أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
فلسفة السراب!! - الجزء الاول –

بقلم : زهير بن عياد ... 28.12.2012

فلسفة بدوي طاعنا , ظاعنا وسط الاياييم الغابرة كتبها حينما كانت تلفحه الهبائب والسموم بجريه وراء الابل في بادية النقب - 1- أ )
تتلاطمني بصميم دماغي الافكار والرؤى وتعصف به ، إجتمعت علي قائلة ، عش كأقرانك ، لا تتثقف لا تتعلم لا تنقب ، لا تدون ، مالك ولهذا ، لا تجشم رأسك بأعباءا ثقيلة ، ردحا بقيت على ذلك حتى تحتحت أبحث لي عن منجى ...
أدمى السوار معصمي ، وشبيت عن طوق شبابي ، واشرفت وهادا قاحلة ، آيست ، سايست ، قاسيت ، قايست ، زعمت أن قادمي من الأنهر حبلى بما يساورني ، توهمت ذلك عرضا قريبا قريبا ، وفي برهة سنين حصحصت الحكاية ، شككت أن ذلك لن يعود ما لم يعد القارظ العنزي ، فهممت الرحيل ، المال ويح المال ، مال بي ميلة فميلات ، طمعت به فقال لا تأتني حتى تنبذ أفكارك وأدبك ظهريا ، أتيته طواعية لكن مكسور الخاطر ، أحول نظري إن وقع على وضما لكومة من الأوراق ترثي لحالها ، خططتها يوما ، ومن شدة شعوري به أخرجتها من بين العظم واللحم ... عديد مقطوعات نسجتها بيأس لا ارتجي خيرها ولا زعزوع مذهبها ، روايات قصص وحكايات مقامات برأسها ، أدب ، تحقيقات تاريخية ، تحليلات سياسية ، انجرار واعجاب ومساهمات بالدعاية القومية العروبية ، غوصا واهتماما بالحركات الجهادية ، واهتماما خاصا بقيام الوهابية ، تراثيات اصلانيات انساب واحساب ، كل ذلك ويزيد بكثير إقتصم من قصعة جمجمتي ولبها الكثير الكثير فقضمت منها حتى شتت كل مشتت ، وضعت في بحورها ، فاعتمرت لذلك خديعة ، أكيد نهشي ونهمي وشهيتي بها من كل ذلك ، فكنت أخط الاوراق وارسم واحلل وأقيم وأخلع وأدون واكتب ما يسعفني ذلك ، فأجده منفسا اسكن اليه وارتاح معه ،حتى غدت في ربيعي الرابع والعشرين مئات الأوراق ، لتزداد في برهة قصيرة لتصل لالفا ونيف ، كل ذلك وتلازمني من الحزن نبرة ، وكأن لي ضالة انشد عنها في حقول الضياع ، أحاول ان اوطن نفسي بناحية عساي ارتاح فلم أوفق .. مزقت كل ممزق ، أمرا وحيد انقذني من كل ذلك أنه المال ويح المال ! أجل المال أزحت تراثي جانبا وفزعت أميح المال من هنا وهناك ، في قرارة نفسي أن ذلك فرارا من هموم فكري واختباءا ، بالمال وتقطيع أوصال الوقت تجد التسلية ، نعم ما كانت هذه الاوراق يوما لتمدك بالمال وترفه عيشك ، نعم ، حقق الفتى بعض ما أراد ورغم أنفه ما زالت نبرة الحزن وطيف الذكرى يلازمه ، كان ومضت بمخيلته الآف الأفكار والرؤى ، وهذا الذي كان ، ولكن هيهات هيهات وشتان شتان وبعد البعد ما ارد ، واستقصى اللانهاية القصية ، فقد أبلاه الحزن كما الخلق الممزق المهتك ، فانهار ووهن وتلف وانحط في قرار ، وانسلت منه بغفلة تينك الافكار والعبقريات ، آه لو احتفظ بها ، آه لو لم يغزه الحزن وسلم منه ، لكان نابغة عصره وأوحد زمانه وقطب البراعة ، وركن من اركان النهضة ، ربيبا للمعاني ، وعمودا للطرافة في فنه ، لكان أملحي لولعي ازهري ، أو قل لكان صعيد رجال في رجل واحد ، رغم صغر سنة وهزالة شحمه وضمور صلبه وخطوطا بجبينه ، إلا أنه سمين الفكر والعقل مكتنز الأخلاق والمروءة بدين الفعل والعمل ، فقد أختزن عظاما شدادا وكل فخم ذو سؤدد واقتحم كل الصعاب دقها وجلها ، لكنه ولم يتجاوز ربيع عمره ، أصابه كيد كائد فاستوهر وضعف وخار ، وكن سرا على خواطره واعتقاداته بمكنونات نفسه ، بحسرة غلبه الحزن فلم يخرج ما أضمر ، ولو دام السرور لأتى بالعجاب !
طواه اليأس رغم توفر الظروف التي بنظر "الاعراب" صاحبها بخيرا ونعمة ، إلا ان للحزن فيه غصة ، فاستعجم الدرب ، وذرب حظه وغار !
أهي ضالة مستحيلة ينشدها طويلا دأب على تقصيها بأركان المعقول واللامعقول ، نعم كان في متاهات الفكر العكر يميل باكآمها ويتقوس ، ينادي أنه براء مما حل به ....
حتى صادفت أخي المبجل ذاك ، ناولني كتابا قائلا عليك بهذا ، وارسل ألي مقطوعة رائعة وأبدى أهتماما ، فتزلف القفل وتحلحل وتخلخل ، فبدأت استذكر "كود" قلبي السري علي أعيد فتحه واميط صداه ، فجزاه الله عنا كل خير ، فهي دماءا جديدة ضخت ، وشب الفكر من جديد مزهوا بتاريخة ينشد العود عودا أزهري :
الأقاليم الستة :
هناك
حيث الدروب الصفراء
رافقتني على مهل ، السراء
بت وحيدا تساور خلجي الابجديات
وردت ضفافا بلا نهاية
وشتتني الافناء بأقاليمها الستة
ملت مع كل واحد ،
ولي وسطها غارة وحكاية
**
1) كراميا بلا هدف
أصاب سهمي
ولم يعد ، طولا
تهت في روح البداوه
ملكتها لب قلبي
ولها خطيت ما يخط العاشق
ماشقا ذروة اخلاقه لمعشوقته
مذ بضعة سنين ، ادركت
أني اخطأت الرماية !!
**
2 )كما لو صبت من مرمر
زرعت بصفاح جمجمتي
رغم قفها الصلب
مواثيق العروبة
تسحلت وتسلحت
للانساب والاحساب
وكانت لي بأياييم العرب الغابرة
أوسع خبرة ودراية !
**
3) تجسدت بديدنها
من اللابوابة أتت
ولمكان بعيد ارشدتني
تزعم اني بذلك احرر نفسي
رحلة محاربا اسطورية
بحثا عن الحقيقية
في بلاد آباد وسمرقند
ومن تورا بورا أزفت النهاية !
يتبع
**
ب ) لست من يسار الوسط ، ولا من أقسى اليمين ، ولن ارتضي بحلا وسط ، ولن استدير بمستديرة ، ولم يكن اسلافي من الطبقة البرجوازية فلم يعاشروا الاقطاعيون ولا البرابره ، وبالرغم من هذا بإسره ، الافكار حبلى بمخ دماغي حتى حتحتت وأثقلت راسي ، فغدوت أشتهي لذلك منفسا ومخرجا ، ظننت لذلك أن العملية الجراحية ستجري بيسر وهوينا ، لكن وقع هول احداث درامية بتسارع غير المسار فياسرت ندا عن الميامن ، وطأطأت بالتراب عقب أن نظري للغراب ، ترهل وسكون ينتاب بعضي ، وبعضي من بعض ، حتى أمسيت بغبراءا أنشد من حواشي الكلم ما لا يعقل لا ولا يستساغ :
وقبر حرب بمكان قفر --- وليس قرب قبر حرب قبر
بذات يوما لا اعده من نهارات الف ليلة وليلة ، حططت بثقلي الذي لا يتجاوز 50 كيلو على جلمود قف ، تسارع الي بعض أهلي بكأس نسكفيه ، ظننت لحظتها بلا وعي أني آل سعود وتينك الحاشية ، وشيوخ ربيعة ومضر وقحطان مقبلون مدبرون الي وعني ، ردهات وبون أفكار تسللت ألي ، سرعان ما قطعها وشتتها صوت أبي ينهرني " بأن املأ قفير الغنم " فتسللت الافكار نوبة اخرى انسلال الماء وانسيابه من بين فروج الاصابع ، ما أجمل اجتماعياتنا وما ألطفها وأوئمها رغم كل ذلك ، تزحزحت الى أريكة غير موسده احاول لملمة بقايا نوما مشرد ، ليس ذلك بخلا بالنفس والحياة ، انما فرارا من إذكاء الصبابة الى رمضاء الاحلام ... فلما التطلع ؟
فما يدوم سرور ما سررت به --- ولا يرد عليك الفائت الحزن
" ظلت من الحديث شراشب عديدة "
**
تبلبل لساني ، وتهلهل بياني ، وتخلخل كياني ، وتشنن كالشن الأشن شاني ، كأني بليلة ظلماء أدور خبط عشواء ، أو كأني في رابعة النهر تائه تيه العمياء ، قسمة تنازعتني بالاهواء ، ملت مع كل واحدة منها هنيهات ، حتى نفذت المؤنة وتشققت القراب ، وصدئت الحراب ، فما اقدر بأيها أضرب أيها ، لكن للقصة غصة وشجون ، تعود الحكاية الى روائع من روائع عايشناها بما سلف وتلف ، احداثا فارقة اعتبرتها واقع ، ولا اصدق من الواقع إن وقع ، إرتسم ذلك بصور تداخلت بافكاري كل التداخل ، من ذلك : كانت وما فتأت تكسرني امواج اشعة الشمس صباحا حين دخولها من خزوق وخروق وتشققات الصريف للبيت ، فتراها تتشابك خيوطا حريريه بغاية الروعة تتداخل مع ادخنة صاج الطهي التي تفر لمصيرها المحتوم نحو الفضاء ، هي أشراقة تدب فينا اوصال الحياة وانفاسها ، مع ذلك يمر النهار كلمح اللمح ، حتى تهب هفائف العصر العتيق بما يحملة من سكون ودعة ، سكونا يمتزج بموسيقى صحراوية في غاية الغاية إذ أن صوت الرياح عصرا وتموجاته حين يحز في الحبال باوتادها فتسمع صريرا وصريكا يشكل لوحة موسيقية فنية في غاية الجمال ، لوحة لم يكتشفها الاساطين كامثال الاصفهاني وبيتهوفن وموتسارت ومن على اشكالهم وقع ، أجل لهذه التصاوير وأكثر كان اثرا في تشكيل حياتي الفطرية ما اعتبرته بحدود معرفتي فضائل تستحق الاشادة . يتبع
**
ضاق بي الفناء بما رحب ، وأبى شفق الغروب ألا يزيد همومي ويكركبها ، اجهد ان أمسك بخيوط إحداها ، معتقدا بما قالوه الدواء من الداء ، فلم استطع لذلك سبيلا ، سكون وسكينة تمر علي بهذه اللحظات ممزوجة بمقت وغضب داخلي ، احاول ان أتلصص له منفسا يريحني من عناءه ووعثاء طوله ، تمر علي حبائل الذكرى فأنتقي منها اطايبا جسرت عليها فيما مضى ، واليوم ويحه من يوم غدوت اتحسر عليها ، ويك لك من دنيا حملك غير محمول ومستقبلك مستقبل جب مجهول وماضيك به الراحة والحلول ، أأفتي لذاتي والعصر عصر مقلتي حتى شحتا ، ام أتركها لما هو آت بكل سهولة وانسيابيه ، على هشاشة الفكر وتأرجحة وتصلبه المميت نبتت فكرة لم تكن مجرد فقاعة لمن وعيها ، بل طفرة آن لي ان اقصها عليكم لتشعب الحديث وتعدد روافده ، وبلا مواربة ، ستكون إجراءات وأي اجراءات ، تستند للعلن ، وتغوص به ، بسم الله استهل :
كان هذا في سنين خلت ، كنا نرد وننهل من قلت ، تشابكت يوما المتاهات ، فطالت عنا المسافات ، وأضعنا السبيل :
اراد طريق العنصلين فياسرت --- به العيس في نائي الصوى متشائم
قلت لأخي : دعها فربما يأتي الخير من باطن الشر ،سنجرب حظنا في تلك التلاع ، فاثبت ولا ترتاع ، سنرافق قوما ما لهم طباع ، قعقعتهم كغنام لا ماء فيه ، وسكوتهم كصوت بوم يتشاهق بفيه ، بيئة تعج بالنفاق والرياء ، ودعاية مبهرجة ، واكاذيب مفبركة ،فعش بتدبيرك حتى تبلغ الغاية ، وإن احدودب بك الزمان وتقعر ، فارضى من الغنيمة بالسلامة حتى حين ...
تناثرت بعض اشلائي على التلاع القبلية ، وتشبث بعضها ببلادن وادي الشريعة الآن وفي ظرف شهور ساقتحم السادسة والعشرين احمل قسطا من الذكريات ، في معزل سقطت كليما ... كانت كاللجة يحملها الماء ، متى ثقلت غاصت بالاعماق ، ومتى خفت تقاذفتها الامواج ... في كواليس المسألة وفلسفتها الخفية يظهر الطغيان العشائري المقيت . يتبع
**
تهلهل الواقع امامي وجفت منابعي ، فغدوت اميح باعياء شديد وسط حر القائظة وقر الحالكة ، عبثا احاول انتزاع ردا يليق بالمقام الانف ويرتقي . ولكن هيهات هيهات ان ينتزع الشوك من الصوف ، تناغمت ابجدياتي فتركتني صريعا انشد متى هبت رياحك فاغتنمها ، بجهد جهيد لملمت ما فضل منها فاذا بها تنسل نوبة اخرى كانسلال الماء بين فروج الاصابع ، احترت طويلا لانحني واحدودب امام " نوت الفراعنة " ، علها تجيد علي ومن الجود ما قتل ، علها تسعفني ببعض افكار تروم الى صرح ما سطر وخط ، لحيظات سريعة حتى تواردت علي افكار حراش ، فبت كحراش اذ تفرقت عنه الظباء فما يدري حراش ايها يصيد ... الا انه ومن صلب والواجب وبحكم المعاناة ، لزاما علي ردا ما :
يسير العديدون على الدرب
لكن ، كلهم هل يصلون
هدفهم ودربهم متشابكان
من دون رفيق ، تكون هذه
الدرب موحشة مضنية
جميع اصدقائي حولي
لكن هذا القلب خالي
الدرب طويل
والليل سرمدي
وسراب يتراءى
واصفرت الجهات
ودمدم هشيما يابسا
بذاك الكثيب الكئيب
ويح لي أين كنوز الاغريق
لا ريب ان مباري الريح
احد انفس بقايا البقايا
للتايتنك
فلو دري الاسبان به
انه حيا من الاحياء
ج) تتبعت خطى حادي الهم حين يحضر همه فيصرفه بعوجاء مرقال ، فسرت من سانت كاترين ووقفت بوجه زحف الرمال ابحث عن خطى السيزيفي لورنس ، وقديما عهدت نفسي لا تبالي ولكن رابني من بنات الدهر أمرا ، فأزمعت الرحيل واسفرت للسفر كعبي متوهما بربع موحش قفر سرمدي جرهدي ، فلا اقتنعت بالجزيرة وما ملئت كفي ولم استشفي فقلت سر مسير البحتري وارجز القول فحملني بساط الريح نحو قدور الحجر حاولت ان اختلس الخشوع وسط سكون الامسيات واطراف النهار ، تهيأت هتاف هاتف ابي قبيس فخانني ، فتخضرمت كابن ابي سلمى وكأني خريت عن شاهق راق ، فما بقي بوجهي سوى تدمر هبت رياحها فقلت اغتنم ويحك قبل ان تغتم ، فها انا لهناك اعدو ، وسلحدثك حديثي حالما اصل !!
**
د ) كشهيانة استقرت ببواسق النخل ، أو قل كسحاب سرى ببرقه ليلا ، يتراءى لناظره وميض نار ، اوقدها الظلماوي حين ينهر كليب " يا كليب شب النار شبه " ، مثل ذلك او يزيد ، يقتحمني حين ألج هذه الحوائط ، وارد المورد العذب الزلالا ، قد ظمئت اياما طوالا وحشرجت الحلقوم وتيبس العرق واذوى خياله ، حتى اهتديت لحمى الدوحة الأبية ، منشدا أن قد صدق القائل حين قال :
اذا انت لم تشرب مرارا على القذى = ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
فقد شقت الانفس وتراخت العزائم وفترت الهمم وانحطت النوايا ، وتهت بطرق روما ، وكذبت من قال ان الطرق تؤدي لروما كلها ، فمال دربي قد مالت بي ، وان الهوى ليميل بالراكب حيثما مال صاحبه ، وان هواي مع حادي الطعوس ذاك ...
تماوجت فسيفساءي بفسيفساءه ، حتى غدوا كأخوي ابن نويره ، ورب اخا لك لم تلده امك ...
كفرسي رهان انطلقنا بمسارات خاصة ، والابصار تتلاحق شاخصة نحونا ، من له قصب السبق يا ترى ؟! من يصبو لشوطه الاخير ؟! متى سيأن للفارس ان يترجل ؟! اخترت حافة الوادي وتعرجاته ، تنفست الرمال ، دندنت بايقونة شقي الرحى ، قيل وبعض ما قيل ونتفا مما يقال ، أنا كركبتي بعير ... فما تختار انت أنت ؟ ...
للحديث بقايا
كفرسي رهان انطلقنا بمسارات خاصة ، والابصار تتلاحق شاخصة نحونا ، من له قصب السبق يا ترى ؟! من يصبو لشوطه الاخير ؟! متى سيأن للفارس ان يترجل ؟! اخترت حافة الوادي وتعرجاته ، تنفست الرمال ، دندنت بايقونة شقي الرحى ، قيل وبعض ما قيل ونتفا مما يقال ، أنا كركبتي بعير ... فما تختار انت مباري الريح ...
للحديث بقايا
**
ه ) بحثي عن الحقيقة 1 :
تشبثت بالسليقة ، وتكلفت السلاسة ، فأبين إلا ان أخالف الهوى ، فسبيت سنة كارل ماركس ، ونفرت عقب عناء من أسر ماكس ويبر ، وأوشكت أو أكاد ان أفر من بين نتوءات جيفارا ، والان أشحذ سكيني وبإعياء شديد وتثاقل بليد ، لانحر إرث " كذاب الخيام السود " من أم دماغي ، استوقفت عند الاخير طويلا ، وأظمئت نفسي النقي الزلالا ، وكم كم قدمت له قرابينا على مذبحه العشتاري ، وبلا وعي غنيت له الالياذه حتى استنفدت الغاية ، تهت طويلا في رمال الجزيرة وكثبانها أبحث عن علم " البدوئاطيا " فتخلفت عقليا ونفسيا مع تبع شهورا إثر شهور ورأيت كم طغى تبع هذا على عقول القوم في " زمان قال التبعي " ورافقته في غزواته الاسطورية نحو مجاهل افريقيا واطراف الأرض وشهدت تفرق القوم ايادي سبأ ، وعديت نقده نقدا لشرعا مطاع ، فلم تكن تنتطح في تاريخه بذاتي عنزان ، تجرأت فاقتحمت أبواب التاريخ قديمه وحديثة ، فتعددت عندي طرق روما - ولم أصل لروما - حتى يعود الق ، تجرعت جمرات العرب وأيامها فغدوت بعد هنيهات عصية كحاطب ليل ضجر ينتظر ان يهتف هاتف الصباح ليحمد القوم السرى ، لم احمد السرى ، بل انشدت سلام على ما مضى ولا سلام على ما هو آت ، عديت انشادي فيما بعد خروجا عن جادة المستقيم وشذوذا عن الفكر القويم ، اياما حوالك طفت فيها مع ابن الأثير وابن السراج والطبري وغيرهم ، اتسائل : أما بقي للقوم بقية ، في برهة سنين سقطت المعادلة ، فآيست منها ، وبنظرة عن كثب وعيت الأمور كلها وادركتها فها أنا اخط لكم تلميحا خجولا لترياقا عايشته طويلا أوردني قفرا جرهدي ، أحدو خلف سرابا يتراءى لي قديما ذكروا انه من المستحيلات ؛ لكنها درب الحقيق :
وإن انت لم تشرب على القذى مرارا - ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه***
قصدت في لحظة نوعية اعتاب ورثة البستاني وادعياء
مجده ، فوجدت بابهم من أبخس الثغور شأنا ، وأضعفها شوكة ، فكلي عليهم مغاظ ومحنق ، فاضطلعت على خبثهم ومكرهم ، ولو كنت من العرب العاربة من سطر الامثال السائرة في الناس لقلت عنهم أخبث وأكفر من " هؤلاء " ، رجعت لذاتي فاتهمت حصاتي ، دائما أنا ضجر متحجرا غليظ ، ساير القوم حتى تتبين خيطهم الابيض من سواده ، فراق لي حينها على نحو ما أن اتداخل وأياهم ؛ حتى شارفت حصونهم فكتبت لهم : أيها القومجيون يوم دير الجماجم منكم ليس ببعيد ، فارعووا ، فأني أخا سفرا بشعثاء مرتحل
**
و) تجمشت الأهوال ، وجهدت لأعبر خطوط الزوال ، واظمئت سجلي الحبر الزلال ، حتى جف ريقه ، وتخافت بريقه ، فاستلمتني ضيقه ، شعرت بصدري يتقاذفها كجذع شجرة جرفها السيل ، حاولت بأن اتداركها ببعض خيل ، فآيستني وخريت عن راق ، فاصبح نومي بمنابت الشجر والهيش ، وآلفت كل حية برقيش ، فارتعت من الفروع والضواحي ، فالتجأت حينها الى ذرى طال سنامه ، وكثر قيامه ، طعامه من سويق تمر ، وشرابه عصر سمر ، انه الولعي الطحطيح ، الطليق المليح ، قطب الصراحة والتلميح ، شهرته مباري الريح ، ظعنت وإياه بصحراء ابن شريح ، على بيضاءا من العيس ، كشمراخا مأصلها في العذق ، حتى بلغنا كنيس القليس ، ومررنا بدربنا بوهاد صعده وطمحنا لحضرموت لكن فاتنا الفوت فعدنا لعمق الصحراء نستوقف على كل اطما مشيدا بجندل ، ونحو مسافة من كل أكما يربو برابيه ، ونرد لكل بئرا معطلة ، عايشت الحقيقة هي كما هي ، ولم يرعني حلمك مباري الريح وهو على قدر ، فلله در حلمك وما ابعده عن حمى المتنبي :
وزائرتي كأن بها حيأً................فليس تزور إلا في الظلامي
بذلت لها المطارف والحشايا......فعا فتها وباتت في عظامي
***
ز) نبرة حزن :
ولد في قعر البطين في سنة نحتوها له نحتا ؛
كان ومضت بمخيلته الآف الأفكار والرؤى ، وهذا الذي كان ، ولكن هيهات هيهات وشتان شتان وبعد البعد ما ارد ، واستقصى اللانهاية القصية ، فقد أبلاه الحزن كما الخلق الممزق المهتك ، فانهار ووهن وتلف وانحط في قرار ، وانسلت منه بغفلة تينك الافكار والعبقريات ، آه لو احتفظ بها ، آه لو لم يغزه الحزن وسلم منه ، لكان نابغة عصره وأوحد زمانه وقطب البراعة ، وركن من اركان النهضة ، ربيبا للمعاني ، وعمودا للطرافة في فنه ، لكان أملحي لولعي ازهري ، أو قل لكان صعيد رجال في رجل واحد ، رغم صغر سنة وهزالة شحمه وضمور صلبه وخطوطا بجبينه ، إلا أنه سمين الفكر والعقل مكتنز الأخلاق والمروءة بدين الفعل والعمل ، فقد أختزن عظاما شدادا وكل فخم ذو سؤدد واقتحم كل الصعاب دقها وجلها ، لكنه ولم يتجاوز ربيع عمره ، أصابه كيد كائد فاستوهر وضعف وخار ، وكن سرا على خواطره واعتقاداته بمكنونات نفسه ، بحسرة غلبه الحزن فلم يخرج ما أضمر ، ولو دام السرور لأتى بالعجاب !
طواه اليأس رغم توفر الظروف التي بنظر "الاعراب" صاحبها بخيرا ونعمة ، إلا ان للحزن فيه غصة ، فاستعجم الدرب ، وذرب حظه وغار !
***
ح) تتداعى شمس النهار ، فتحسد الليل على " تعليلة البدو " ، تدرعت السماء أطمارها الارستقراطية ، والتف وطاف بعض الشيب والشبيب حول حفرة بسيطة ، بها ثلاثا كأنهن ابراج ماليزيا ، دلال القهوة ، ارتشف العجوز فنجاله الاول وتخطى التقاليد ولم يؤمن بفنجال السيف فسبق ذلك وزمجر وغضب وسب ولعن فقلت لمن حولي :
وراءه شأن ،
في مرآب الأفكار
ثمة فكرة عليها
من إصفرار الزمن
بعض غبار !!
ويح العجوز حين قال :
جلجلت ميسمي في ركوة ، حتى خالط احمراره سواده ، عندها إحمر بأسي فقصدت متطرف اليمين وجديت في طلبه ، لالحقنه ولأردن مورده ولأطئن قاعه ولو شطت به النوى الى الصين شرقا ، هيت لي به لأجدعن أنفه جدع عمرا لقصير ، أو لأشفهه شرما بخنجرا مذكي حتى ينطق الراء لام ، ماله غاب فذاب ، وتركنا على رسوم الديار بلا قباب ، فلترسلوا له قولي إن كان يعقل ، وليأتني عن يدا وهو صاغرا !!
أو هيت لي به لأترصدن له بكل مرصد ، ولأجثمن له بكل محفل ، ولأتربعن له بتراث اسلافه ، ولات له منجى وملجأ ، لأنصبن بوجهه كل سد وصد وامد له مدا ليرد مكفهرا على ذقنه ، يلعن ساعة حل بالطور بها فانتكس منقلبا على عقبية يضرب يسارا بيسار ، لأني سأقطع يمينة ، فاليمين أينما حلت هي لي ، فأنا من قيل بي :
وإذا ما راية للمجد رفعت --- تلقاها العجوز باليمين
*********************************
اعزائي هي فلسفة خرجت من القلب لن يدركها إلا من مر بمراحل حياتيه كالتي مررت بها ؛ لا تظنونها اشتات كلان نحرتها بلا وعي ، بل هي اقوالا اعتصرتها من رمال البداوة ، بإختصار هي حكاية وفلسفة فتى يربو على الخامسة والعشرين قضى عمره يركض وراء سراب الصحراء .. فعثر وفي عثرته دفن اطماعه في الاياييم الغابرة !
الحقوق محفوظة

كاتب من النقب