أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
صباحكم أجمل/ يا زهر الرمان..!!

بقلم :  زياد جيوسي ... 11.10.2012

كانت دعوة لطيفة من العزيز باسيل العابودي لحضور افتتاح مهرجان الرمان في قرية عين عريك يومي 27و28/9/2012، وفي الآونة الأخيرة اهتمت الكثير من البلدات الفلسطينية التي تشتهر بصنف معين من المحصول الزراعي بإقامة مهرجانات تحمل اسم هذا المنتوج، ولعل في ذاكرتي أنني حين عدت إلى الوطن بعد غياب قسري بسبب الاحتلال قارب على الـ 30 عاماً، أن أول مهرجان حضرته كان مهرجان المشمش في بلدة جفنا، لتتالى بعدها مهرجانات كثيرة بعضها حضرته، وبعضها لم أتمكن من حضوره لأسباب شتى، ولعل صعوبة المواصلات أحد أهم الأسباب، فكان مهرجان التين في بلدة تل، ومهرجان الخس في بلدة أرطاس، ومهرجان الجوافة في مدينة قلقيلية، وغيرها من المهرجانات.

قرية عين عريك ترتبط في ذاكرتي منذ الطفولة، فهي قريبة من رام الله، وقبل العام 1967 وأثناء دراستي في بيتونيا، كانت الطريق المعبدة تمر من طرف المفرق المؤدي إلى البلدة وكان يحمل وما يزال اسمها، فما زال الكل يسميه: (مفرق عين عريك)، وإن كانت الطريق للبلدة في تلك الفترة غير معبدة، وما زلت أذكر أن أقرباء لوالدتي رحمها الله كانوا من سكان مخيم اللاجئين في البلدة، ولا أنسى العم (أبو سليم) الكهل الكفيف، الذي كان يأتي من عين عريك يومياً إلى باب مدرستنا الإعدادية في تلك الفترة، مدرسة ذكور بيتونيا، وكان يبيع الترمس في الصيف والحمص المسلوق (البليلة) في الشتاء، ولا أعرف إن كان من أبناء البلدة أم من أبناء المخيم، لكن ذكراه لم تفارق مخيلتي كرجل مواظب رغم عمره ورغم أنه كفيف، فلا يغيب يوماً عنا، نشتري منه ويلاطفنا جميعاً برقة وحنان.
بلدة عين عريك قديمة بحكم وجود عيون المياه فيها، وإن كانت المعلومات عن تاريخها قليلة، وإن كان مثبتاً أن الصليبيين قد سموها (بيت عريك)، وهي محاطة بالعديد من الخرائب الأثرية مثل خربة كفر شيان، وخربة دوبين، وخربة الحافي.
عرفت القرية عبر تاريخها بالتعايش الجميل بين أبناء الديانتين الإسلامية والمسيحية، فكان التكافل الاجتماعي فيها أنموذجاً كان ولم يزل، بغض النظر عن الدين، فالكل ينتمي للبلدة ويحبها، وتمازج دم الشهداء منها في سبيل الوطن مسلمون ومسيحيون.
الطريق المعبدة والواسعة لقرية عين عريك جميلة رغم أنها لا تتجاوز سبعة كيلومترات عن مفرقها في بيتونيا، فهي تقريباً محاطة بالأشجار والتلال الجميلة، والقرية تعتبر ممراً للقرى التي تليها، ورغم ذلك أستغرب أنها لم تجد العناية الكافية والاهتمام الكافي لتحويلها إلى بلدة جذب سياحي، وأذكر أن مطعماً جميلا أفتتح في مدخلها اجتذب الزوار، ولكن منطقة الوادي أهملت كثيراً، ولعل دور الاحتلال الذي يصنف الوادي أراضي تصنيف (ج)، حدّ من إمكانات استغلالها بدون إقرار وموافقة من الاحتلال، والحصول على الموافقات من محتل يسعى لتفريغ الأرض من سكانها ليس بالسهل.

مبادرة الشباب لأول مرة بإقامة هذا المهرجان كانت فكرة ممتازة، فلعلها تتمكن من جذب الأنظار لهذه البلدة شبه المنسية، وكون عين عريك اشتهرت عبر تاريخها بفاكهة الرمان، وكانت تزرع بأنواعها المختلفة العادي والحامض والحلو جداً (العسيلي)، وكانت عصب الاقتصاد لسكان البلدة، فكانوا يحملون الفاكهة على ظهور الدواب والحمير، وينقلونها إلى أسواق القدس واللد والرملة، وفاكهة الرمان معروفة بفوائدها الصحية، كما يستفاد من قشرتها في العلاج ودباغة الجلود، ويصنع من أنواعها الشراب ودبس الرمان.
هو المهرجان الأول والتجربة الأولى، لكنها ورغم كل الملاحظات كانت فكرة جميلة ومهمة، والمفترض أن يجري تطويرها ليصبح المهرجان نقطة جاذبة في كل عام، وتصبح عين عريك نقطة جذب سياحي طوال العام، وحقيقة أن الأكشاك في المهرجان رغم قلتها إلا أن المعروضات والأشغال اليدوية كانت جميلة ومميزة، ولفت نظري المشاركات من أكثر من جهة، فقد لفت نظري منتوجات التراث لكل من مؤسسات: أسامينا والتي عرضت منمنمات فنية متميزة تحمل عبق التراث، وكنعانيات التي عرضت منتوجات فنية من خشب الزيتون وحلي وأزياء شعبية، وأناقتي التي عرضت أزياء تمازج التراثي بالحديث، وأيام زمان التي عرض فيها منتوجات شعبية وتراثية مثل أثواب مطرزة وأطباق القش.

وقد سجلت بعض الملاحظات التي آمل الاهتمام بها في المهرجانات القادمة، فمن المدخل للمهرجان كان يجب أن تعلق ثمار الرمان على البوابة والأسوار، فهو مهرجان يحمل اسم الرمان فلا يجوز أن يكون الرمان غائباً، وكان المفترض أن يكون هناك أكثر من كشك لبيع وعصير الرمان، فالكشك الوحيد غير كاف، والعصارة اليتيمة غير كافية، وكان المفترض أن يتم التنبيه إلى ضرورة لبس القفازات لمن يتولى العصير، وكان سيكون جميلاً لو كان هناك كشك يعرض ويبيع منتوجات الرمان كدبس الرمان وغيره، ومضافاً إلى ذلك وهي ملاحظة طاغية على كل المهرجانات الثقافية والفنية في وطننا، هي تعداد الكلمات التي يلقيها الحضور الممثلين لمؤسسات مختلفة حكومية وبلدية وغيرها، والمتحدثون لا يراعون الحضور بشكل عام في وقتهم، فيأخرون الفعاليات الفنية والتي تمثل نقطة الجذب الأساسية للحضور، ويستطردون بالحديث في قضايا كثيرة معظمها قد ملّها الناس بالتلفاز والصحف والمناسبات، وأكرر دعوتي التي سبق أن تمنيتها بأكثر من مناسبة: اقتصروا المتحدثين على ثلاثة، وليكن الوقت محدداً..

صباح آخر من صباحات رام الله، أستعد فيه للذهاب إلى طولكرم بعد تعطل ذهابي بالأمس من أجل حضور المهرجان، أنظر من نافذة صومعتي وأتنشق هواء رام الله قبل أن تلوثه السيارات، أضع الحبوب والماء لزغلول الحمام الذي فقس بجوار حوض النعناع، ألتقط له صورة بعدستي ككل صباح، فقد بدأ يكبر ويستعد للطيران، وأستعيد ذكرى رحلة لا تنسى لزيارة مهرجان الرمان في قرية عين عريك برفقة صديق رائع وزوجته، ورغم أن وقتي كان محصوراً جداً في الزيارة، إلا أني تمتعت جداً بالمهرجان، والتقيت العديد من الأحبة والأصدقاء هناك، وخرجت وأنا اأردد شعار المهرجان المأخوذ من كلمات سميح شقير: (يا زهر الرمان.. آن أوانك آن)، وأستمع في هذا الصباح وطيفي الذي لا يفارقني مع فنجان قهوتنا لشدو فيروز وهي تشدو مع النسمات الأيلولية الناعمة: (ورقو الأصفر شهر أيلول، تحت الشبابيك ذكرني وورقو دهب مشغول، ذكرني فيك.. رجع أيلول وأنت بعيد بغيمة حزينة، قمرها وحيد بيصير يبكيني ... شتا أيلول) ..
فأهمس مع النسمات الأيلولية الناعمة: صباحكم أجمل أحبتي وزهر رمان.