل من يقتل من ومن يدمر من في سوريا مثلا او ليبيا او مصر او العراق؟.. من هم اللذين يقودون المعارك على الارض؟ ومن هم الذين دمروا ليبيا زنقه زنقه وسوريا حاره حاره؟.. اليست هم جميعا عرب سواء نظام او معارضه تعاملوا مع الخارج وطلبوا دعمه حتى ينتصرون على خصمهم الداخلي؟! وهل تمكن المنتصرون من توحيد صفوفهم واعادة تشكيل دولتهم كما جرى ويجري في ليبيا مثلا؟!
كثير من الامور في العالم العربي اندثرت او تجاوزها الزمن, لكننا ما زلنا عالقون في شرك زعم المؤامره وحياكة المؤامره والمؤامرات الذي يتعرض لها العالم العربي والمؤامره هذه صارت ثقافه شعبيه عامه متجذره في الوجدان الشعبي العربي وبالتالي ما جرى ويجري منذ عقود هو ان الاعلام العربي ومن وراءه قد روج دوما لفكرة المؤامره للتغطيه على فشل الانظمه العربيه والجيوش العربيه بالدفاع عن الامه او للتغطيه على مشاكل اخرى سواء اجتماعيه او سياسيه او غيرها من خلال تعليقها على شماعة المؤامره الخارجيه المزعومه بالرغم من ان السبب هو الحاكم وحاشيته او قوى وحركات واحزاب عربيه فاشله وفاسده وتحاول دوما تصدير الازمه او الاسباب الى الخارج..شماعة المؤامره..قد يكون جزء من المؤامره مرتبط بالخارج لكن الجزء الاكبر هو عامل داخلي عربي وحتى لو افترضنا او جزمنا بوجود مؤامره خارجيه فمن المفروض التصدي لهذه المؤامره وافشالها حتى لا تدفع الشعوب العربيه ثمنها!!
..التأمر والتخابر موجود في كل دول العالم, لكن هنالك اجهزه دول ومؤسسات مهمتها التصدى للمؤامرات واحباطها بينما اكثرية العرب يستعملونها كتبرير للفشل او القتل او حتى ارتكاب الجرائم من قبل الانظمه والمعارضه في ان واحد...هل الزعم بالمؤامره يبرر تدمير سوريا وذبح شعبها؟ وهل المؤامره تبرر فشل الحكام ودكتاتوريتهم والفساد المتفشي في الدول العربيه قبل وبعد ما يسمى بالربيع العربي؟..هل الافراد والمؤسسات في اجهزة الدول فاسدون بسبب المؤامره ام بسبب الفساد وثقافة الفساد؟..هل ان المؤامره هي سبب الفتنه بين الطوائف والاديان ام ثقافة التطييف والتحشيد السبب؟..لماذا عندما يسقط نظام عربي او حركه سياسيه تكون نظرية المؤامره جاهزه؟..الشعب اسقط النظام لانه فاسد وفاشل ولا علاقه له بالمؤامره " الدائره" على راس العرب منذ عقود...من قال لهذا الطائفي المريض ان يقتل ابن وطنه ويجرجره في الشوارع لانه من طائفه اخرى او دين اخر؟.. بالتأكيد ليس الغرب ولا امريكا السبب لابل السبب يكمن في مسلكية هؤلاء الذين يحشدون الناس طائفيا ودينيا ويحرضونهم على القتل او على الوقوف مع هذا الرئيس الفاشل او ذاك الطاغيه او تلك المجموعه؟...هل للطغاة دين وطائفه محدده ومعينه ام انهم منحدرون من كل الطوائف في العالم العربي والاسلامي؟؟..ثقافة المؤامره والفتنه تعفي الطغاه والعدميون الجدد والقدامى من المسؤوليه عن ماهو جاري من قتل وذبح ودمار في العالم العربي..!!
لاحظوا معنا الاستعمال الدائم لشماعة المؤامره فما ان سقط نظام مرسي حتى اشاع خصومه انه كان نظام خائن ومتأمر تابع لامريكا والامر نفسه تقوله حركة" الاخوان" وهو ان الذين سيطروا على الحكم في مصر مـتأمرين تأمروا على شرعيه مرسي مع امريكا ودول غربيه اخرى..في جميع الدول العربيه يسري مفعول المؤامره وتلصق بكل من تأمر او لم يتأمر وخاصة المعارضات التي تعارض انظمة الحكم الذي يوصفها الاعلام العربي الرسمي بالخائنه والمتأمره الخ من نعوت رغم ان الانظمه العربيه هي اكثر الانظمه المتأمره على الشعوب...انظمه تتأمر على شعوبها مع امريكا والغرب وتزعم ان المؤامره خارجيه؟
خلاصة الامر يجب التخلص من ثقافة المؤامره المزعومه وتقييم الامور من داخل الواقع العربي الذي هو اكبر متأمر موضوعي واسمي على ذاته بسبب الجهل وبسبب سهولة تمرير مقولة المؤامره تكرار ومرار بالرغم من ان المؤامره في اكثر الاحيان صناعه داخليه و"وطنيه" وليس دائما من صناعة الغرب وامريكا... المطلوب اليوم التخلص من حالة تجهيل وتسذيج العقل العربي الذي يتعرض لتجهيل وتضليل يجعله دوما ضحية مؤامره اجنبيه مزعومه بينما هو في الحقيقه ضحية نظام ومعارضه وضحية ثقافة المؤامره والفتنه ومشتقاتها..مجتمع وشعب لا يحصن وعيه وذاته ضد اسطورة المؤامره والحشد الطائفي والتضليل السياسي سيبقى دوما ضحية هذه الاسطوره من جهه وشعب لكل حاكم من جهه ثانيه وبالتالي السؤال المطروح اليوم بالحاح هو: هل الجاري في العالم العربي ثورات ام سلسله من الانقلابات والمؤامرات المزعومه والمؤامرات الحقيقيه؟...العالم العربي يعج اليوم بالفوضى ونظريات المؤامره المزعومه والشعوب تدفع الثمن في هذه الاثناء غاليا..ثوره.. مؤامره..فتنه..انقلاب..جميعها تجد جمهورها في العالم العربي..ضحايا الثورات والمؤامرات؟!