أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
"البوكر" للرواية العربية... وتوسيع فضاءات الحرية!!

بقلم : د.خالد الحروب ... 14.01.2013

الرواية العربية بخير وتشق طريقها بثقة. هذا ما يمكن قوله عند التأمل في نوعية وتعددية الأعمال التي تتقدم للفوز بجوائز الرواية العربية السنوية المختلفة. الجائزة العالمية للرواية العربية (أو البوكر العربية كما اصطلح على تسميتها) توفر لنا كل عام وقفة مراجعة مهمة للاطلاع على ما وصلت إليه صنعة الفن الروائي في البلدان العربية. نظام الجائزة يعتمد الإعلان عن قائمتين طويلة (من ستة عشر عنواناً) ثم قصيرة (من ستة عناوين) هي الأفضل من قائمة الروايات الكلية التي تتقدم للمنافسة كل سنة وتزيد عن مئة وعشرين عنواناً في المتوسط كل عام. واختيار القائمتين القصيرة والطويلة يتم من قبل لجنة تحكيم مستقلة من مثقفين ونقاد ومتابعين وهي لجنة تتغير سنوياً. ولجنة هذا العام يرأسها الأكاديمي والكاتب المصري جلال أمين ومن أعضائها رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات.
في شهر نوفمبر الماضي أعلنت اللجنة القائمة الطويلة بعد قراءة كل الروايات، والأسبوع الماضي وعقب اجتماعها في تونس أعلنت عن القائمة القصيرة. القائمة الطويلة تضم خليطاً من روايات بأقلام كتاب وروائيين مشهورين مثل إلياس خوري «سيناكول»، وربيع جابر «طيور الهوليدي إن»، وإبراهيم نصر الله «قناديل ملك الجليل»، وواسيني الأعرج «أصابع لوليتا»، وكذلك روايات أخرى بأقلام شابة لم تكن معروفة مسبقاً. مفاجأة هذا العام تمثلت في أن القائمة القصيرة خلت من الأسماء الكبيرة، وسيطرت عليها أسماء شابة وصاعدة ومن بينها سيتم اختيار الرواية الفائزة بالجائزة الأولى هذا العام ويتم الإعلان عنها في أبوظبي في شهر أبريل القادم على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب. والروايات الست التي وصلت إلى القائمة القصيرة هي: «يا مريم» للعراقي سنان أنطون، و«أنا، وهي، والأخريات» للبنانية جنى فواز الحسن، و«سعادته السيد الوزير» للتونسي حسين الواد، و«مولانا» للمصري إبراهيم عيسى، و«القندس» للسعودي محمد حسن علوان، و«سائق البامبو» للكويتي سعود السنعوسي.
وقد تسنى لي حتى الآن قراءة أربع روايات (هي مولانا، والقندس، وأنا وهي والأخريات، ويا مريم) من الست التي تضمنتها القائمة القصيرة ومن تلك القراءة واستناداً إلى الإنتاج الروائي العربي للسنوات القليلة الماضية بالإمكان القول فعلا بأن الرواية العربية بخير وإنها تتقدم. فكل واحد من هذه الأعمال يقدم نصاً أدبياً يخرج من قلب الواقع المحلي الذي تناقشه (المصري الديني الاستغلالي في «مولانا»، والسعودي الاغترابي الذاتي الحائر في «القندس»، واللبناني الاجتماعي الأنثوي في «أنا وهي والأخريات»، والعراقي الطائفي المتشظي في «يا مريم»). والروايتان الأخريان تندرجان في ذات الهم المحلي وموضوعاته الشائكة، فكما يقول بيان لجنة التحكيم تعالج «سائق البامبو» ظاهرة العمالة الأجنبية في الكويت، فيما تعالج «سعادته السيد الوزير» الفساد السياسي في الواقع التونسي.
وهكذا إذن يستمر النص الروائي العربي، والأدبي بشكل عام، في منازلته التاريخية مع التابوهات الثلاثة التقليدية في المجتمع العربي: السياسة والجنس والدين. ففي المجتمعات العربية لا تتحكم هذه التابوهات وحسب في رقاب الأفراد وتقمع تطلعاتهم وانطلاقهم، بل تتحول وتتمأسس في شكل عمليات رقابية وتسلطية بيد نخب تستغل الخطوط الحمر وتراكم مصالح خاصة بها مدعية الدفاع عن المجتمع والمحافظة عليه. يتحالف السياسي مع رجل الدين مع شرطي الآداب في تخليق وضع اجتماعي مشوه يقف في وجه عجلة التاريخ ويطارد الأفراد وأرواحهم ويكبت كل إشراقة إبداع فيهم. والنداء غير المنطوق في النصوص الروائية العربية الفائزة في القائمة الطويلة والقصيرة كما في النصوص الروائية الأخرى الرحبة سواء التي شاركت في المسابقة أم التي لم تشارك وعلى مدار السنوات الأخيرة الماضية هو نداء الحرية والانعتاق. إنه النداء الوحيد الذي يستحق أن نقف وراءه جميعاً ويستحق الظفر بكل الدعم وكل الشرعيات. والحرية هنا لا تقتصر على الحرية السياسية وحسب، بل تتعداها إلى الحرية الاجتماعية والدينية وأن يكون الفرد لا غيره هو المسيطر على ذاته.
ولا يعني ذلك قصر معيار الحكم على جودة أي نص روائي أو أدبي على «الموضوع/ المضمون» حتى لو كان في رفعة نداء الحرية والانعتاق. فالنوع الأدبي في المبتدأ والمنتهى ينبغي أن يُحاكم من منظور إبداعي وأدبي، وأن يتقولب المضمون وموضوعه في الشكل الابداعي المعني شعراً، أم مسرحاً، أم رسماً، أم رواية كان. فالشكل والصنعة الأدبية في نهاية المطاف هو الذي يعطي العمل المكتوب هويته الإبداعية ويحميه من الوقوع في مباشرة الخطابية والوعظية المباشرة. ومن دون الشكل واللغة والحذق الأدبي والتصويري والمناورة في التركيب والتقديم والتأخير والحبكة السردية النصية تتحول الرواية أو النص الأدبي إلى مقالة اجتماعية أو سياسية نقدية جافة لا روح فيها. ما التجديد في النصوص الروائية الجديدة إن كانت تحوم في معظمها في مساحة الثالوث المحرم: السياسة والجنس والدين؟ وأليست بهذا الأسر الاختياري في إطار هذا الثالوث تحكم على نفسها بالرتابة والتكرار وملل الكاتب والمكتوب؟ الجديد فيها هو الشكل والقالب الذي يتم قولبة الموضوع فيه وتقديمه بشكل جذاب وكأنه لم يُعالج من قبل. هذا الشكل الجديد هو ما نراه مثلا في «يا مريم» عندما يعالج أنطون سنان معاناة المسيحيين في العراق من تعصب الجماعات السلفية وتفجيراتها للكنائس وللأحياء المسيحية، أو ما نراه في «مولانا» حيث يبدع إبراهيم عيسى في تصوير الداعية التلفزيوني الذي تهمه مصلحته الذاتية على أي شيء آخر، أو في «القندس» حين يتألق محمد حسن علوان لغة وتركيباً وخيالا في تشريح معاناة ابن الرياض المشتت بين أجيال الماضي وتطلعات المستقبل وإنتاجات المجتمع لأفراد متماثلين/ قنادس.
الجائزة العالمية للرواية العربية، التي أسسها مثقفون عرب في المنطقة والمهجر وبالاستئناس والاستفادة من تجربة جائزة البوكر البريطانية للرواية، استطاعت خلال خمس سنوات من عمرها أن تعزز من حضور الرواية العربية محلياً وعالمياً. ولعل نظام إعلان القائمتين الطويلة والقصيرة وما يرافقهما من جدل ومتابعة للروايات ومفاضلة بينها ونقد ولغط يخدم التعريف بالروايات المتنافسة أيضاً. يُضاف إلى ذلك أن آلية التحكيم تحافظ على أكبر قدر ممكن من النزاهة حيث لا تتدخل الجائزة ومجلس أمنائها في اختيار الروايات أو تفضيل إحداها، فذلك منوط بعمل لجنة التحكيم بشكل حصري، وهي اللجنة التي لا يتم الإعلان عن أسماء أعضائها إلا بعد الإعلان عن القائمة القصيرة وذلك لحماية الأعضاء من الضغوط ومحاولات التأثير المباشرة وغير المباشرة. بقي أن ننتظر لنرى من يفوز بالجائزة لهذا العام.