أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
الانتفاضة الثالثة: شعبية أم تحريكية؟؟

بقلم : عطا مناع  ... 26.02.2013

هاجس اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة يقلق مضاجع أركان دولة الاحتلال الإسرائيلي كما يدعوا، والسلطة الفلسطينية ترد بالنفي على الاتهامات التي توجهها لها دوله الاحتلال بأنها تعمل على إلهاب الشارع الفلسطيني كمقدمة لانتفاضة ثالثة،وبالمقابل فان قوى الشعب الفلسطيني التي تشكل حطب الانتفاضة الجماهيرية تعيش تفاعلات غير مسبوقة قوامهااليأس المميت من الوضعالقائم. حركة حماس دعت ولا زالت لانتفاضة في الضفة الغربية المحتلة، وهدفها من هذه الدعوة وضع السلطة الفلسطينية في الزاوية وتعميق أزمتها التي تتعقد مع مرور الوقت نظراً لاعتمادها الكامل على أموال المساعدات الأمريكية واستحقاقاتها عند دولة الاحتلال وبؤس المشهد التفاوضي، هذه المساعدات المرهونة بمزيد من التنازلات السياسية والأيدلوجية، كما أن حركة حماس معنية بتسجيل المزيد من النقاط على السلطة الفلسطينية وبالتالي إعادة خلط الأوراق من جديد وإطالة عمر الانقسام الذي بات بمثابة خنجرا مسموماً في خاصرة الحراك الشعبي الفلسطيني التواق للدفاع عن حقوقه الوطنية.
بالمجمل وبالاستناد لما يجري على الأرض فان الشعب الفلسطيني يائس ومحبط، ويأتي هذا الإحباط من عدم اقتناعه بالقائم من السياسي، وهنا لا نتحدث عن أطراف الانقسام والمستفيدين من الكعكة، نحن نتحدث عن الشرائح الفلسطينية الأكثر فقراً والتي دفعت الثمن الكبير في الانتفاضة الأولى والثانية على أمل الوصول للنتيجة المرجوة دون جدوى، هذه الشرائح اليائسة لن تضع لحمها ودمها على طبق الشريحة السياسية التي استخدمتها وأدارت الظهر لها بالرغم من أن الانقسام الفلسطيني اوجد أجسام باتت بمثابة اذرع تنفيذية للجسم السياسي الرسمي ونسوق ما حصل من هبة احتجاجية على سياسة فياض الاقتصادية التي اعتقد جازماً أنها موجهة في نتائجها ولأسباب معروفة تعكس حالة الصراع بين فياض ومن يطمح اخذ مكانة من مراكز القوى الفلسطينية.
المعروف أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى انتفاضة أطفال الحجارة جاءت نتاج تراكم موضوعي لسياسات الاحتلال القمعية تجاه الشعب الفلسطيني، وما كانت حادثة جباليا سوى القشة والشرارة التي أشعلت فلسطين المحتلة عام 1987 ، وإذا ما عدنا للوراء سنجد أنها شعبية بامتياز، حيث شاركت بها كافة شرائح وفئات الشعب الفلسطيني عن قناعة راسخة من خلال التناغم مع تعليمات القيادة الوطنية الموحدة، وكانت الانتفاضة الأولى قد أسست لحالة متكاملة من المقاومة الشعبية الشاملة سواء على صعيد مقارعة جنود الاحتلال في المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية أو التأسيس للاقتصاد ألبيتي والشعبي والتعليم الشعبي وولادة قيادات شبابية نظيفة استطاعت أن تحظى على ثقة الجماهير الفلسطينية.
لا يمكن بالمطلق سحب الحالة الانتفاضية الفلسطينية الأولى على الانتفاضة الثانية التي أخذت شكلاً مختلفاً وصل إلى حد الصدام المسلح مع دولة الاحتلال الإسرائيلي واتساع ظاهرة العمليات الاستشهادية ما قلل من نسبة المشاركة الشعبية الشاملة مقارنة بالانتفاضة الأولى، ناهيك عن المقدمات والنتائج والمزاج الشعبي المختلف بالمطلق إضافة للأداء النخبوي الذي مس الجماهير وفتح المجال لبروز المجموعات المسلحة التي غلبت عليها المبادرة في مقاومة الاحتلال بمعزل عن إستراتيجية عمل وطني متكاملة كما الانتفاضة الأولى.
عودة للتوقعات باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة المحتلة وسياسة الضخ الإعلامي ألاحتلالي الذي ينقل تخوف دولة الكيان من الانفجار الفلسطيني القادم الذي لا اعتقد أن هناك مقدمات لهذا الانفجار بالرغم من حالة الغليان التي تسود بعض القطاعات التي تتبنى المقاومة الشعبية ضمن المقاس المتفق علية فلسطينياً، وبالتالي فان دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تعيش "مأزق تفاوضي" وسمعة دولية سيئة بعد ارتكابها جرائم حرب في قطاع غزة واستباحة الأراضي في الضفة المحتلة والمجال الذي أعطي للسلطة الفلسطينية بملاحقتها في المؤسسات الدولة بعد حصول الفلسطينيين على دولة بصفة مراقب.
هي أسباب تضاف للتركيبة اليمينية في دولة الاحتلال التي تعتمد الأزمات للخروج من الأزمات التي تعيشها دولياً للإظهار للعالم أن الشعب الفلسطيني يتبنى"العنف" وان السلطة الفلسطينية ترعى هذا"العنف" كما تم الترويج له في الانتفاضة الثانية، ولا اعتقد أن دولة الاحتلال متخوفة من انتفاضة ثالثة لا بل وضعت المقدمات من خلال الاعتداءات اليومية على الشعب الفلسطيني سواء بمصادرة الأراضي او الاعتقالات اليومية التي تطال العشرات من الفلسطينيتين ناهيك عن المجازر اليومية التي ترتكبها ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونها واعتقالها للأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار وإدارة الظهر للأسرى المضربين عن الطعام حيث تجاوز الأسير المحرر سامر العيساوي السبعة أشهر في إضرابه عن الطعام.
السلطة الفلسطينية تجد نفسها عاجزة عن التقدم والحفاظ على أسباب استمراريتها فالأزمة المالية الخانقة ولمكانية انهيار ما أسس له أوسلو رغم أن الولايات المتحدة ودولة الاحتلال ستبقى على الوضع القائم "لا موت ولا حياة" لأنهما معنيتان بعدم فقد السلطة السيطرة وسيادة "الفوضى" في الشارع الفلسطيني، ولذلك فان السلطة الفلسطينية في وضع لا تحسد علية قد يدفعها لإطلاق انتفاضة تحريكية للضغط على دولة الاحتلال وحشد تأييد دولي للقضية الفلسطينية، لكن الأداء الفلسطيني المعتمد على المقاومة الشعبية التقليدية التي لا ترتقي لمستوى الانتفاضة الأولى بالتحديد سيكون عقبة أمام انتفاضة شعبية عارمة ولإدراك الشعب الفلسطيني أن القيادة السياسية تستخدمه لتحقيق أهداف محدودة ثم تقوم بتقيد حركته مما يعزز عدم الثقة واتساع الفجوة ما بين القيادة السياسية والشعب الفلسطيني التي هي واسعة أصلا ولا اعرف إذا كان المستوى السياسي يرى هذه الحقيقية.
المشهد الفلسطيني صعب وينطبق علية المثل القائل" العتمة مش على قد ابد ألحرامي" والمقصود دولة الاحتلال، وما يحدث في سجون الاحتلال الإسرائيلي من مبادرات فردية باضطراب الأسرى عن الطعام نتيجة عدم الثقة والشعور بأنهم وحيدون أمام بطش الجلاد الإسرائيلي قد يفتح المجال لانطلاق مقاومة فلسطينية من طراز جديد، مقاومة قوامها رفض كل ما هو قائم تعتمد على المبادرات الفردية التي قد تتسع لتشكل خطر على كل ما هو قائم وتعمل على خلط الأوراق، وكانت دولة الاحتلال الإسرائيلي اعترفت بحوالي 18 عشر محاولة اختطاف جنود إسرائيليين في الضفة الغربية مما يعطينا مؤشراً للوضع القادم الذي قد ينسف كافة الترتيبات ويقلب الطاولة على رؤوس الجميع.
في المحصلة فإنني اعتقد أن الوضع الراهن لن يراكم لانتفاضة شبيهة لانتفاضة الحجارة وسنظل على الصعيد الشعبي نراوح مكاننا بتحركات اسبوعية في القرى التي تقاوم الجدار وتحركات محدودة جداً في التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام، والأكيد أن الفراغ القائم لن يبقى طويلاً ولن يستطيع احد توقع المشهد الفلسطيني في المرحلة القادمة ويوضح هذا تخبط كافة الأطراف وبالأساس دولة الاحتلال التي تعتقد أن الإفراج عن أموال السلطة سيشكل انفراجة.