أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
الرئيس مُرسي يستطيع..ولكن!!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 26.09.2012

نعم: يستطيع الرئيس مرسي..ولكن!
يستطيع أن يلعب دورا تاريخيا، يحتسب له، ولمصر، ويرتد نفعا وكسبا صافيا له، ولمصر، حاضرا ومستقبلاً، ولكن!
الرئيس مرسي يستطيع إخراج سورية من محنتها، بتوظيفه لثقل مصر التي هو رئيسها.
إذا فعل، وهو برأيي قادر، فسيخدم مصر نفسها، لأن سورية ستضيف قوة إلى قوة مصر، في وجه من يستهدفونها، وفي مقدمتهم أمريكا والكيان الصهيوني، الحليفين اللذين ينصبان الفخاخ في طريق مصر، حتى تقع أقدام مصر فيها، فلا تتحرك إلى المستقبل، وإنما تبقى رهينة العوائق والموانع السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، بحيث تعجز عن الخروج إلى فضائها العربي، والأفريقي، والإسلامي، بحرمانها من كل ما يمنحها ثقلاً وقدرةً وحضورا فاعلاً. ( أذكّر بحضور مصر الناصرية في الخمسينات والستينات بقيادة جمال عبد الناصر، ولا سيما في قيادة دول عدم الانحياز..وآمل أن لا يزعج هذا التذكير الرئيس مرسي).
شعب مصر ثار على نظام مبارك المرتهن لأمريكا والكيان الصهيوني، وهما من غضتا النظر والسمع عن قبيح فعاله، من فساد، وعزلة عن الأمة العربية، وافتقاد لأي دور في المجال الحيوي الذي طالما أدت فيه مصر دورا كبيرا، بوأها مكانة مرموقة تليق بها.
للتذكير: لم تكن مصر غارقة في الفساد، والمديونية، وافتقاد الأمن كما هي اليوم، في زمن جمال عبد الناصر، رغم كل المؤامرات التي استهدفتها.
عندما كانت مصر وسورية تلتقيان، كانتا تشكلان ذراعي الأمة القويين المقاتلين، وهو ما اختبر في المواجهات والمنازلات التاريخية الكبرى التي شكلت مفارق طرق، ولحظات تحوّل، وما هو بغريب أنهما التقتا بهدف خوض تلك المعارك المجيدة على أرض فلسطين التي شاءت أقدارها، وجغرافيتها، أن تكون دائما أرض المعارك الكبرى، وامتحان قدرات الأمة، وهذا ما حدث في معارك: حطين، وعين جالوت، وغيرهما،حيث انتصرت جيوش البلدين..الموحدة، على الفرنجة( الصليبيين)، والمغول، فتمّ إنقاذ الأمة التي استبيحت لعقود، لتنهض من جديد، وتصون هويتها، وموقعها، وحدودها، ومقدساتها، وتفوّت الفرصة على من غزوها بهدف استباحتها، ونهب خيراتها، وتركها خرابا بحيث لا تقوم لها قائمة.
كان أبرز قادة تلك المعارك المفصلية التاريخية من غير العرب، لكنهم وعوا ما ينتظرهم، فأعلوا من شأن الأهداف الجليلة، وبهذا تألقوا قادة وأبطالاً تاريخيين سجلوا أسماءهم في أنصع الصفحات وأكرمها: صلاح الدين الأيوبي، قطز، الظاهر بيبرس، قلاوون، نور الدين محمود...
ولأن لقاء مصر وسورية يعني خروج الأمة من حالة الضعف والهوان، فلم يكن مستغربا أن أعداء الأمة استهدفوا أي تقارب مصري سوري، وهو ما حدث عندما اتحدت مصر وسورية عام 1958.
لم يكن غريبا أن يلتقي كل أعداء الأمة، داخليين وخارجيين، لأن وحدة مصر وسورية هددت مصالح تلك القوى، رئيسة، أو تابعة: أمريكا، الكيان الصهيوني، بريطانيا وفرنسا _ اللتين لم تنسيا ثأرهما من جمال عبد الناصر الذي هزمهما سياسيا بإفشال عدوانهما الثلاثي مع الكيان الصهيوني عام 1956 _ السعودية، وبقية القوى الرجعية العربية، والطائفية، والإقطاعية التي تضررت من إعادة الأرض للفلاحين المضطهدين في سورية إبّان زمن الوحدة القصير، أسوة بما حدث في مصر من قبل.
الرئيس مرسي يستطيع بثقل مصر أن يسهم إلى مدى بعيد في إخراج سورية الشعب والوطن والمؤسسات من مستنقع الدم..ولكن!
اللاكن الاستدراكية هذه لها أسباب، وإن كانت لا تغلق الباب.
في مؤتمر قمة عدم الانحياز كان مخيبا ظهور الرئيس مرسي كطرف منحاز في الموضوع السوري، وهو يحرّض دول عدم الانحياز ضد سورية، غير آبه بأنه يضع مصر طرفا في الصراع، وليس صاحبة دور في الحل!
الحل في سورية يبدأ من داخل سورية، بدعم عربي غير منحاز، فالحوار هو المخرج، وهو ما يضمن وحدة الشعب السوري، وسلامة البلد، وصون المؤسسات التي يجب أن تبقى ثروة لكل السوريين راهنا ومستقبلاً، لأنها بنيت بعرقهم، ودمهم، وبمالهم.
مصر يكون لها دور حين تقف بين القوى المتصارعة في سورية، لتقول كلمتها: يكفي اقتتال، هيا إلى الحوار، و..من يرفض الحوار ، ويعيقه، من داخل سورية، أو خارجها..يُفضح، ويُتخذ منه موقف واضح.
الحق أن الأطراف التي ترفض حوار السوريين مفضوحة، فهي تموّل، وتسلّح، وتشحن طائفيا سواء في وسائل إعلامها، أو في تصريحات ساستها المعلنة التي لا تجد حرجا في الإعلان عن دعمها للجماعات المسلحة تأجيجا للصراع المدمر لسورية!
في لقائه مع وزراء خارجية دول الجامعة، يوم 5 أيلول الجاري، خرج الرئيس مرسي عن النص المكتوب الذي كان يقرأ منه، وانفعل فجأة وهو يطلب من النظام السوري، بلهجة آمره: على النظام أن يسلّم الحكم في سورية ويرحل..هكذا ببساطة!
هذا القول لا يحل المشكلة في سورية، فلا النظام ينصاع لأمر الرئيس مرسي، ولا الجهات المسلحة تأتمر بأمره، لأن أمرها في يد من يموّلها ويسلحها!
أعود إلى اللاكن، فأتساءل: كيف يوفق الرئيس مرسي بين دعوته لتشكيل لجنة رباعية تضم مصر وإيران والسعودية وقطر، مهمتها مساعدة سورية على الخروج من محنتها، وبين انحيازه ضد نظام الحكم السوري؟!
دعوة الرئيس مرسي للرباعية بشّرت بدور مصري منتظر، ولكن خطابي الرئيس مرسي أمام دول عدم الانحياز، وأمام وزراء خارجية دول الجامعة، شكك في جدية دعوته!
حتى تسقط ( اللاكن) يشترط أن يكون الدور المصري نزيها، حريصا على سورية، وأن يؤدي الرئيس مرسي دوره كرئيس لمصر، وليس كعضو في مجلس الإرشاد، وأن يتخلى عن وهم الهيمنة على سورية إخوانيا، كما حدث في مصر، وليبيا، وتونس، فوضع الأخوان في سوريه غيره في مصر وأخواتها.
الأخوان في مصر وصلوا إلى الرئاسة، ومجلسي الشعب والتشريعي بالانتخاب، وإخوان سورية يحاولون الاستيلاء على الحكم في سورية بالسلاح، وهو ما يستدعي أن تدافع السلطة / نظام الحكم _ بالسلاح، لمواجهة من خيارهم السلاح، مع عدم نسيان من يدعمونهم مالاً وسلاحا، ويحرضون على التدخل الخارجي كما حدث في ليبيا تحديدا، وهو ما يطالب به المجلس الوطني، والجيش الحر، وخلفهما السعودية وقطر!
إذا كان الرئيس مرسي يراهن على ظهور دولة إسلامية، تضم تركيا، وغير تركيا، فإنه يذهب بعيدا في الوهم، ويفوّت مع الأخوان المسلمين فرصة تاريخية لنهوض العرب بقيادة مصر، ويأخذ الحراكات الثورية العربية إلى متاهات ستبدد أحلام ملايين العرب، ويضيع فرصة بروز قوة عربية تضع في يد العرب كل عناصر وأسس النهوض..وبقيادة مصر.
إذا كان الرئيس مرسي والأخوان ينطلقون من أن الأمة الإسلامية هي الحقيقة، وأن الأمة العربية ليست شيئا، فإن الأهداف التي يعملون لها ستأخذ إلى أحد المسارين: إقليمية ضيقة مساومة للحفاظ على الحكم، وأممية إسلامية لا تتحقق، وفقط ستنجح في إضاعة فرصة تاريخية على الأمة العربية، بتمزيق طاقات القوى بين إسلامية بكافة تلاوينها التي برزت بعد الاستحواذ على الحكم في مصر، وتونس، وليبيا.. وقومية، وعلمانية!
نعم: يمكن للرئيس مرسي، ومعه مصر بثقلها، أداء دور تاريخي في إخراج سورية من المحنة، وهو ما سيعني إنهاء مؤامرة إشغال العرب، وتمزيق صفوفهم، والعبث بأمنهم.
هل سيتصرف الرئيس مرسي كرئيس لمصر أكبر دول العرب وأقدرها على التجميع، والتوحيد، والحشد، وأحوجها في معركة استقلال إرادتها لكل بلاد العرب، الصغيرة والكبيرة، مشرقا ومغربا..وكرئيس للعرب، كما كان ناصر، وليس للإخوان فقط؟!