أحدث الأخبار
الأحد 29 كانون أول/ديسمبر 2024
أوباما يهمش عباس!!

بقلم : نقولا ناصر* ... 16.02.2013

(يوسي بيلين: بموجب قانون العودة الإسرائيلي، يستحق وزير الخارجية الأميركي جون كيري الجنسية الاسرائيلية لأن جده وجدته لأبيه كانا يهوديين)
تؤكد كل الدلائل والمؤشرات الأميركية أن الرئيس باراك أوباما في مستهل ولايته الثانية قرر تهميش رعاية بلاده لعملية التفاوض بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي بتأخيرها إلى مرتبة متدنية في سلم الأولويات الخارجية للولايات المتحدة ولا يمكن تفسير ذلك إلا بكونه تهميشا أيضا لدور نظيره الفلسطيني محمود عباس الذي يعد التفاوض استراتيجية وحيدة لقيادته.
وعندما تكون المفاوضات هي الاستراتيجية الوحيدة لقيادة منظمة التحرير، يوجد مفتاح نجاحها أو فشلها في الولايات المتحدة، كونها الرحم التي تمد الاحتلال الإسرائيلي ودولته بأسباب الحياة والحماية، لذلك فإن واشنطن عندما تنسحب من عملية التفاوض أو تهمشها أو تسحب رعايتها لها ووساطتها فيها، وتمنع في الوقت ذاته أي دور بديل للأمم المتحدة أو للاتحاد الأوروبي أو لغيرهما، فإن هذه الاستراتيجية تنهار تماما.
ويصبح الاستمرار الفلسطيني في استراتيجية المفاوضات مكابرة في الخطأ السياسي يرقى إلى حد الخطيئة الوطنية، واستثمارا خاسرا في فشل مجرب، ومضيعة لوقت فلسطيني ثمين يسابق الزمن لانقاذ ما يمكن إنقاذه تمنح زمنا إضافيا مجانيا للاحتلال لمواصلة خلق حقائق التهويد الاستيطاني المادية على الأرض، وبخاصة في القدس، من دون أي مقاومة ومن دون أي استراتيجية فلسطينية بديلة.
والمفارقة أن الانخراط الأميركي طوال العقدين المنصرمين من الزمن في "إدارة" الصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين وعليها بدلا من الانخراط الجاد في البحث عن حل عادل له هو الذي قاد إلى الوضع الراهن الذي وضع وجود الشعب الفلسطيني ذاته على المحك وأوصل ما سمي "عملية السلام" إلى الطريق المسدود الذي تواجهه الآن.
قد يكون التهميش الأميركي للمفاوضات سبب لاحتجاج مفاوضي المنظمة وإحباطهم وخيبة آمالهم، لكنه بالتأكيد ليس سببا لأي تذمر وطني وشعبي فلسطيني، لأنه يوفر بيئة فلسطينية تجعل البحث عن استراتيجية وطنية بديلة استحقاقا عاجلا، ويفتح الآفاق الوطنية رحبة على خيارات أجدى للنضال الوطني، ويزيل عقبة كأداء أمام المصالحة الوطنية كانت إلى الآن سييا رئيسيا في تعثرها وتأجيل تنفيذها، ومن المؤكد أن الإصرار الأميركي على الاستمرار الفلسطيني في استراتيجية المفاوضات يستهدف الحيلولة دون كل ذلك، بقدر ما يستهدف محاصرة عباس لمنعه من استكشاف أي خيارات فلسطينية بديلة.
يوم الأربعاء الماضي، حذر وزير خارجية أوباما جون كيري في واشنطن من أن "نافذة فرص حل الدولتين تنغلق" الآن، وهذا تهديد مكرر يستهدف الضغط على الرئاسة الفلسطينية المتمسكة بهذا الحل وتعده "المشروع الوطني" الفلسطيني للقبول باستئناف المفاوضات بشروط دولة الاحتلال ومن دون شروط من جانبها، ومع ذلك أعلن كيري بأن رئيسه "غير مستعد في الوقت الراهن لأمر آخر غير الإصغاء إلى كل الأطراف".
وقد وفر رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على أوباما مهمة "الإصغاء" له عندما يلتقيان الشهر المقبل بما وصفه أحدهم ب"مبادرة إعلان نوايا" لاستئناف مفاوضات من دون شروط للتوصل إلى "اتفاق دائم" على "حل مؤقت طويل المدى" في إطار "ما لخصته في خطابي يجامعة بار ايلان (قبل أربع سنوات): دولتان لشعبين، دولة فلسطينية مجردة من السلاح تعترف بالدولة اليهودية" كما أعلن لوفد من قادة يهود الولايات المتحدة يوم الاثنين الماضي.
وكان كيري يتحدث بعد يوم فقط من إعلان أوباما في خطابه عن حالة الاتحاد الأميركي أمام مجلسي الكونغرس بأن من "الرسائل التي سوف أوصلها عندما أسافر إلى الشرق الأوسط الشهر المقبل" رسالة "اننا سوف نقف ثابتين مع إسرائيل في سعيها للأمن وسلام دائم"، وبالرغم من "الرسائل" الأخرى التي سوف ينقلها خلال زيارته ومنها "الإصرار على احترام الحقوق الأساسية لكل الشعوب" وكذلك "وجوب أن تظل أميركا منارة لكل من ينشدون الحرية" لم يرد في خطابه أي ذكر للشعب الفلسطيني الذي ينشد الحرية والتحرر من الاحتلال أو لحقه في تقرير المصير كواحد من "الحقوق الأساسية لكل الشعوب".
وليس من المتوقع أن يكون كيري مختلفا عن أوباما في الفصل التعسفي بين "السلام" الذي يسعى إليه وبلاده وبين "إنهاء الاحتلال"، فهو كرئيسه معني بسلام يضمن الأمن لدولة الاحتلال فحسب، ليس لأنه ملتزم بموقف رئيسه فقط، بل لسبب شخصي أيضا كشفه يوسي بيلين في مقال له نشرته صحيفة "اسرائيل هايوم" العبرية في السادس والعشرين من كانون الأول / ديسمبر الماضي، إذ "بموجب قانون العودة (الإسرائيلي)، يستحق كيري الجنسية الاسرائيلية، لأن جده وجدته لأبيه كانا يهوديين. واعتنق أخو كيري اليهودية... والادعاءات التي تزعم بأن كيري معاد لاسرائيل تجعله يبتسم"!
في الظاهر، تعطي زيارة أوباما لرام الله في الحادي والعشرين من آذار المقبل انطباعا مغايرا خادعا، لكنها في الواقع سوف تكون مجرد مناسبة بروتوكولية لن تحمل أي جديد أميركي يخرج مفاوض المنظمة من مأزقه، بل ستكون مناسبة لإعادة تأكيد المواقف الأميركية الضاغطة على عباس، وفي رأس هذه المواقف إبلاغ عباس أن الولايات المتحدة لن تعترف بدولة فلسطين قبل أن توافق عليها دولة الاحتلال في مفاوضات ثنائية مباشرة على عباس أن يستأنفها من دون شروط.
وعلى الأرجح أن يحرص أوباما خلال "توقفه" في رام الله على عدم إعطاء أي مؤشر يدل على سحب معارضة بلاده لاعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة غير عضو فيها، ولتأكيد ذلك ربما يتجنب أوباما بروتوكول استقباله رسميا كرئيس دولة زائر لدولة مضيفة بسجاد أحمر وحرس شرف وعزف النشيدين الوطنيين الفلسطيني والأميركي ما يضطره لتحية علم "دولة فلسطين"، وربما يتجنب أيضا عقد أي مؤتمر صحفي مشترك مع عباس حتى لا يتيح له فرصة التحدث بصفته رئيس دولة فلسطين وهو يقف إلى جانبه مستمعا.
وعلى الأرجح سوف يسعف أوباما عباس ب"جزرتين" للمساهمة في حل الأزمة المالية لحكومة ما سوف يسميه أوباما طبعا "السلطة الفلسطينية"، وليس حكومة دولة فلسطين، الأولى ب"إقناع" دولة الاحتلال بالافراج عن الأموال الفلسطينية التي تحتجزها، والجزرة الثانية الإفراج عن (700) مليون دولار من المساعدات الأميريكية يحاول كيري وإدارته الآن إقناع الكونجرس بالافراج عنها، وعلى الأرجح كذلك أن يكون هذا "الإفراج" مشروطا سياسيا بموافقة عباس على استئناف المفاوضات، أو في الاقل استئناف محادثات للاتفاق على استئنافها، من دون شروط.
ومن مظاهر التهميش الأميركي أنه لم يرد ذكر للفلسطينيين في خطاب أوباما عن حالة الاتحاد بينما وردت كلمة "إسرائيل" مرة واحدة فقط في خطاب بلغ عدد كلماته (6500) كلمة تقريبا، وجاء ترتيب "عملية السلام" في آخر القضايا الخارجية على جدول أعمال ولاية أوباما الثانية، وهو "ما قد يجعل نتنياهو يتنفس الصعداء" لأن معناه أن أوباما "لن يستثمر الكثير من الجهد لانتزاع تنازلات من الحكومة الاسرائيلية من أجل إعادة بدء المفاوضات" كما كتب هافيف رطيج جور في "ذى تايمز أوف اسرائيل" الأربعاء الماضي.
ويلفت النظر أن أوباما سوف يخصص للرئاسة الفلسطينية ساعتين تقريبا من مدة زيارته، مقابل ثلاثة أيام يقضيها في القدس المحتلة في أول زيارة رئاسية رسمية له لدولة الاحتلال، ويبين برنامج الزيارة المعلن أنها ستكون دورة تثقيفية له في المسوغات النازية للنكبة الفلسطينية عندما يزور في يومه الأول متحف الهولوكوست، وفي تاريخ الصهيونية عندما يزور ضريح ثيودور هيرتزل، وفي جهود دولة الاحتلال في السعي للسلام عندما يزور ضريح اسحق رابين، ولتثقيفه في تاريخ ارتباط اليهود بالقدس وفلسطين سيأخذه نتنياهو في اليوم الثاني للاطلاع على "مجسم للقدس في عهد الهيكل الثاني" ولرؤية مخطوطات البحر الميت، ثم ليصحبه في اليوم الثالث قبل ان يغادر إلى الأردن لمشاهدة إحدى بطاريات "القبة الحديدية" التي مولت الولايات المتحدة تطويرها بأكثر من مليار دولار في ذروة ازمتها المالية. وتذكر زيارة أوباما المرتقبة لرام الله لمدة ساعتين على هامش زيارته لدولة الاحتلال بزيارته الأولى "المجاملة" لها لمدة (45) دقيقة وهو مرشح للرئاسة عام 2008 على هامش زيارته آنذاك لدولة الاحتلال التي لبس فيها القلنسوة اليهودية عند زيارته لحائط البراق في القدس المحتلة.
لقد "تفاوض" الرئيس عباس مع ثلاثة رؤساء أميركيين خدم كل منهم لولايتين، آخرهم أوباما الحالي، وكانوا جميعهم "محامين" عن دولة الاحتلال في التفاوض معه، ويبدو أن على الشعب الفلسطيني أن ينتظر رئيسا جديدا له يستفيد من تجربة عباس ليدرك بأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تكون الحامي الأول لدولة الاحتلال والممول والمسلح الرئيسي لها وتكون في الوقت ذاته راعيا ووسيطا نزيها بينها وبين أي مفاوض فلسطيني يسعى إلى تسوية سياسية عادلة للصراع.
وبغض النظر عن الانقسام الفلسطيني الحالي وحدة السجال السياسي فيه، فإن التهميش الأميركي للمنظمة وعباس والاستخفاف بهم إهانة لا تستهدفهم وحدهم، مهما عزز ذلك وجهة النظر المختلفة معهم حول عقم الرهان على أميركا وفشل استراتيجية المفاوضات برعايتها، بل يستهدف قضية شعبهم العادلة برمتها، ويخدم العدو المشترك لعرب فلسطين جميعهم، ولذلك فإنه تهميش مرفوض ومستنكر منهم جميعا لأنه يمس كرامتهم الوطنية.