أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
الناصريون.. إذا اتحدوا فعلوا !!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 03.10.2012

يوم الجمعة الماضي28 أيلول منحنا بشارة، رغم أن هذا التاريخ يذكّرنا برحيل القائد جمال عبد الناصر يوم 28 أيلول 1970.
الناصريون المصريون التقوا أخيرا، في رحاب مسجد جمال عبد الناصر، حيث ضريح القائد، وأعلنوا وحدة الأحزاب، والقوى، والشخصيات الناصرية في حزب واحد، اختاروا له اسم (الحزب الناصري).
في مصر، وفي كل الأقطار العربية، تكاثرت الأحزاب الناصرية، ورغم انتسابها للمعلم جمال عبد الناصر، فقد بقيت عاجزة عن الانتشار والحشد الجماهيري، رغم اتساع التيار الناصري شعبيا، رغما عن محاولات التشويه من أطراف كثيرة، منها العربي، ومنها العبري، والأمريكي، وكلها أطراف لها ثارات مع جمال عبد الناصر، وعندها خشية من بروز الناصرية التي تهتدي بمبادئ ناصر، وتحمل أهدافه في الوحدة، والحرية، والاشتراكية، وتنادي بوضع ثروات العرب في خدمة نهضتهم، ومقارعة الصهيونية وفقا للمبدأ الناصري الذي حدد طبيعة المعركة: صراع وجود لا صراع حدود.
بدأ الصراع في صفوف أول حزب ناصري في مصر بين الشباب والشيوخ الذين كان لبعضهم دور إبّان زمن ناصر، والذين تصرفوا وكأنهم الأوصياء على التراث الناصري، فحرموا الشباب من التقدم إلى الصفوف الأولى، وهو حرمان يعني انغلاق الآفاق التي أراد الشباب فتحها لتجديد المسيرة الناصرية، وتطوير خطابها، وتجديد شبابها، ودفع الدم إلى عروقها لتعبّر عن متطلبات الجماهير في زمن يختلف عن زمن الخمسينات والستينات، مع عدم الحيدان عن المبادئ الأساسية: الاجتماعية، والوطنية المحلية، والقومية، بما يخدم تطوير كل مناحي الحياة في مصر لتكون الأنموذج الذي يحتذي، بما يحققه من منجزات، وليس بالشعارات.
أضاع الناصريون في مصر عقودا من التنافس على تراث ناصر، فبددوا طاقاتهم وقدراتهم، وعزلوا أنفسهم جميعا عن ملايين المصريين الذين استفادوا من منجزات الناصرية، عمالاً وفلاحين، وطلابا درسوا بالمجّان، وطبقة وسطى كان لها حضور اجتماعي وثقافي، تعرضّت للسلب والتخريب في زمن السادات الذي ارتد على ثورة تموز 1952، ومن بعده مبارك الذي مسخ دور مصر، وترك للصوص أن ينهبوا كل شيء، ويحولوا كل ما تملكه مصر إلى بزنسة.
من رحاب مسجد جمال عبد الناصر جاءتنا البشارة التي نريد لها أن تكون راسخة، ونقطة انطلاق لتدشين عودة التيار القومي داخل مصر وخارجها، ليأخذ دوره، ويواجه من وضعوا اليد على الثورات العربية، وحرفوها عن أهدافها، و سرقوها قبل أن تنضج، وجلسوا على كراسي الحكم، قاطعين الطريق على من يريدون أن ينتقلوا بالأقطار العربية إلى مرحلة التحولات الثورية الجذرية التي تنتقل بالأمة من حال ركود وتبعية واستخذاء، إلى حقبة تغيير حقيقية لا يمكن الالتفاف عليها، وتفريغها من جوهرها الثوري ألتغييري.
في كلمته أمام الحشد الناصري، خاطب الإعلامي الكبير الناصري حمدي قنديل جموع المحتشدين: الناصرية لها ثلاثة أهداف ينبغي أن نصونها: العزة والكرامة، الاستقلال الوطني، العدالة الاجتماعية.
ولم يكتف بالتذكير بهذه الأسس التي أرساها جمال عبد الناصر، بل أضاف بحزم: عبد الحكيم جمال عبد الناصر واحد مننا..ناصري مثلنا، لا أكثر ولا أقّل.
من تابع مثلي الاحتفال على فضائية (الميادين) يدرك مغزى قول حمدي قنديل، خاصة وبعض الخطباء أثنوا كثيرا على دور عبد الحكيم في توحيد الأحزاب الناصرية، وكان هو الذي تولّى تقديم الخطباء الذين توالوا في المناسبة، والذين اقسموا أن يصونوا وحدة الناصريين في حزبهم الواحد، الحزب الناصري.
لا توريث في الناصرية، وللتذكير فعبد الحكيم رد ساخرا على من طلب منه الترشح للرئاسة، وكان ضمن الفريق الملتف حول حامدين صباحي: توريث من تاني!
عائلة الزعيم جمال عبد الناصر لم تسع لتتورث زعامته إدراكا أن ناصر كان للأمة، وأن الانتماء البيولوجي له لا يعني تورثه، لأن هذا يصغر من شأنه، ويتناقض مع تفكيره، وسلوكه، وأخلاقياته، ومبادئه.
الناصريون، كما هو واضح، شعروا بقوتهم بعد النتيجة المبهرة التي حققها مرشح الرئاسة الناصري الفذ حاميدن صباحي، بحصوله على قرابة خمسة ملايين صوت، رغم أنه وحملته لم يشتروا الأصوات لا بالزيت والسكر، ولا باستغلال المساجد كما فعل الأخوان.
وحدة الناصريين ضرورة وطنية مصرية، وقومية أيضا، فهي يمكن أن تكون المقدمة لنهوض التيّار القومي الهائل، والذي طال غيابه عن الساحة التي تركت لقوى التخلّف، تلك التي بدأت الجماهير العربية تنفر منها، بسبب من جشعها للسلطة، وخطابها التكفيري، وتعصبها الذي يمزق المجتمع ويزرع الأحقاد والفتن، ويشغل الناس بالفتاوى الساذجة البائسة والمخجلة والتي تتنافى مع العقل، ولا صلة لها بالدين.
الشعوب العربية التي ثارت، وانتفضت، تحرف ثوراتها، وتفرغ من محتواها الاجتماعي، والوطني، والقومي، ويقفز عليها بالتبشير بعودة الخلافة، ودولة الأمة الإسلامية، و..أثناء ذلك تتم مغازلة أمريكا لنيل الرضى.
التيار الناصري الذي سيستنهض التيار القومي في الوطن العربي، عليه أن يرسم معالم الطريق، ويضع المحددات الفكرية المبدئية، بحيث لا يضل أحد، ولا يتوّه أحد.
في مقدمة هذه المحددات القومية: الكيان الصهيوني عدو للأمة، ولا صلح معه، ولا تفاوض، ولكنه صراع بكل ما تملكه الأمة من قدرات، حتى تعود فلسطين إلى جسد أمتها العربية الواحدة.
في مقدمة هذه المحددات: أمريكا لا يمكن أن تكون صديقا، وهي لن تقف على الحياد في الصراع مع الكيان الصهيوني، ولن تكف عن التآمر على الأمة، ولن تتخلّى عن انحيازها لقوى الرجعية العربية..إلا إذا أدركت أنها ستخسر كل مصالحها في مواجهتها لقوة الأمة العربية الحيّة المقاومة.
الناصرية تعني إعادة الوعي القومي، والقدرة على التفريق بين العدو والصديق، وهذا يعني العودة إلى ثقافة المقاومة الثورية التي قادها جمال عبد الناصر منذ حرب 1956 وحتى يوم رحيله 28 أيلول 1970.
أن يسعى الناصريون بعد توحدهم في حزبهم الواحد، حزب العرب الثوريين المقاومين، المؤمنين بتحرير فلسطين، وبالنهوض لبناء دولة العرب الواحدة القوية، فهذا يقتضي السعي لتحقيق الوحدة الوطنية بين كافة التيارات الوطنية والقومية واليسارية، لاستعادة راية قيادة جماهير الأمة، والمضي على طريق الحرية والديمقراطية الحقيقية، وحرمان جماعات الإسلام السياسي من الهيمنة على شعوب الأمة، وعلى مستقبل الأمة، وفرض التخلف والارتهان على ملايين العرب مشرقا ومغربا.
لقد انفتحت شهية الإخوان المسلمين للاستيلاء على الحكم في الأقطار العربية التي تم إسقاط حكامها، فها نحن نسمع الشيخ عبد الفتاح مورو في تونس وهو يعلن بأنه سيترشح لرئاسة الجمهورية التونسية نيابة عن حزب النهضة!
لقد تعلم أخوان تونس من أخوان مصر، فالطرفان أعلنا أنهما لن يسعيان للرئاسة، وأنهما سيكتفيان بنسبة الثلث في البرلمان، فإذا بهما ينتهزان غياب القوى السياسية القومية التقدمية، ويقفزان لاحتكار كل السلطات، للهيمنة على كل مناحي الحياة!
الأخوان يريدون اختطاف سورية لضمها إلى الدول التي هيمنوا عليها، بحيث يمتد حكمهم من تونس إلى تركيا، ليس بهدف بناء الدولة العربية الواحدة، فهم يتنكرون لهوية الأمة القومية، ولكن سعيا وراء وهم بناء دولة الخلافة مع تركيا أردوغان!
مهمة الناصريين كبيرة، وعليهم أن يوحدوا الجهود محليا وقوميا، لينقذوا الثورات التي سرقت قبل أن تنضج، ويعيدوها إلى جماهير الأمة التي ثارت لتحقيق أهداف تتناقض مع مخططات الأخوان، ومع دول الرجعيات العربية الخائفة من الحراكات الشعبية، والمتآمرة تاريخيا على قضاياها، والتي طالما تآمرت على مشروع جمال عبد الناصر القومي التحرري.