أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
‘مسيرة العودة’ بين ليبرمان والبوطي…!!

بقلم : سهيل كيوان  ... 18.04.2013

لا شك أن أفيغدور ليبرمان هو أفضل رجل سياسة عرفته هذه المهنة منذ أثينا القديمة حتى يومنا، فهو يعتمد في دبلوماسيته سياسة العصا ثم العصا الأغلظ بدون أي تلميح ولو بفقوسة أو أضمومة خُبّيزة.
ليبرمان غضب قبل يومين في ذكرى النكبة التي يرفض الإعتراف بوجودها أو حدوثها، وهدد وتوعد من أسماهم’عرب إسرائيل’ لأنهم أقاموا مسيرة العودة للسنة السادسة عشرة على التوالي إلى إحدى القرى المهجرة التي سويت بالأرض عام 1948، وهذه المرة اختاروا قرية اسمها بدون رومانسية (خُبّيزة).
ليبرمان كتب على صفحته في الفيس بوك إن على’عرب إسرائيل’ أن يجدوا لهم مكانًا في السلطة الفلسطينية لتدفع لهم مخصصات البطالة، ملمحًا بأن ما يحصل عليه العرب من مخصصات اجتماعية هو منّة ومعروف من الدولة وليس حقًا من حقوقهم، علمًا أن التأمين لا يدفع أصلا إلا لمن سبق ودفع رسوم التأمينات، لسنوات طويلة!
من ناحية أخرى يطالبهم هو وشركاؤه في الحكومة برد جميل للدولة و’تحمّل العبء’ لأنها لا تقتلهم بالمئات كما تفعل الأنظمة العربية بمواطنيها، ويطالبونهم بأن يخدموا العلم، فإن لم يكن العلم فعلى الأقل خدمة من يخدمون العلم، والتنازل عن حقوقهم وهم صاغرون، وأن يسلّموا بأفضلية اليهودي عليهم.
على كل حال ما دام أن هذا الكلام موجهًا ل’عرب إسرائيل’ فهو لا يعنينا لأننا نحن عرب فلسطين.
وما دامت الدولة تريدنا أن نتقاسم معها العبء فنحن ندعوها لتقاسم النكبة معنا، بأن تعيد المهجّرين الذين ما زالوا داخل الوطن إلى قراهم ومدنهم وأملاكهم، كحل مرحلي لقضية اللاجئين الذين يعيشون في الشتات، فلا يعقل ولا في أي منطق أو شريعة في الكون أن يعيش ابن قرية (خبيزة) أو غيرها على بعد مئات الأمتار من أملاكه، وفي بعض القرى على بعد عشرات الأمتار منها، ويرى القادم للتو من مجرّة أخرى يستمتع بها بينما هو محروم من الاقتراب منها، ثم تمننه دولة ليبرمان بمنحه مخصصات البطالة.
‘خُبيزة’، تقع في منطقة اسمها الروحة، كان على أرضها حتى عام النكبة ست وثلاثون قرية، لم يبق منها بعد النكبة سوى أربع قرى، الروحة قطعة من الجنة، تمتد من سفوح الكرمل الجنوبية حتى الخضيرة، وهي تلال وسهول خضراء وأودية، يبدو أن أهلها أطلقوا عليها الروحة بسبب الراحة والترويح وطقسها المريح الذي يرد الروح.
إلى مسيرة خبيزة المهجرة وصل الآلاف رغم مقاطعة الحركة الإسلامية الشمالية برئاسة الشيخ رائد صلاح، لأسباب كما فهمنا منها الاختلاط بين الجنسين، ومنح يهود تقدميين حق إلقاء كلمة تضامن مع المهجرين بهذه المناسبة، وأمور تنظيمية أخرى، وربما ابتعادًا عن هذه النشاطات المشتركة بعدما تحولت إلى ساحة للمناكفات الحزبية.
كان في استقبال المسيرة من تبقى من أهل القرية من مواليد قبل النكبة وأبناؤهم وأحفادهم الذين ولدوا خارجها وداخل وطنهم، وهنا أقيمت خيام وزع فيها أهل خبيزة الماء والمناقيش والفريكة واللبن الرائب على المتظاهرين، ولكنهم نسوا الخبيزة، أنظر إلى العشب الأخضر والبقوليات وحقول الخبيزة فتعرف لماذا أطلق على المكان اسم (خبيزة).
في كل مناسبة وطنية كهذه يشترك مع الفلسطينيين أشقاء من الجولان السوري المحتل، الذين نسيهم نظام بلادهم، فمن وُلدوا تحت الإحتلال الإسرائلي صاروا كهولا…ومن كانوا أطفالا بإمكانهم أن يقولوا ‘هرمنا دون رؤية اللحظة التاريخية..’
كانوا قبل ربيع الخبيزة الحالي يرفعون العلم السوري إلى جانب الفلسطيني، وهذا ما كان يجعل للمسيرة رونقًا وجمالا وزخمًا،إلا أنه في المناسبات الفلسطينية لا بد من وجود مشكلة ما، وهذا تقليد ثوري منذ عشرات السنين، المشكلة أو المشادة الكلامية والتدافع وتبادل اللكمات صار جزءًا من تراثنا النضالي، وهذه فركة بصلة في عيون من شككوا بعروبة فلسطينيي 48، فهم عرب أقحاح لا تمر مناسباتهم الوطنية بدون خلافات وحتى طوشات.
في السبعينيات كان هناك من يحاول منع رفع علم فلسطين في المسيرات، وذلك كي ‘لا يستفز الشرطة’ ويمنحها مبررًا للقمع، بينما كان هناك من يُصر على رفعه قبل اعتراف أمريكا وإسرائيل به، هؤلاء تعرضوا للعنف واتهموا بالمزاودة، ولكن علم فلسطين فرض نفسه، إلا أن الفرحة لم تتم، فنشأت مشكلات التحزب بين الأعلام الحمراء الشيوعية والخضراء الإسلامية النامية، كذلك بين السماح ليهودي تقدمي بإلقاء كلمة أو منعه، بل وإنزاله عن المنصة أو مقاطعة خطابه بالصفير والهتافات، أو مغادرة المهرجان بشكل تظاهري إلى صلاة العصر أو المغرب عندما يبدأ اليهودي كلمته، بدعوى أن هؤلاء ليسوا سوى جواسيس، أو أنهم يأتون لتبييض وجه إسرائيل! ثم دخل اللون البرتقالي الحلبة وهو لون التجمع الوطني الديمقراطي الصاعد، ودخلت صورة الشهيد أحمد ياسين ثم السيد حسن نصر الله بين مؤيد ومعارض، لست بصدد إدانة أحد على حساب أحد، ولكن هذه المظاهر نفّرت الكثيرين وصدتهم عن المشاركة بفعاليات من هذا النوع.
في يوم الأرض الأخير تم الاعتداء بنجاح على طاقم الجزيرة، المعتدون كانوا من الجولان السوري المحتل بإسناد بعض المتحمسين للنظام السوري من عرب ثمانية وأربعين وهم قلة قليلة جدًا، ولكن بإمكان قلة قليلة أن تخرب جهد عشرات الآلاف، خصوصًا أن الأكثرية منضبطة وغير معنية بتحويل مناسبة وطنية إلى صراع داخلي يُشمّت وسائل إعلام الأعداء بنا.
مما لا شك فيه أن هناك خلافًا في الوطن العربي كله حول ما يجري في سورية، كثيرون يُفضلون بقاء الدكتاتوريات بل صاروا يمتدحونها مقارنة بالجحيم الذي وصلناه، بينما ترى الأكثرية أنه لولا الخازوق الأصغر لما وصلنا إلى الخازوق الأكبر.
في (خبيزة) المهجّرة كانت الأعلام الفلسطينية كثيفة جدًا هذه المرة واختفت الأعلام الحزبية تمامًا، وكان هناك عشرات الأطفال والشبان والشابات يرفعون أسماء مئات القرى المهجّرة مذكرين بها ومنتشلينها من بئر النسيان.
وفد الجولان السوري كالعادة رفع بضعة أعلام سورية، وهذا علم ورمز له احترامه، لم نر صورة لبشار الأسد هذه المرة بخلاف جولة يوم الأرض الأمر الذي منع التوتر، ولكنهم رفعوا صورة الشيخ محمد سعيد البوطي كتعبير عن الموالاة للنظام، والبوطي يبقى على كل حال أهون من رفع صورة بشار،الأمر الذي حال دون وقوع الطوشة التراثية، رغم تساؤل البعض…ما علاقة البوطي بمسيرة خبيزة!
الحمد لله انتهت المسيرة والمهرجان بسلام وبدبكة مختلطة ومناقيش…