أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
عطر الدمار الشامل…!!

بقلم : سهيل كيوان ... 13.12.2012

لا شك أن العطر الغزي الجديد شعبي، وثمنه بضعة شواقل، وقد يكون خدعة ساذجة من تجار غزة المفلفلين، وبالتأكيد لن يرقى إلى أصناف العطور الباهظة التي يرشُّ بها طيارو إسرائيل ياقاتهم وأناملهم التي تلامس برقّة وحنان شاشات إطلاق الصواريخ التي يصل وزنها إلى نصف طن فقط، والتي لا يصفى منها سوى 450 كيلوغرامًا من المواد المتفجرة بعد تخفيض وزن العبوة...يا بلاش..
العطر الغزّاوي ضايق الإسرائيليين، ذلك العطر الذي أطلق عليه مخترعوه أو معدّو خلطاته اسم m75، على اسم الصاروخ المدهش الذي صفع كبرياء وصلف وعنجهية تل أبيب، صاحبة الصواريخ والعطور العابرة للقارات.
الإسرائيليون تضايقوا وبراءة الأطفال في أعينهم، وراحوا يتساءلون عن سرّ هذه الرائحة العجيبة، وبما أن قوة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي لا تخفى على أحد، فقد تمكن الجهاز في عملية استخباراتية معقدة جدًا من الحصول على عيّنات من هذا العطر الغزاوي، وراح طاقم من المختصين بالشم، بمشاركة كلاب مدرّبة، يستنشقون ويستنتجون ما الذي تعنيه هذه الرائحة، ولماذا الآن بالذات!وهل يمكن لهذه الرائحة أن تتطور إلى ما هو أخطر بكثير من مجرد كونها رائحة عطر رخيص!الإستنتاج الأول الذي توصل إليه الجهاز، هو أن من يريد السلام بالفعل، لا يمكن له أن يطلق على عطره اسم صاروخ آذى المدنيين الآمنين، وسبّب لبعضهم القلق وعدم الراحة في النوم حتى يومنا هذا، ثم كيف يمكن لإنسان سويّ أن يشم عطرًا يذكّره بالحروب ومآسيها!والأخطر هو، كيف يمكن صناعة سلام مع يكرّس جهوده في إنتاج عطر صاروخي، بدلا من صناعة كريمات للبشرة الغزية الخشنة، بسبب عوامل الطبيعة وعوامل الحصار الإنساني!
العطر الجديد يدخل في قائمة الأخطاء الطويلة التي ارتكبها ويرتكبها الفلسطينيون، والتي تعرقل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بدءًا من رفضهم لقرار التقسيم عام 1947 الذي كانت له رائحة الفل والياسمين، ثم تجييش سبعة جيوش وملوك لهم رائحة السعوط، لشن الحرب على إسرائيل في طفولتها المبكرة والتي كان لها رائحة بودرة الأطفال، بدلا من رعايتها وحسن استقبالها وهي اليتيمة المقطوعة من شجرة، وانتهاء بقرار صناعة عطر إم 75، هذا العطر الذي يوازي بضرره وخطورته أسلحة الدمار الشامل، فالمهم في الموضوع هو النوايا، وهذا يعني أنه من واجب المجتمع الدولي أن يعمل على تدمير مصنع العطور الجديد في غزة، حتى لو كان تحت سابع أرضين، وكي لا تتهم إسرائيل بالعدوان والعمل الإنفرادي، فهي تدعو لإقامة تحالف دولي لتشديد الحصار على غزة ولتدمير عطر الدمار الشامل، أو لمراقبة منشآته على الأٌقل، فقد يصل إلى أيدٍ غير مسؤولة، خصوصًا وأن نهاية العالم اقتربت حسب تقويم حضارة المايا، وباتت شبه مؤكدة في تاريخ 21-12-12، إلا إذا شاء ربُّ العرب واليهود والمايا أمرًا آخر، وعليه فقد نلحق أو لا نلحق رائحة دخان قطار السّلام، ومن يعش حتى الأسبوع القادم فليتعطّر.
صناعة العطر هذه تضاف إلى صناعات فلسطينية كثيرة أخرى تستبعد إمكانية السلام مع الفلسطينيين، وحتى استحالته، وهي تذكر بانتفاضة الفلسطينيين الأولى التي يصادف هذه الأيام ربع قرن على انطلاقها، عندما تمت فيها صناعة(النقيفة)والمقلاع في حينه، فلعبا دورًا فعّالا في تدمير آمال السلام، وها قد ثبتت توقعات إستراتيجيي إسرائيل، فالنقيفة والمقلاع أصبحا إم 75 وصاروخ فجر، ومن يبدأ التلاعب بالعطر، لا بد أن يصل في يوم ما إلى الأسلحة الكيماوية!بل إن صناعة العطر قد تكون أعقد من صناعة السلاح الكيماوي بكثير، والمنطق السليم يقول، إن من يريد السلام يكتفي بعطور من مختلف الماركات والصناعات الفرنسية والألمانية والأمريكية والإسرائيلية وغيرها كثير، ولو قال الغزيون بشكل مهذب بأنهم يريدون أن يتعطروا كي يتخذوا زينتهم عند كل مسجد مثلا، لما تردّدت إسرائيل بتزويدهم بالعطر وحتى بالكريمات وصابون الحلاقة والشامبوهات، لأنها تحترم النظافة والأناقة والمعتقدات الدينية.لو أراد الفلسطينيون السلام حقا لذهبوا إلى (لونكوم - باريس) مثلا وليس إلى إم 75، أي ثقافة سينمو عليها أطفال غزة!ألن يفكروا مستقبلا بشامبو وشفرات حلاقة تهدد الحل السلمي بتسميمه وقصّه من جذوره!من يرد السلام عليه أن يخرس تمامًا، وأن لا يرى ولا يشم ولا يسمع، وإلا فلا ينزعج من توجيهات أقطاب الحكومة الإسرائيلية للجيش والمستوطنين باستخدام الرصاص الحي بكثافة أكثر ضد المتظاهرين الفلسطينيين في نعلين وبلعين مثلا، فمن يتوجه من رام الله إلى الأمم المتحدة طالبًا النجدة، لا يحق له شمّ رائحة غاز الفلفل فقط، بل رائحة الرصاص المباشر وهو يخترق جمجمته، ومن ينتج هذه الأنواع من العطور في غزة، عليه أن يتوقع بأن إسرائيل لن تكتفي بألفي غارة.
'لو تُهدم غزة والضفة الغربية والقدس بيتًا بيتًا وحجرًا بعد حجر أهون عند الأوادم من إزهاق روح السلام'، ولهذا إذا أراد الفلسطينيون السلام حقًا، فعليهم الكف عن تصنيع العطور في غزة أولا، وفتح هذه المنشآت أمام رقابة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدولية، ثم عليهم في الضفة الغربية أن يتوجهوا مباشرة إلى المستوطنين أنفسهم، وأن يعرضوا مظالمهم بشكل حضاري، مع رجاء الكتابة على ورقة نظيفة وسطرٍ بعد سطر، وبخط واضح، ولن يخيب ظنهم، فالمستوطنون في نهاية الأمر بشر، ولم يسبق لهم أن طهوا إنسانًا وأكلوه حتى لو كان من صانعي المقاليع والنقاقيف وكانت رائحته مسكًا وعنبرا..