أحدث الأخبار
الأحد 29 كانون أول/ديسمبر 2024
ديوان رنين الغياب للشاعرة ميمي قدري!!

بقلم : ابراهيم رضوان ... 22.04.2012

***
(قديس أنت، بين حناياه الحنان
على أجنحة الطهر قلبه استكان)
و
(تحملني فراشات وجهك الصبوح
على أشرعة المنى
أصعد... وأصعد أدراج الأمل
أشتهي وأشتهي ماء الحياة بمقلتيك
أسطورة أنت
تُغرقني شطآنك
لا ظمأ يرتوي منك ,,فأحبك أكثر)
و
(جئت لطراوة قلبك
فاستعصت شرفات اللقاء
أبت أهدابي التنازل عن
تمتمات الشمس)
و
كل شيء في هذا الديوان يقول أن عطاء الشاعرة ميمي قدري لن يكون عقيماً خصوصاً أنها تتمتع بهذا الصوت الشلالي الهادر.... والموجات الصاعدة الهابطة والوهج الرائع.. المتألق في حروفها ... وهذه الحشرجة الشريفة المرتبطة بحبات النفس وأطراف الروح
(نُحر شجري اليابس
على ألم ساكن في عمق الحنين
أيقظت تنهيدة مترنحة
على وجنة حرف
سالت العبرات
والوريقات تناثرت
في هباء النسيان
بخنجرِ لئيم)
وهكذا يستمر هذا التدفق في قلب الشاعرة ميمي قدري وديوانها (رنين الغياب ) لُيُجبر المتلقي على أن يعايش أشعارها أنغاماً وانفجارات نفسيه ... وعنفواناً انسانياً ... وتحرقاً ... وتمزقاً ... ونفحات عاطفية تُصيب الانسان بجمالها ... وتتحول من( نفحات) الى( لفحات) رائعة , ميمي قدري تسد جوعها الروحي بالرمز حتى تهب لنفسها هذا التوازن المطلوب في عالم يتمرجح بين ألاف الشعراء الذين لا يفقهون و............
(وداعا لروح مصفدة
ودمعة على وجنتيها مجهدة
تبعثرت أحلامك على وسادة
من أناتك,, خُبأت بمسام
دم القصيد
إنسكب كأس الحلم من يدي
أجهدني غيابك ...
تضمك أحلامي ممددة
على نجمة أثلجها عبث الرغبة
على شفاه السنين)
إنه الحوار المتصل بينها وبين كل الاشياء ... أحزانها القاتمة تمسحها في خُضرة الرمز حتى تكتب وتكتب , لا يحجب الرمز في عالم ميمي قدري هذا العطاء المتدفق ... ولا يعبر عن انكسار القلب بشكل انشائي .... الشاعرة هنا تحمل صليب الخلق لتبعث لنا جثث القوالب المهشمة... فتتدفق في عروقنا أمواجاُ سحرية في باطن خُضرة الشاعره هذه النيران المتدفقة , تسير معها بين هذه الخلجات التي تمتلكها كما تمتلك هذه الازهار التي تخاف عليها من الموت إن هي تنفست مايتنفسه الناس من صور عادية ومعتادة .... انها مملكتها الخاصة والمميزة ... تتحدث معها.. تأخذ على خاطرها من الروح المصفدة والدمعة التي تُعانق الوجع ... تُخاصم مملكتها لكنها لاتخسرها....... تكتبها بعد أن تتم كتابتها هي من خلال هذه المملكه ... هذا هو حوارها الصامت أو حوارها المنفجر والذي يحدث دوياً في داخل النفس لا يسمعه الا ميمي قدري...... ولا يفهمه الا هي .... تمتطي صهوة الورق .... سيفها هذا القلم المملوء بالشجن
(هجرَت روحك
دنيا أضناها غفلة موحشة
أمطرت الغيمة
براعم وجهك العذب
فصفقت أجنحة السماء
لتلعق موسيقى الإنتظار)
قصائد الحب والعشق تعتمد بشكل مطلق على سهولة الانسياب وبساطة اللفظ ... وخاصية التعبير , الحب في دائرة الشاعرة ميمي قدري يكره التعقيد ويرفض المرض , تهرب الشاعرة من اللفظ البهلواني حتى لا تتحول الى( وسيلة ) للوصول من خلال قصائد مشبوهة , في قصائد الشاعرة يتراكب الشكل والفكر و يتحول الإيقاع الى خطوة رائعة في طريق الفكر.... حتى القوافي اللامرئية تتحول الى علامات منيرة لا نستغني عنها أبداً...
القصيدة في عالم ميمي قدري محيط متدفق يتراقص فرحاً وحزناً كلما عانقته (الروافد) , انها (نفس واحد)
(اتشحتُ بالألم
وبين يدي
احمل نهر دموعِ
تنزف بها القلوب
أرتل ..أصلي صلاة
الغفران
أريد الصكوك .... لكي تتوه الروح
عن معبر ينحدر منه رنين الغياب)

العشق في طريق الشاعرة ميمي قدري يحمل صوتاً خاصاً ... بعيداً عن الملل والرتابة ,يبعث الاشياء من الرماد الى السماء , لا نشعر معه بعبثية الكلمة لان الكلمة في عالمها (خلق) ,انه الجرس الذي يحدد لنا شطوط الرفض , ان اشعارها الرقيقة هي شاهد الحاضر ورؤية المستقبل , انها زادها اليومي بعيدا عن الحذر والخوف الذي يسكنها بعد الكتابة لا قبلها.... لا يصلح شعرها الا للقراءة الهادئة الواعية.....
اللغة الشعرية تتحول في قصائدها الى لغة آخرى , تهضمها... ثم تكتبها بشكل جديد, انه الإجترار الشعري , أشعارها ليست (قوالب) جاهزة استعملها آلاف الشعراء... انها إعادة تشكيل للواقع النفسي والحضاري والإجتماعي لهذه الشاعرة التي تنبض كلماتها بالحب والشعر والعطاء .. لُغتها لغة خاصة.... الألفاظ فيها مشحونة ... انها تملك هذا الطموح الذي يقودها الى توظيفها توظيفاً جديدا وفي شحن الحروف بألوان رائعة
(هذا البحر لك...
ألا يكفيك
إرتعاشة موجتي الذاهلة
ألا يكفيك عشق...يحطم الجبال!!
كيف ...كيف؟
لا تتّحد الروح والجسد!!
فيعانق وريدك وريدي
لا ترحل
بدونك تحترق...جدائل الياسمين
يتجرع القلب ...علقم الأنين
هاجر إ لي ولي...واسكُبني على جسدك
الحنين
وخذ يدي لتراقصني...رقصة حبلى باليقين
فأنا لك من بدء التكوين
لا ترحل
حبيبي ...عد لقلبُكَ لا ترحل)
ميمي قدري دائما مسيطرة على قصائدها حتى قادتها -عن عمد- الى استخراج صور مغرقة في عدم مألوفيتها , ان أفضل مناهج التعامل مع القصائد الشعرية هو منهج الكشف عن حدود القصيدة ... منهج الإنارة الواعية حتى تكتشف حركاتها الداخلية... ودوائرها التعبيريه .... بذلك تستطيع بسهولة أو صعوبة استخبار كنوزها السرية , القصيدة الشعريه هي عمل تركيبي يُشارك في البناء والتكوين , انهما عنصران لا يلتقيان الا في (سنتر ) العمل ,البناء لا يكون متسلسلاً وفق خطوات ترابطيه كمايحدث في القصائد العموديه , هنا نلمح البعد الأسطوري والبعد العاطفي في معظم قصائد الشاعرة ميمي قدري
(انتظرتك تعود
أشاركك دخان حيرتي
تشاركني كأسا مزاجها
قاتل
شك ويأس وصدود
أحبك أحبك
يا سيدي متى تعود ؟؟)

تستمد شاعرتنا ميمي قدري لُغتها من لغة الحياة العاطفيه اليوميه بعد أن تنصهر في بوتقة الصور والامواج والمصطلحات , تقدم أو تحاول أن تقدم سيرتها الشخصيه .. لا تبدأ من الصفر لكنها تبدأ من (القمة)أو( الذروة) اذا صح التعبير , الرمز المكاني في أشعارها له هذه الدلالات التي تتجسد لنا كجزء هام جدا من حياة هذا الوطن, تتصادم مع الرفض ... ثم تتضافر مع الخطوات السريعه (سالبة كانت أم ايجابيه) ثم ... نسمع صرخات الوليد الشعري عندما تتبلور كل الصور مع كيان ووجدان المتلقي ... اللغة عند ميمي قدري تميل الى التوتر ... تنقلاتها لاهثة بسبب السرعة ... الإيقاع محسوس في كل الحروف , تنتقل دائما بنا الى مرحلة عرض التجارب الحياتيه لها , انها مرحلة الإحتكام والتحكم , تتحقق لها دائما الولادة , انها تحاول أن تحقق هذا النوع الواعي من التكامل القائم على التضاد ... أو بطريقة أصح المزاوجة بين هذه الخطوط العكسيه
(أتقن القلب إشعال فتيل النسيان
فأنار الدرب فرحة ابتسامة شمس الأمل
ونسج النهار من حبات ضوء الفجر عناقيد من نور
وبين فراغات السطور تألق الحرف
وتداعت حصون الخيبة ... فانتصر القلم
وتسارعت الكلمات تسابق الفواصل
لتُسطر.. أجمل القصائد)
اذا ترددنا أمام قصائد ميمي قدري ... اذا تريثنا وتوقفنا ونظرنا اليها بشكل محايد ..... سنفقد فورا نجمة الفجر التي تنادي وتتخلى عن الذين يحاولون السفر في قوارب الخبز والحب والرعد والشروق , حاولتُ بقدر الإمكان أن أتفادى اكتشاف أثواب القصيدة الشفافة لكنني ودون أن أدري .... دخلتُ في بعض التفاصيل الخاصة جدا بالشاعرة .... الرمز الذي تطرحه ميمي قدري تدفعه لنا بإيحائيه بسيطة وعميقة في آن واحد ,تُعطيه لنا بلُغة شعريه لكنها بسيطة في نفس الوقت .. بعيدة عن التقعر والتكلف , تحاول الشاعره اصطياد الصور المستحيلة وتنجح في ذلك كل النجاح متجنبة هذه الحركات البهلوانيه التي أفسدت شعرنا في الفترة الأخيرة
(أتلو تراتيلاً من اللهفةِ والحنين
أسكن بزهو كزهرة برية داخل شلال أعماقك الهادرة
ينبت على جسدى الرفض لأمواج شهب أحلامك
الناحرة لبراءة عشق
أثمر عن حراب التوبيخ التي استقرت على صرح سماء النفس)
الشكل والمضمون أوصلتهما ميمي قدري الى بر النجاه , وصلت بنا الى البناء المُقنع البسيط ... لماذا؟؟ لأنه لا يبقى الا المعمار الذي لا تتعمد فيه الزخرفة اللفظيه وتسقط معه في بئر النثريه مهتمة بالمضمون فقط ,, تتفادى الشاعرة ميمي قدري التكرار في المعنى وتحاول الحصول على جزء كبير جداً من التركيز , في بعض الاوقات يكون التكرار هو (إلحاح ) حتى يصل بنا الى مرحلة الإقتناع بأن الضفاف الشعري الذي نراه بعيداً لابد أن نصل اليه مهما غرقت القوارب في الأمواج والعواصف و..... و.....
نرحل مع الشاعرة دائما في محيط الشجن والقلق والمعاناه والألم حتى نعثر على القصيدة (القصيدة)
(اقتربت منك ...وجدت العهد هائماً تائها"
والأمل في حبك سرابا"
تهفو النفس مابين الفرقدين
يخفق القلب............
ينقش اسمك بين تعاريج السحب
لتُزهر نبضات عشقك
بين طيات دفاتري
يتألق شعاع الهمس
فتتوهج راية الحنين
على صفحات جبينك)
الميزة التي تتمتع بها ميمي قدري في أشعارها هي (النغميه ) التي لم تتركها لحظه .... الإيقاعيه التي ترافقها ... والموسيقيه الغير محسوسه التي أصبحت عاملاً مشتركاً نلمحه في كل قصائدها التي تتحلى وتتجلى بإشراق الكلمة وغزارة المفردات والتراكيب والصور بعيد عن هذه الألفاظ المتعمده ... والعبارات المصنوعه ... والمفردات الغير منطقيه لذلك .... وعلى ما أظن .... ستبقى معظم قصائدها متمتعة بالعمارة الهندسيه المتينة البناء
(أذنت للخطيئة عن أشرعة الروح بالرحيل
لا تحتاطي.... فأنت بالنزع الأخير
ترجلي عن خطوط الليل المتدثر
بأبخرة نجوم الصمت والتائبين
تشقى النفس بك فتتسلق أغصان العفاف
المنتصبة على أسنة الضمير)

قصائد ميمي قدري بها جزءاً كبيراً من العمق المضموني رغم دخولها في منطقة الغموض التي تسكن فيها ملائكة الإيحاء والإبداع والحب والعطاء والشفافيه ... شاعرتنا في بعض الأحيان تشعر بالإنتماء المخلوط بالخواء والإندحار أمام دروب الخراب , ونظرتها الميتافيزيقيه تسيطر على أفكارها القصائديه المستمده من شوارع الحياه , في بعض الأحيان تكون نظرتها شديدة الرومانتيكيه , صحيح أن الشعر لا يحتمل المحاكمات العقليه إلا في حالة واحدة هي أن يطرح الشاعر مقولات عقليه نستطيع مصادرتها بشكل شريف على نفس هذا الأساس الذي بناه الشاعر
(تآسرني نظرات من تراتيل الزمن
يشتعل فتيل أشتياقي لأسطورة الجنون
تهفو ملامحي لصخب عشق يسافر
لسماء تتعطر بغيمة السكون
تنصهر بين جوانح نبضات الغياب
حروف وعناقيد من ثلج الكلمات)
لقد دخلنا في دائرة الغموض الشفاف الذي يغلف قصائد الشاعره ميمي قدري والذي يجبر القاريء على حب قصيدته لانها لم تُسلم نفسها له بسهولة وسرعة وتمنعت وعذبته وجعلته يلهث خلفها كما فعلت الشاعره وهذا هو سر البقاء في دائرة الإبداع الحقيقي وخلق دروب خاصة بها , تستطيع أن تصل بها الى المتلقي الواعي
(حديث الليل أشجاني
وهذا السر أعياني
ملاكي تراني زاهدة؟؟
وهذا البوح أبكاني؟!!
أقاوم فيك إعِصاري
ملاكي حزن أمطاري
سأبحر دونما سفن
ساُبحر دون شطآني
سأُبحر فيك راضية
فساعدني .
فموج الشك أشقاني
أنا في الشوق راهبة
وصادقة
لماذا الشك يا أملا
حنين الوجد أرسمه
بفرشاتي
بمأساتي
بكل كلِّ ألواني)

في قصائد ميمي قدري تفقد الأشعار معانيها القديمه وتتخذ لها دلالات جديده لها من الخصوصيه ما يجعلها دائما شامخة أصيلة , كل الدلالات لها خلفيات وظلال في نفس الشاعره , والأصالة هنا تُشكل صوراً شعريه مُغرقه في الغرابة الواعيه , من هذه الصور يتشكل لنا لوحات سيرياليه تطمح في توظيف (غرابتها) توظيفاً انسانياُ مفهوماً ,الشاعره ميمي قدري تخلصت من ضغوط الشكل التقليدي وحتى من( جمالياته) ومع ذلك لم تقع تحت تأثير التوظيف الغير واعي للغه , إن قيمة الشعر بإعتبارها لونا من ألوان الخلق الغني تعتمد على الوحده بين الشكل والمضمون , لا قيمة للشكل الشعري بموسيقاه اذا كان يفتقد هذا المضمون الذي يتفاعل مع هذه الموسيقى
(تُصْلَبُ الروح على أنفاس القمرِ
فتموج مملكة الشمس
ويضيع بين ثناياها سِرك َ...وسري
إخفض جناحك لنعتلي درجات الآملِ
ومن خيوط الغيم أغزل سراَ
لفراش الكلماتِ
دعني أتنفس بوحي)
أقول لا أهمية للمضمون اذا لم يعتمد على شكل موسيقي تمنحه أنغام الحياه, الموسيقى عند ميمي قدري هي الجانب الثوري الذي يُطغي على كل أعمالها حتى لو كانت عاطفيه , انها تكتب الشعر (المستمر) وهو الذي تكون فيه قوة الإستمراريه واضحة ومكثفة في وقتِ واحد(
فأنزف وأنزف وأنزف
ليتها الذكرى تبوح
أو تضمد ماتبقي من رماد الأمنيات
ثوانِ ... لحظات ........
وينتهي ولهي بالحرفِ
والفرح المؤجل
ويحي!!!! جفت الدموع
وبأناملي أوقفت النزف
فَكَيف بعد الأن أغفو؟؟!!!)

القصيدة في دنيا الشاعره ميمي قدري بلا بدايه وتنتهي بلا نهايه ... ورغم ذلك نلاحظ أن (الحدث) يتمتع بمجموعه كبيرة من الألوان , ليس بقصائدها أي خلل أو اختلال أو اضطراب في المشاعر لأن الحدث تحول الى استمرار يهتف بقوه على كل أركان المضمون , الشاعره رؤيتها عميقه مكثفه ... ونظرتها شموليه ... تتحكم في ألوان السطور .. تنتقي لوحاتها بمهارة شديدة , الرمز تكتبه بمنظور تراثي عصري وواقعيه جديدة ... وتجريد تتحول معه اللفظه الشعريه الى أبعاد وأعماق تجعل الصور متتابعه بشكل عفوي
(رفقا" ... رفقا" ياحبيبي
اجعل من جسدك مملكتي
ومن دمائك.... أملأ محبرتي
يا أغنية كُتبت على مرآة الغيبِ
أوصل بين وريدك ووريدي
الحبل السري
وأبديةُ قَدَري)
تبحث شاعرتنا ميمي قدري عن الإنسان الذي دمره الفراق ... الذي حطمته الظروف والطغيان , الإنسان الذي يلتمس أصالته في التعبير العاطفي عن نفسه , القصيده هنا تتنفس .... الحرف يتنفس .. وربما يفرح ويقتل ويحول الدم الى (حبر) .... الشاعر شيء أخر .... إنه الفكر , إن شاعرتنا تُناصر الإرادة الإنسانيه من جهة العاطفه حتى تنتصر على الفوضى بالحرف الشريف الغامض مثل الحياه, إنه انبعاث الجسد , تمشي ميمي قدري خلف من يحملون اللغز في أيديهم باحثة عن مفاتيح جديده للغه , مفاتيح الحب التي تفتقده وتمتلكه في نفس الوقت
(أيا عاشقاً
غارقاً في الظنون
وتدعي وتدعي الجنون
أيا راحلا
على أجنحة الهوى
مسافرا
يلوح من شراعــه على زوارق العدم
فقاتلا ومرة ً يخون ْ
ومرة يقايض الزهور بالمطر
ويفرش بشرفتيه للنـــدى
مخامِــلا ً
لكي أكون
يتركني دون هـــدى
يتركني لحيرتي ،
أعاقــــرُ الشجــون ْ)

العبره ليست بما نكتب ... العبره باللغه الخاصه ... الخلاقه .... التي كما فعلت ميمي قدري ... تقتنصُ فيها العالم بكل لُغاته, إنها موسيقى غير التي تعودنا عليها , الحرف الذي يجرح ... يؤذي ... يُرث الصراع الذي يحس معه المتلقي بأن وجوداً جديداً يتدفق من وجدانه إن شاعرتنا تعزف على أوتار الكلمه (الومضه).. الضفاف الذي يُقال عنه رمزاً , ليس الرمز هو الشيء الذي يُفسر ... الرمز ينبغي أن يتضمن هذا الغموض الساحر الذي نُصادفه في كل قصائد الشاعره ميمي قدري, في أشعارها يصرخ العطش.... يرتجف الجوع ... تنطق الأشجار بعد أن تُحادثها وتُحادثها, إنها سيمفونية البحث عن الشبع والإرتواء , الفجر الذي تحاول أن تسحبه من ظلمات البحر الذي تشبع بالجثث , إن الشاعره لا تتحمل الزحام ولا التجمعات إلا في شعرها المشحون والذي يدفعنا دوماً الى الخروج من قوقعة الصمت... لنستوعب .. .. ونقرأ وفي معظم الأحيان ... لنكتبُ قصة جديدة
(فانظر لما بين الجفون ْ
أودعتني الكحل
فغارت
من مرايايَ العيون
بجبهتي اثر السجود
يا عاشقي لا لن أعود
أنني أحتمل منك الأذى
و الإشتهاء
أقرأ بعينيك نداءات المساء
لست أنثى
أنا يا سيدي امرأة تشبه حُسن
السماء)

نحن أمام قصائد ميمي قدري أمام شكلين من أشكال التعبير:
الشكل الأول:: هو (الأنا) أو السرد الذاتي , في قصائدها التي تعتمد على هذا الشكل تستعرض تاريخها مع الحبيب
و الشكل الثاني:: هو هذا الجو الأسطوري الذي يُغلف قصائدها ويعطيها صياغة جديده , يلتحم – شخصيات – بالقصيده, يرتبط بها في محاولة اندماج مع المتلقي , يُسرع في الخطوات التنقليه محافظا على القاريء , يحقق قدرا رائعا من( الموضوعيه) التي تسري في كيانها مع هذه (الكهرباء) الرقيقة والعتيقة
(لن تموت بين ذرات ثرى جبال الغياب
ياساكني ... ياساكني !!
سرك يغفو بين الأهداب ويتقدمني بين عيوني
يهدهد الأمل ويرفض العتاب!!
صيحة الآه تشق صدى الليل
تسري بالجسد العليل
تغتسل بين الأجفان.....و تنهمر شلال روعي
لتوقظ صهيل الحنان)

قصائد الشاعره ميمي قدري متوحدة معها رغم خطوطها العكسيه , إنها هذه (الوحده) القائمه على( التضاد), إننا هنا أمام شاعرتنا نحاول الكشف عن (خارطة ) لقصيدتها التي تبدو في أحيان كثيره شامله , نحاول الكشف دون الدخول في التفاصيل , نراقب سير البناء المركب ... والتجربه التعبيريه التي أوصلتنا –دون أن ندري- إليها , لقد أوصلتنا ميمي قدري الى ضفاف التأمل والبحث عن كنوز سريه بين الكلمات العاطفيه والمعاني والصور
(أسكب على جسدك ماء السهر
أداعب النجوم بأهدابك
فالسحر لوحة ...ألوانها من مقلتيك)
ظلم للقصيدة وكاتبها أن نضع تقييماً لها في وقت قصير مستنجداً بكل قواميس النجده حتى نكتب بدايه ونهايه لدراسه شعريه عند شاعره تحاول امتطاء صهوة الشعر الحقيقي بعد أن بذلت جهداً في معاناة المخاض وعذابات الإبداع المتصل , أغرتني ميمي قدري أن أنظر الى قصائدها بعد أن اكتشفت أنها صوت خاص من أصواتنا الشعريه المعبره عن الواقع العاطفي والغير عاطفي, نحن نبحث عن امتداد العطاء في الديوان وفي رحلة البحث نكتشف أن القصيدة تمتلك أوتارها الشفافه... وأمواجها الدافئة ... وصوت نغماتها التركيبيه المُهندسه , أتوقف مع الشاعره بعد أن عانت القصيدة العموديه والحديثه والنثريه من تقعر وتغريب وتعقيد وتضليل وتهويم واحداث أو محاولة احداث (اشتعال للكلمات) من خلال القش المبلول والمخلفات القديمة والصور البهلوانيه واندحار جذوة النغم والإيقاع وكل مايرتبط بالشعر الحقيقي, لا يوجد حل للازمه الا بالعوده الى ينابيع الشعر الدافئه والتي انطلقنا منها مع ميمي قدري التي تكتب من خلال هذا التيار الواعي بحيث تخلط الأصالة مع المعاصره لتقدم لنا مزيجا صافيا من الاشعار
(اندلق العطرُ
وضممتني
تشقى وتشقيني
وبنبض الروح يا انت تنهيني
القلب طوعك في الشوق و يعصيني
من حــرر الروح من لغتي
والسر تفشيه
من علم القلب
أن الشوق يُنهيــــه
أن الغدر يُلهيه
ان الحب يُشقيه
يا من أطلقت الموت بشراييني
وتدعـــي
أنك تحييني)
عندما نبدأ الترحال أو ننهيه مع قصائد الشاعره ميمي قدري يكون القلب نفسه حريصا على اكتشاف خباياها ... ورفع الحجاب السري عنها حتى يراها بوضوح ... حتى ولو كانت تفتقد هذا الوضوح ... انه الغموض المُعبر .. الموحي ... الذي يشبه هذه الستائر الشفافه التي تُشقي المُتلقي حتى يكتشف ماتُداريه عنه وتمتد قرونه الإستشعاريه حتى يلمس أسرار جمالها بعد أن يشعر بهذا العذاب الجميل
(تتنفس من ليلِ أشجاه السهر....سفرا لعينيك...
يهاجر الألم ليعتلي بحراً أدماه الغياب
تنبت أجنحة الروحِ لتُحلق فوق صحراء
رمالها!!
تحركها الأشواق
تحكي وتحكي لتُثمر النخلات سر الحكايه)
وهكذا نكتشف من البدايه للنهايه أن أشعار الشاعره ميمي قدري واضحه جداً بل في بعض الاحيان تكون أوضح مما ينبغي ...لا .. لأنها بسيطة في مضمونها المكنون (البساطة لا تُعتبر خصماً .. للشعر ... بل هي دائره إيجابيه مكشوفة الرموز) ولكن لأن الشاعره تُبحر معنا من خلال قوارب الرمز , جمال قصائدها يكمن في هذا العناق التلقائي بين البساطه الشعريه التعبيريه والرمز المضموني العميق , الرمز في قصائد ميمي قدري يُقلقنا ويجعلنا دائما على استعداد تام لاكتشافه والتكهن به, لكننا نُدركه ونصل اليه ونستبقيه في أرواحنا سراً من أسرار لغة الشعر ولا نبوح به حتى لا تحترق المعاني وتفقد سحرها , ننتهي مع الشاعره ميمي قدري في طريق الشطوط الشعريه التي تحتضن هذا الضفاف الذي لا ينضب ... مبتعدين معها عن طريق الموانيء الرخيصه , الطريق محفوف بالمخاطر ولكن القلب المُخاطر كقلب الشاعره قادر على الوصول الى قمر التلاقي ... ونجوم الخلق الخاصه بها محققه هذا الإنتصار الرقيق من خلال ديوان له عالمه الخاص وأمواجه المتميزه!!