أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
الروهينغا ؛ صناعة الإبادة إزاء الصمت !!

بقلم :  زهير ابن عياد ... 18.12.2012

وسط غياهب الربيع العربي أو " الاسلامي " إن أردنا أن نحصحص الحكاية بصورتها الحقيقية ، قلت وسط هذا الربيع ألفت انظاركم أيها السادة لبقعة أخرى تكافح وتعاني - الأبادة - بكل ما للمفردة من عمق ، قلما يعرف أولي عصبتنا عن هذا الشعب أمرا ، فراق لي أن أضعكم في صورة ما يدور هناك بنبذ مختصرة إنطلاقا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
وبعد ، بمراجعاتي للاحداث التاريخية العظام ، كإندلاع حروب وتحرك دولا ضد الأخرى وغير ذلك ، تمحص لدي أن أبرز مردات ذلك هو أن هذه الدول تبتغي حماية اقلياتها في المناطق الأخرى ، سوانا نحن المسلمين تستثنينا هذه القاعدة ، فأقلياتنا أينما وجدت مهضومة مظلومة .
الروهينغا أقلية مسلمة سنية استدرجت بمكر الأنجليز لتجابه واقعها المعاصر في احداث تاريخية سابقة ، أنهم شعبا مسلم تمتد أصوله في شعوب شتى ، بعضهم ينسبهم للعرب واخرين ينسبونهم للفرس أو الافغان ، والرأي السائد أن مردهم للبنغال ، يقيمون في اراكان غربي ميانمار ( بورما ) ، يناهزون المليون إلا قليلا ، وصل الاسلام فيما وصل للبنغال وتلك البلاد بين القرون الثامن والثالث عشر ميلاديا عندما كان الانجليز في كهوفهم ، وذلك عن طريق الوافدين من التجار العرب ورجال الدين الفرس والفتوحات في المنطقة. أبرز هؤلاء وسنامهم هو المجاهد شاه جلال الذي وصل إلى مناطق بعيدة واسلم عل يديه الكثير من البوذيون ، العرب المسلمين الأوائل نشطوا في الملاحة هناك وأقاموا علاقات تجارية فضلا عن العلاقات الدينية داخل المنطقة وذلك قبل الفتح ، وبذلك يكون الاسلام دخل لتلك البلاد على يد العرب قبل الانطلاق التركي بكثير ..
تعتبر الأمم المتحدة الروهينغا " بأنهم أكثر الأقليات اضطهادا في العالم " وهذا الاعتراف الخطير لم ينبع من فراغ إنما تمخض عن كوكتيلا من الفضائح التي سترصع بجبين الانسانية التي تغاضت عما يجري هناك من انتهاكات ونكبات لأبسط حقوق الأنسان ضد الأقلية المسلمة التي تواجه أعتى الآت الظلم والحقد من قبل الأكثرية البوذية .
سجلت في أقصى صفحات التاريخ السوداء - والى الآن - مذابح رهيبة ضد مسلمي اراكان ، وملحمة هذه الأيام لم تكن الأولى بل سبقها مخاض تاريخي عسير للروهينغا إذ تعرضوا للاضطهاد المنظم المتواصل مذ بداية القرن الخامس عشر الى الآن ، مرورا بسني 1997 و 2001 ، وما جرى في حق المسلمين من اعمال شغب وتهور فظيع تطور الى ما نشهده اليوم ليدلل على سياسة ممنهجة عميقة تصل لحد استئصال الروهينغا من بورما واقتلاعهم .
استعر اوار الحرب هناك ، وهيمنة الراخين تزداد على اراكان فزعزعوا أمنها وهجروا قرى اسلامية كاملة ، واعملوا بها معاول الهدم والأفراط في القتل والتعذيب والحرق ، فشردت الالاف المؤلفة من المسلمين وسط انهماك الشرطة وحرس الحدود والحكومة " التي من المفترض أن تكون الفيصل بهكذا أوضاع " ، بالتحريض وتأليب الأعراق البورمية الاخرى ضد الروهينغا ، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع وصول المساعدات وابقاء حالة التشتت لدى هؤلاء المسلمين .
نعم ،انه الصمت الرهيب يصرخ بأهوال تلك الايام ، وتبكي الأرجاء والمكان الحال الذي آل اليه الموحدون وسط متاهات كيمياء السياسة التي تفرض معادلاتها في ليبيا ومصر والعراق وسوريا ، وهذه الأخيرة أرقت مجلس الأمن وما فتأت تستنفره ، ولا أعلم ما يضيره أيضا ليستنفر جهوده في ميانمار أيضا ، مجلس الأمن كما تعلمون ينعقد ويقرر دعم الليبين -كمثال- بالسلاح ، وهنا اتسائل وحق لي ولك : أليس مسلمي الروهينغا سيان في الوضع ذاته !
لا أهون الشرين في بورما اعزائي ، أمام شعب الروهينغا المسلم عنصرية الراخين القوميين من جهة وبلطجة حرس الحدود والشرطة الحكومية من جهة ، يقابلهما نفور وجفاء بانغلادش لأقليتها تلك .
عودا على بدء ، هناك بلا شك سيولة فائضة متدفقة من الارهاب العسكري السياسي القومي تمارسه سلطات ميانمار تجاه المسلمين واستنفرت لاستئصالهم واستقصائهم الاكاديميين والأحزاب والافراد والرهبان ، هؤلاء الاخيرين يعدون في البوذية من أشدهم مقتا وعداوة وعصبية وعنصرية للاسلام ، ورثة أبو جهل ومن على شاكلته ، يحرضون يزورون يهولون يصدون ، انظر لما يقوله احدهم لقناة الجزيرة " إذا ما وقع صدعا في بوابة مانيمار الغربية فستصبح البلاد مثل اندونسيا وماليزيا وافغانستان ، تصبح أمة مسلمة " ، يحسبون أنفسهم يطفئون نور الله ، فيا عجب !
انه التطرف ، العنصرية التعصب الارهاب الجريمة المافيا الحكومية تتجسد كلا منها وبقوة في اراكان ، ظروف مأساوية ، مساعدات دون المستوى المطلوب إن وجد ، لاجئين في مخيمات ، معاناة ، قسوة الشتاء ، فقر مدقع ، بواكير الأمطار بدلت بسواطير الراخين ، أوبئة ، لا علاج حتى المستشفيات هوجم الروهينغا بها ، عائلات قطعت اوصالها وتركت مزارعها ، أغلقت مساجدهم ،تهجير قسري ، هتك أعراض ،تدمير أماكن ، تمثيلا بالموتى ، عنف وشغب ودعاية معادية للمسلمين ، مذابح ، رصفت الجثث إن لم تحرق في قبورا جماعية ، انتقامات ، تعمد إخفاء القصة عن العالم الخارجي وقلب الحقائق ، ببساطة صراعا أخذ من الروهينغي واخوته كل شيء ...
الراخين مليون بوذي لا رحمة بقلوبهم يعتقدون انهم العرق الأسمى في مانيمار ، وينكروا على الروهينغا أنهم مجموعة عرقية مستقلة ، مدعمين بالطغمة الحاكمة هناك ،والتي ترفض تجنيس الروهينغا ولم تمنحهم أية حقوق سياسية ، تجد ترجمة ذلك في قول رئيسهم لمقربيه " أذهبوا بهم لأي دولة تريدهم " ليرتد صدى قوله على أرض الواقع بوبالا من الغطرسة والعدوانية والأضطهاد ابصرناه وعايناه ضد الروهينغا في السنة الأخيرة ،لتنضم لعقودا من المعاناة تتالى ، الغاية منها تدمير هذا الشعب واستئصاله .
العجيب - ولا نعول عليه - هذا الصمت الدولي الأممي خاصة ، حول تلك الابادة ، أما خاصة الخاصة ، العجب من تغاضي العالم الاسلامي العربي عما يحصل ولي حديثا عن ذلك بعد هنيهه ، على ابسط مثال اعلاميا لم تنل القضية حقها واستمرت وفق املاءات كبرائها بوجوب اذكاء الصراع بمصر وسوريا ، بالمقابل روجت وعجت وعصفت الصحف بزيارة براك أوباما لميانمار ومقابلته لرئيسها في زيارة وصفت بالتاريخية ، زعيم العالم الحر هذا لم ينبس ببت شفة أو شفقة تجاه ما يواجهه الروهينغا ولا أعلم بالمناسبة بأي معيار ومقياس يتدخل في ليبيا والعراق وافغانستان ومستقبلا في مصر وسوريا ..
استميحكم عذرا عشاق برشلونه ومدريد ، فانظروا إن تفضلتم ولو شذرا الى شعبا من شعوب الأرض المقهورة ، وتعرفوا عليه ، كما أني هنا أأسف لهذه اللامبالاة أو حتى التعاطف والمؤاساة التي لم يجدها الروهينغا من اخوانهم المسلمين فلا ذكروا على المنابر ، وإن كان فندر ، ولا تحدثت عنهم الصحف فهمشت معاناتهم إزاء صمت دولي فاضح ومقرف فيما تتراكم المأساة يوما بعد يوم .
الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامية أو الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوربي او العالم الحر واتحاد آسيان الذي يضم اندونسيا وماليزيا الى جانب ميانمار كعضو ، ونافلة هؤلاء أجمع الزعامات العربية ، هؤلاء بأسرهم لم يكلفوا أنفسهم مناقشة هذه القضية بجدية رغم توفر كافة الدلائل والمؤشرات على تلك التجاوزات الرهيبة بحق مسلمي اراكان ، حتى منظمة التعاون الاسلامية عثرت برأيها ولم تتداعى لاجتماعا بصفة ما لتحقق في تلك القضية ، وكأن DNA الروهينغا ليس صريحا صحيحا في الاسلام .
الاعلام العربي كما أسلفت مخزي بهذه الناحية ، سوى برنامج وحيد للجزيرة بعد طول نفس جادت علينا به لم يزد على أن نكأ جراحنا وأوغرها بنماذج حية نقلوها لنا من وسط الميدان ، تتحدث عن الخوف والمجهول بقصص درامية ..
دولة قطر (ولا حصر بهذا المجال ) بعد جهودها في ليبيا تستضيف مهرجانا مارثونيا مكلفا وضخما لمناقشة " ولا ضير " التغير المناخي الذي تسببه الدول الصناعية الكبرى ، فحبذا بالمناسبة ان تقيم " مهرجانا " مماثلا يسلط الضوء على معاناة من نتحدث عنهم ، الذين هم سيان لأكراد العراق وسيان للمسيحيين في لبنان وسيان للاقباط في مصر ، وسيان لسكان دارفور في السودان ، وسيان لمسيحي العراق الذين هب العالم عقب تفجير أحد كنائسهم ببغداد يندد ويهدد ويدعوا لحمايتهم ..
هنا تقف الانسانية عاجزة في ميانمار ( بورما ) هذا البلد البدائي المنعزل اخلاقيا روحيا وسياسيا في جنوب شرق اسيا ، وعليه واجب وحق وهدف وغاية تسليط الضوء على ما يجري هناك لفضح ممارسات هؤلاء الهمج ولفضح تواطؤ السلطات معهم ، عل وعسى أن ترعوي الأخيرة ...
الروهينغا أسماء وسمات وهيئات - عربية بتطرف أكثر - تحتفل بيوبيلها الدموي بمناسبة مرور ما يقارب مئتي سنة على مجيء اسلافهم ، فيما يتلو الخبراء ببقاعا أخرى من الأرض القانون الدولي الذي يصنف هذه الأعمال والأوضاع الأضطهادية الابادية على أنها نية استئصال ..
فارجوك قف ! تلك دماءا اسلامية تستوقعك وتستعطفك وتستنهضك لتعيرها اهتمامك وعطفك ، وأقل القليل معرفتك بها .
فاعلم أن في بورما شعبا اسلاميا سحيقا ، يسحق بالسيوف والنار وغض الابصار ، فأين أنت يا لجان الأغاثة ، وأين أنت يا سهوم الليل ؟!
****
ذي صلة :
دموع أوغلو
أجيزوا لي بعد أذنكم أن اسجل هنا ، من على منصة الروهينغا ، إعجابي الشديد وتقديري المتعاظم ، الزاخر بعبارات الثناء والود ، لثلاثي آسيا الصغرى الحديدي ، سلائل السلاجقة وأحفاد ألب أرسلان ، أوغلو واوردغان وغول الذين اعتبرهم بيقيني " بوعزيزي " الاسلام ، فبهم ومن ناحيتهم بدأ الربيع الاسلامي وانطلق ، رغم تذمر بعض الاطفال من المحليين لهذه التجربة ، إلا أنها راقت لي كثيرا ، ونقبت بدهاليزها وسراديبها ، ودرجت بمساربها ، فأعجبت وحق لي ذلك !
فالى السيد المنيع العظيم الطيب اردوغان - عدو الفساد - ، الذي على كعبه وطال سنامه ، واشتد ذراه لمن أوآه ، الذي يعلنها وبصراحة ، في كل خطاب أنه يفتخر باجداده العثمانين ، نحن العرب خطبنا المعالي يوما ، وبلغناها ،فأتيناكم وبلغناكم ، وعندما دالت دولتنا فزالت ، اتيتمونا واتيناكموا ، فكنتم وكنا ، ففتحتم وفتحنا ، عزيتم وبزيتم ونحن سيانكمو ، غزوتم وغزونا ، فنكحنا الاسنة معكم بشرق أوربا ، وضعضعنا العدو سنين إثر سنين ، حتى أتت قاصمة الظهر التي قصمتنا عنكم ، فعثرنا عثرة الرأي ، ولات حينها منجى وخلاص ، فها هي الساعة الساعة تتحصحص ليصح الصحيح الصريح ويبان الغث من السمين ! فسر وربك ، لا نملك لك إلا سهام الليل .
وأنت يا أوغلو نشكر لك دمعك الذي هل في ميانمار ، حزنا وأسى على حال مسلمي الروهينغا ، لدمعك أشرف مليار مرة من دمعة أميرا عربيا بدويا يعد نفسه سليل معد يكرب وحفيد هانئ بن شيبان ، حين تدمع عينه سكيرا في حانات وباحات مدن الضباب ، فدمعاتك وعبراتك حسنات تتعالى ونحبهم عند تذوق نخبهم سيئات تتالى .
شكرا لكما ، شكرا لتركيا حكومة وشعبا ، على اهتمامها منقطع النظير بأحوال الروهينغا ، شكرا لماليزيا التي كسرت حاجز الصمت ، ونطمع منكم بالمزيد ونطمح!!

النقب