أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
كيف شاخت قطر على العرب؟!

بقلم : سعيد نفاع ... 13.04.2013

ليس المرء بحاجة لأن يكون اقتصاديا أو ضليعا في الاقتصاد أو خريج كليّة الاقتصاد السياسي حتّى يعرف دراسة الأرقام الاقتصاديّة وإسقاطاتها ومدلولاتها وبالذات السياسيّة. تُجمع الدراسات الاقتصاديّة أن الدول العربيّة بغالبيتها وبالذات الغنيّة بالثروات منها فاشلة اقتصاديّا، فقد نشرت الأهرام اليوميّ قبل مدّة دراسة تحت عنوان ("طرائف" الديون العربيّة: دول الخليج ولبنان أكبر المدينين) مستمدّة من تقرير مركز الدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة بالأهرام ، لعلّ في هذه الدراسة إضافة معلومات عن الدور الذي يقوم به حكام هذه الدولة المسخ المسماة قطر كأداة في يد إعداء الأمّة وتحت شعار خدمة الأمة، مباشرة ومن خلال أدوات ثانويّة من "الساسة والعلماء والمفكرين والإعلاميين"، ولعلّ في الدراسة أيضا إجابة عن السؤال: كيف شاخت قطر على غالبيّة الحكام العرب؟
الدراسة نُشرت قبل ما أسمته المخابرات الغربيّة وزعانفها في المنطقة "الربيع العربيّ"، ولك أن تتخيّل الوضع الآن بعد هذا الجحيم العربيّ، فأفادت: أن ديون الدول العربيّة بلغت عام 2009 ال-663 مليار دولار (4) أضعاف ديون الدول منخفضة الدخل في العالم كلّها. العجيب الغريب في الأمر والمثير للتساؤل أن الدول الخليجيّة النفطيّة على رأس الدول العربيّة (عدا لبنان) في المديونيّة، وكالآتي:
الإمارات العربيّة مدينة ب-129 مليار دولار.
المملكة العربيّة السعوديّة 87 مليار دولار.
قطر 81 مليار دولار.
لبنان 66 مليار دولار.
ومن ثمّ وبالترتيب وبفوارق قليلة العراق، السودان، البحرين 33 مليار، مصر، الكويت 27 مليار، فتونس فالمغرب فعُمان، فالجزائر ب7.2 مليار، فاليمن فليبيا، سوريّة 5.5 مليار، فالأردن فموريتانيا فجيبوتي، بالمناسبة وحسب مصدر آخر فإن خدمة هذه الديون بلغت مؤخرا ال13 بليون دولار.
بعض هذه الدول تمتلك احتياطات تفوق مديونيتها فمثلا الجزائر تمتلك احتياطا يساوي 18 ضعف مديونيتها، أمّا قطر والكويت والإمارات فإن مديونيتها الخارجيّة أكبر كثيرا من احتياطاتها الرسميّة من العملات الحرة، أو تصل إلى 4 أضعاف في حال دولة الإمارات، أمّا سوريّة الدولة المستهدفة من هؤلاء المسوخ فتمتلك ما يزيد عن 3 أضعاف مديونيتها وهي الدولة غير النفطيّة والضامنة لمواطنيها على الأقل تعليما وصحّة بالمجان.
حتّى "نستصرخ" المعطيات أكثر، فكلّ فرد في قطر مدين ب66 ألف دولار تقريبا وفي البحرين 31 ألف والإمارات 26 ألف والكويت 8 آلاف. وللمقارنة في سوريّة 270 دولار وفي الجزائر 206 دولارات.
أي أن الدول الأثقل مديونية من زاوية حجم الديون ونصيب الفرد منها، هي الدول العربية المصدرة للنفط والأكثر ثراء، باستثناء الجزائر وليبيا. أما الدول الأخف مديونية فهي الدول المعتمدة علي اقتصادات متنوعة وعلي نشاطات اقتصادية متجددة، وليس ريع ثروات نفطية ناضبة. وهذا الأمر يستحق التوقف عنده، فحجم المديونية الهائلة للدول العربية الغنية غير منطقي ولا يمكن تبريره، لأن اقتراض هذه الدول لم يكن له مبرر ويعكس خللا في النظر لقضية الاستدانة من الخارج.
إلى هنا المعطيات والخلاصة. فكيف يمكن تفسير ذلك على ضوء ما تصرفه وتستثمره هذه الدول في التآمر على الأمّة وبالذات مواطن قواها المتبقيّة كسوريّة اليوم؟!
أولا: القاصي والداني يعرف أن أمير قطر انقلب على والده أثناء تواجده في الخارج وأبقاه منفيّا، ولكن الجدير بالذكر في القضيّة أن هذا الانقلاب جاء ضد رغبة السعوديّة وبقيّة دول الخليج التي بدأت استعدادات عسكريّة سريّة لرد الوالد بالقوة لسدّة الحكم، لولا أن تدخلت الولايات المتحدة وكشفت الخطّة وأجهضتها، وثبتت "الحمدين" في الحكم مقابل اقتطاع مساحة واسعة من أراضي قطر لتجميع قواتها في الخليج، وأُطلقت قناة الجزيرة، والبقيّة معروفة.
ثانيا: ديون قطر كما جاء أعلاه 81 مليار دولار وهي من الدول التي يقل احتياطها عن ديونها كثيرا. ومع هذا تحظى بجدارة ائتمانيّة عالمية AA+" " ،حسب تصنيف أسيادها في الغرب، ناتجة طبعا وللوهلة الأولى عن غناها بالنفط والغاز.
ثالثا: الحقيقة أن هذه المديونية والأكبر من احتياطها أضعافا وهذا التصنيف لا يحوجان المرء إلى ثقافة اقتصاديّة واسعة كي يفهم، أن هذه الاستدانة غير المبررة هي دفع ثمن للولايات المتحدة وللدول الغربيّة وتايكوناتها من بنوك وشركات بفوائد طائلة (علما انه كما جاء أعلاه أن خدمة الديون العربيّة تبلغ 13 بليون دولار) ثمنا لحماية حكامها وحماية الدور المنوط بهم على يد ومع المخابرات الغربيّة لضرب مواطن قوى الأمّة وتحويل أنظارها لأعداء متخيّلين (إيران ومحورها الشيعي!) حماية لإسرائيل التي وصفها نائب الرئيس الأميركي بايدن مؤخرا أمام أصدقاء إسرائيل في "الإيبك" بالبارجة الثابتة الوحيدة لأميركا والتي لن تسمح الولايات المتحدة بغرقها. وإلا كيف تفسر هذه المديونية الكبيرة لقطر وهي الدولة الغنيّة والسابحة على بحر من النفط والغاز؟!
رابعا: إذا فقطر تصرف وبمقاسمة مع حلفائها من الخليج، على تدجين الدول العربيّة وغيرها من الدول الفقيرة و\أو الفاسدة بواسطة ديون من الغرب مضمونة مع فوائدها الفاحشة بثروات مواطنيها والعرب، وأدواتها الميدانيّة في ذلك من التكفيريّين والمتخلفين والإخونجيّين وفي ظل الإسلام وهو منها ومنهم براء، أما أدواتها الفكريّة فمن "علماء ومفكرين وإعلاميين" مدفوعي الأجر، ومن هنا يمكن أن يفهم المرء هذا الهجوم الشرس على سوريّة بالذات ومن خلفها إيران والمقاومة الرافضين لمشاريع التدجين لأنهم على الأقل رافضين أن يكونوا نعاجا يُساقون على يد "رعاة البقر" الغربيّين.
خامسا: التصنيف الائتماني العالي الممنوح لها رغم أن مديونيتها تفوق احتياطها، يؤهلها الاستقراض ومزيدا من الاستقراض طبقا لقوانين السوق الغربيّة، كذلك يؤهلها لضمان قروض من تايكونات بنوك الغرب للدول العربيّة العاجزة كمصر وغيرها أو يؤهلها الاستقراض وقرضهم، حيث أن سداد هذه القروض مضمون بثرواتها النفطيّة والغازيّة التي ترهنها بالمقابل استعبادا لسنوات طوال مستقبلا لأصحاب الدين البنوك والشركات الغربيّة.
الخلاصة: البنوك الغربيّة والتايكونات الغربيّة تكدّس الأرباح المباشرة من الفوائد على القروض وتستعبد الثروات الباطنيّة ضمانا للمديونيّة القطريّة والمديونيّة الأخرى للدول الفقيرة و\ أو الفاسدة المضمونة قطريّا والمقابل توفير الحماية لحكامها المسوخ مباشرة وتسويقا لبضائعها وبالذات أسلحتها. والنتيجة تصير هذه الثروات جغرافيّا عربيّة (خليجيّة) ولكنها فعليّا غربيّة، وما هؤلاء الحكام إلا حراسا لها عند الغرب مدفوعي الأجر العالي من بعض ريعها ومحميّين.
هذا يمكن ان يميط اللثام بعض الشيء عن الغرابة في تسنّم هذه الدولة بمسوخها من حكام وأدوات دينيّة وفكريّة وإعلاميّة "مشيخة" الدّمى العرب وجامعتهم، وبالذات بعد أن قرّر حمدُها أن الحديث يدور عن غالبيّة من النعاج، أو هل فعلا أن هنالك من لا يزال يصدّق أن قطر وحلفاءها وأجراءها دعاة حريّة وحقوق إنسان في سوريّة؟!.