أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
رشّ الميّ على الناس العزّل بالصيف…" !!

بقلم : سهيل كيوان ... 13.06.2013

من التندرات التي أعجبتني على شبكات التواصل الإجتماعي، هي تحوير أغنية سميح شقير ‘رش رصاص على الناس العزل يا حيف’ المخصصة للحالة السورية’، لتصبح في الحالة التركية ‘رش الميّ على الناس العزل يا حيف’ وهناك من يزيد ويقول ‘على الناس العزّل بالصيف’، إمعانا بالسخرية من أولئك الذين قفزوا على المظاهرات التركية لتصفية حساباتهم مع النظام التركي، يحدوهم الأمل بأن تتحول إلى مجازر ومقابر جماعية وذبح وقصف بالطيران التركي لإسطنبول وريفها، ولجسر مضيق البوسفور، ونزوح ملايين الأتراك إلى دول الجوار، فراحوا مع بداية المظاهرات الاحتجاجية في ساحة تقسيم، يكيلون الأوصاف الموجهة عادة لأنظمة الإستبداد الدموية، فوصفوا أردوغان بـ’الدكتاتور’، و’السلطان العثماني’ وهذا بالمناسبة يناسب اسم مطعم أو محل أراجيل، ثم نظام ‘الحكم الفاشي في أنقرة’، والذي حان الوقت لتخلص الشعب التركي المظلوم منه، ووصفوا شرطته بالمجرمة والفاشية.
هذا والتحريض لم يأت من جانب أبواق النظام السوري فقط، فالحقد جاء أيضا من جهات لا تستطيع أن تغفر لأردوغان نقله تركيا إلى مصاف الدول القوية عالميًا على الصعيد الإقتصادي، فأمريكا الرسمية لا تشعر بارتياح بإزاء الحكام المسلمين سوى للنموذج المتخلف الضعيف، ويصعب عليها تقبّل وجود حزب إسلامي معتدل ممكن أن يخدم شعبه وبلاده ويطوّر علاقات تبادل مصالح واحترام مع دول وشعوب العالم، أمريكا تفضّله نظامًا على غرار السعودية تابعًا مطيعًا متذيلا اقتصاديا لا يستفيد شعبه من خيراته، بل يذهب معظمها إلى الخزينة الأمريكية مقابل حماية الأسرة المالكة، والسكوت على ممارساتها القمعية على كل المستويات.
الإسلام عند أمريكا لا يمكن أن يكون إلا فاشلا وخاضعًا أو إرهابيًا وتخريبيًا ومتخلفًا.
أما أوروبا التي رفضت قبول تركيا في عضوية اتحادها، فهي لا تنظر بعين الرضى لنجاحات نظام رفضته مرة تلو الأخرى بدون سبب مقنع، وكي تبرر عدم قبولها لتركيا في الإتحاد الأوروبي، لا بد أن يكون اقتصادها متخلفًا وعاجزا ونظامها دكتاتوريًا، أما نجاح حزب العدالة والتنمية فهو ذنب لا يغتفر.
أما إسرائيل بقيادة نتنياهو، فلا يمكن أن تتسامح مع موقف أردوغان من الفلسطينيين الذي يتقدم على مواقف عربية كثيرة، ولا عن علاقته بحركة حماس بشكل خاص، ودعم فلسطين في الساحة الدولية، ولا يمكن نسيان موقف أردوغان من شمعون بيرس في مؤتمر دافوس إبان العدوان على قطاع غزة عام 2009 المعبّر عن كرامة وعزة لم يعتادها حكام إسرائيل من من قيادات العرب، ثم أحداث سفينة مرمرة وما تبعها من ضرر إعلامي لإسرائيل، (التي يصر بعض العرب أنها تمثيلية)، ثم إصرار تركيا على اعتذار إسرائيلي رسمي وتعويضات لائقة لذوي الضحايا الأتراك، وهي التي تعودت أن تفعل السبعة وذمتها ثم تحظى بجائزة، وقد حاولت إسرائيل استبدال السياحة الإسرائيلية إلى تركيا باليونان وقبرص كعقوبة للأتراك، وهو أمر لم ينجح، ولم يثن الأتراك عن موقفهم، هذا لا يعني عدم وجود علاقات تركية إسرائيلية وتعاون عسكري متوارث، ولكن العلاقات في السنوات الأخيرة أضعف بكثير مما كانت عليه سابقًا.
أما المتشفي الأعظم فهو النظام السوري الذي قفز متلقفًا هذه الهدية من السماء فلم يبق ولم يذر، فوصف النظام التركي بالفاشية وراح يحتج بصورة مثيرة للعجب على’قمع المتظاهرين السلميين في تركيا’، وكأنه مصاب بحالة انفصام.
ووصفت رش الشرطة للمتظاهرين بالماء وقنابل الغاز بالعمل الإجرامي (عندنا يرشونهم بالأرز)، بل راح يتساءل عن سبب وقوف المجمتع الدولي صامتا أمام جرائم النظام التركي (عندنا لا توجد جريمة).
لست بصدد الدفاع عن أردوغان وحزبه، ولو كنت تركيًا اليوم ربما انضممت إلى المحتجين على المس بمعلم بيئي في ساحة تقسيم، ولا أدلي بصوتي لأي حزب ديني مهما كان متنورًا وليبراليا وناجحًا اقتصاديًا، وكنت سأصوت لحزب علماني مئة بالمئة، ولكن ما يجب أن يعترف به كل أولئك الغاضبين من أردوغان غيرة وكيدًا أنه لم يصل السلطة بالوراثة، ولا بتعديل دستوري مستعجل، ولا دستور بلاده يسمح له بذلك، أردوغان وحزبه حصلوا على تفويض من شعب حر بتصويت حر، أردوغان الذي يحاولون الغمز عليه بلقب ‘السلطان العثماني’، ليس سلطانًا بل رئيس جمهورية ومواطن وصل إلى السلطة بشرف وبقرار من شعبه، وهو نفسه يدعو شعبه للاحتكام إلى صندوق الإقتراع بعد سبعة أشهر حيث ستجري انتخابات بلدية، ومن لا يعجبه حكم أردوغان وحزبه بإمكانه أن يصوت لحزب آخر دون أن يُفصل من عمله، ودون أن يتهم بالتآمر على مصلحة الوطن العليا، ربما يكون أردوغان فاسدًا كما يدعي البعض ولكن القانون لن يحميه، لأنه لا يوجد هناك شعار (الله..تركيا رجب وبسّ).
تصوير انتفاضة الشعب التركي بانتفاضة الشعوب العربية هو ظلم للأتراك بكل فئاتهم معارضة ونظامًا، فالشعوب العربية انتفضت على الفساد والإقصاء والقمع والتسلط واغتصاب السلطة وتوريثها والإفقار، وللمحافظة على ما تبقى لهم كبشر وليس دفاعًا عن نهر أو حديقة، وهي ثورات لن تتوقف رغم العراقيل والارتدادات وحمّامات الدم حتى تحقق ما بدأت لأجله وهو حرية الإنسان العربي.
نأمل أن يتوصل الأتراك إلى تفاهمات ويتجاوزوا هذه الأزمة، وأن يحافظوا على إنجازاتهم، ونأمل ونتوقع من أردوغان أن لا يكون مثل الزعماء العرب مهما تعنتت المعارضة، وأن يبقي الحوار وصناديق الإقتراع هي الفيصل، وخراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع هي وسائل تفريق المتظاهرين، وأن لا يلجأ إلى ما لجأ إليه الحكام العرب من قتل وتدمير، وليت العرب يتعلمون من النموذج التركي في إدارة بلدانهم بدلا من التشفي بالأتراك.