أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
مخرج مشرّفا للأسد ونظامه.. !!

بقلم : سهيل كيوان  ... 30.08.2012

في معظم الطرقات الملتوية والمنحدرات القوية توجد لافتة مكتوب عليها 'طريق للهرب'، هذا الطريق يستخدم عندما ترتفع درجة حرارة الكوابح ويفقد السائق سيطرته على مركبته فيدخل في هذا الطريق الجانبي مرغمًا كي ينقذ روحه وأرواح الآخرين، هذا في حال كان يقظاً وأدرك قبل فوات الأوان أن الدخول في هذا الطريق هو الأسلم وأقل خطورة من الاستمرار في المنحدر بتسارع حتى حصول الارتطام الكبير أو الانقلاب والاحتراق في كثير من الأحيان.
الأسد يلتفت حوله الآن بحثا عن'مسار للهرب'بعدما سخنت الكوابح وتلفت تماما واشتعلت النيران في مركبته، هذا المسار يسميه البعض 'المخرج المشرف'، ولكن هل يمكن تسمية خروجه خروجًا مشرفًا لو حصل الآن.
كان يمكن لخروجه أو تنحّيه أن يكون مشرفا لو أنه وقف بعد سقوط أول موجة من القتلى واعترف بأن رياح الربيع قد هبّت ووصلت إلى سورية، وفهم أن الأمور ما عاد يمكن لها أن تدار بالطريقة القديمة ذاتها،
ولو أنه لم يغمض عينيه ولم يملأ أذنيه طينا ولم يبحث عن مخارج إنشائية لغوية بدلا من البحث عن حل حقيقي واقعي لأزمة ماثلة أمامه بكل وضوح، كان عليه أن يقول لشعبه 'أنا فهمتكم' على طريقة بن علي وأن لا يؤجل مثله بل يتنازل فورًا عن 'العرش الجمهوري' وأن لا ينتظر حتى يضطر للبحث عن مسلك للهرب، لكنه للأسف فضل البحث في الإنشاء والشعارات التي اعتادها طيلة فترة حكمه حتى صدّق أنه بإمكان الإنشاء والشعارات أن تخفي الواقع، فانشغل رجاله في البحث الإنشائي عن مسميات أخرى للثورة، وكأن تسميتها باسم غير الثورة يلغي ثوريتها، متناسين أن الاسم يشتق من الفعل وليس العكس، ولو أطلقوا على الثورة تسمية 'سطو مسلح' لبقيت ثورة لأنها ثورة، والحقيقة أنهم أبدعوا في تسمياتهم البذيئة الكثيرة للثورة والثوار، ولكن الحقيقة بقيت ماثلة أمام العالم بأسره, وهي أن الثوار هم الثوار حتى لو أطلقت عليهم تسمية مندسين ومرتزقة وجراثيم!
كان عليه أن يتنازل عن الأمل السادي بقدرته على قمع الشعب، وأن لا يبني كثيرًا على قدرة التسميات في إنقاذه مثل الخيانة والاندساس والقبض من جهات خارجية مشبوهة، وسخافات أخرى أكثر تسطيحا حتى من الإنشاء مثل توزيع الكباب والدولارات على المتظاهرين.
لقد حاول النظام حرف المعركة عن ساحتها الحقيقية، من معركة بين نظام دكتاتوري قمعي ظالم مستبد وبين شعب لم يعد قادرًا على التحمل والصمت إلى معركة وهمية بين النظام و'الشعب الملتف حول قيادته' وبين الفضائيات، وتوهم بقدرته على إقناع العالم بأن الناس في سورية يخرجون للموت في الشوارع إرضاء للفضائيات 'التخريبية'، والتخريب لغة إنشائية قديمة استخدمها المستعمرون والمحتلون على مر العصور وآخرهم إسرائيل في وصف أعمال الثوار من العرب وغير العرب، ولم نتصور في يوم من الأيام أن يستخدمها نظام 'ممانع' في وصف انتفاضة أبناء شعبه، ومن ثم تحويل المعركة الأساسية وحرفها لتصبح بين النظام 'الممانع' وحلفائه من جهة وبين أمريكا وإسرائيل وذيولهما من العرب وغير العرب و'المخربين والخونة' من جهة أخرى، كل هذا لدفع الثوار إلى خانة الأعداء بدلا من تفهم أسباب ثورتهم المشروعة والتنحي بصورة مشرفة.
كان عليه أن يفهم ضرورة الهروب إلى طريق النجاة قبل اتخاذ القرار بقصف المدن السورية والتعامل معها كأنها مدن معادية، بمعنى الدوس أكثر على دواسة الوقود في المنحدر الخطير.
كان عليه أن يستوعب ضرورة ما يجري وأن يصدّق بأنها ثورة جذورها الفقر والقمع حتى قبل انتقالها إلى العاصمتين الاقتصادية والسياسية.
كان عليه أن يخرج إلى 'مسلك الهروب' فيعتذر عمّا فعل، وأن يدعو لإعادة النظر بنفسه وبالمحيطين به وليس كضريبة كلامية وبهلوانيات لفظية قبل أن تتحول الثورة إلى السلاح لحماية نفسها من بطش النظام ودمويته، كان عليه أن يفهم أن العملاقين الصيني والروسي قد يحميانه من هجوم خارجي أو قرار في مجلس الأمن، ولكنهما غير قادرين على حمايته من شعبه الجائع للحرية والخبز...
كان عليه أن يفهم ويدرك أن هناك قوى معادية سوف تستغل هذه الثورة وتحاول الركوب عليها تحت شعار حماية مذهب من بطش مذهب آخر لحرفها عن مسارها الأصيل، لقد كان تصرّف النظام حقيرًا، بل حقيرا جدًا عندما صوّر الأكثرية من أبناء شعبه على أنهم 'قاعدة' وطائفيون ينوون البطش بالأقليات وذلك لتأليب الرأي العام المحلي والعربي والدولي على الثورة.
تضحيات الشعب والثوار باهظة جدا، وكذلك تضحيات مؤيدي النظام ممن توهموا بقدرته على تجاوزهذه المرحلة بالإنشاء والمماطلة حتى إنهائها اللفظي على أمل أن تنتهي فعلا بتعبير مثل 'خلصت خلصت'، ومن أولئك الذين لم يكن أمامهم سوى خيارين إما الإعدام أو مواصلة الانصياع لأوامر النظام وضباطه حتى بدأت تظهر الانشقاقات الكبيرة وبأوزان ثقيلة..
لم يعد هناك أي مخرج مشرّف للأسد ونظامه، ويوما بعد يوم يتفاقم حجم المأساة التي صنعها بيده، بل ليته تعلم من بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله الصالح الذين خرجوا بشكل أو بآخر أقل بهدلة، ، فهو إن تنازل الآن إنما يتنازل بعد أنهار من الدماء، وبعد أن ضاق به ذرعا حتى أقرب حلفائه، فمصالح أصدقائه في نهاية المطاف مع الشعب وليست مع النظام السوري.
هناك عشرات الفيديوهات والصور التي تدين أعمال بعض رجال الجيش الحر والثوار، بعضها حقيقي ومستنكر ولا يحق لثوار لأي سبب كان أن يفعلوه وبعضها أنتج خصيصًا لتشويه وجه الثورة، ولكن رغم كل وحشية ما يرتكب لا توجد فضيحة أعظم من بقاء بشار الأسد ومن حوله من رجال النظام في السلطة بعد كل هذه التضحيات، لأنهم هم المسؤولون عن كل ما مرت به سورية من أحداث كارثية منذ اليوم الأول للثورة وحتى هذه اللحظة، ليس أمامهم سوى الرحيل غير المشرف، والإنشاء عن 'الرحيل المشرف' قد يكون لغة دبلوماسية ولكنه لن ينقذهم، لأن التاريخ يسجل الوقائع وليس الإنشاء، وسيذكرهم كمجرمين وسفاحين، وعليهم الرحيل غير المشرف لإتاحة المجال لكل مركّبات الشعب السوري دون تجاهل أي حزب أو حركة أو طائفة للتحاور للتوصل إلى طريقة ينقذون بها البلاد من الدمار الذي بدأ وما زال النظام مستمرا به.